دراسات أدبية

ثلاثية غرناطة و رضوى عاشور

ثلاثية غرناطة و رضوى عاشور

423 مشاهدة

ثلاثية غرناطة و رضوى عاشور ...

الأديبة #إيغار _كنيفاتي

تملك هذه الروائية قلماً سيالاً من الصور، مخزوناً لا يُستهان به .. كنت متوجسة في البداية من الرواية مع أن سمعتها سبقتها، لكن يخطئ الناس أحياناً في تقدير الأدب، كما يخطئون بتقدير أنفسهم ..!

لكني تفاجأت بها أنها كما نجيب محفوظ في دقة الوصف و التقاط التفاصيل المميزة ..

مع زيادة في أنها اختارت موضوعاً يثير بنا الكثير من المشاعر المتناقضة ..

و تتميز عن نجيب محفوظ بأنها  أكثر عمقاً ..

امتلكت أدوات جبارة لتتحدث عن زمن تدور احداثه في مملكة غرناطة بعد سقوط جميع الممالك الإسلامية في الأندلس، وتبدأ أحداث الثلاثية في عام 1491 وهو العام الذي سقطت فيه غرناطة بإعلان المعاهدة التي تنازل بمقتضاها أبو عبد الله محمد الصغير آخر ملوك غرناطة عن ملكه ..

لقد وصفت لنا الكاتبة الأندلس و كأنها قطعة من الجنة ..

طرحت عدة تساؤلات ..احداها

فكرة البشر الغريبة في أن المسلمين يجب و من الضروري و على الأكيد أن ينتصروا ..!! و هذا ما لم يحصل

و بهذا السؤال أجد نفسي وقد وقف أمامي و في رأسي

( أن الله لا يتدخل في حروب من صنع البشر )

السؤال الثاني الذي دار في راسي :

التنصير .. أجبر كل المسلمين حينها على التنصير ..! و تصرفت الكنيسة بقسوة شديدة ..!

لا تعرف في هذه الرواية من البطل الحقيقي تتوه منك .. في البداية ترى أن فتاة صغيرة (سليمة )  تحمل فكراً مميزاً بأنها هي البطلة ثم تراها تموت حرقاً بتهمة ظالمة ( السحر و الشعوذة )

يغادرك الأمل ..

تعود الكاتبة لتزرع الأمل في شخص آخر فترى هذا الشخص ينهار و يفقد بريقة ببطء و تنذوي البطولة عنه ..!

أبكتني الرواية عدة مرات .. لا أدري أهي ريح الماضي أم زوبعة الحاضر التي اقتلعتنا من الجذور ..!

ثم تفاجئني فكرة أن الموت كان هو بطل الرواية .. نعم الموت ..

ربما موت الأشخاص و ربما موت الروح و ربما موت أشجار الزيتون .!

حين وصفت الكاتبة طريق الهجرة تدحرجت الدموع دون أن اسمح لها، موت الجدة والطفلة ذات الروح القوية (مريمة ) كان مؤلم للغاية موتها على طريق الترحيل في أرض لا اسم لها و دفنها فيها .. آلمني موتها و كأني أنا الحفيدة لا عليّ .

و عليّ ذاك الحفيد تنقلت الكاتبة في شخصيته بطريقة عذبة عرفنا من خلاله تفاصيل غربة في غربة .!

ثلاث جمل في هذه الرواية الكثيرة السرد ..

ثلاث جمل سجلتهم في دفتري و هم :

_ هل أنزل الله السكينة في قلب عمر الشاطبي رحمة بالآخرين .؟

_ هل الماضي يمضي حقاً أم يعرش على أيامنا ،أم أننا نعيش كالبيت فيه؟

_ من يعلن الفرح في موكب الجنازة مجنون ..

ما أدهشني كيف بذاك الزمن الصعب و كل الموت و الطرقات و صعوبتها و تحت ظل الاحتلال ،كان البشر يتنقلون بين البلاد العربية بكل بساطة لا بسبورات و لا موافقات أمنية ولا ولا ..!

حدثتنا عن مصر عن القدس عن أرض الحجاز. كانت الكاتبة تملك عصاً سحرية ترسم بها الدول بلا حدود أو حواجز ..

أخيراً يُحزنني أن رضوى عاشور انتقلت إلى رحمه الله دون أن تلقى الشهرة التي تستحق .

لقد كتبت بروح نادرة كأنثى .. لم أجد أية تجاوزات بشعة من تلك التي يفتعلونها لتجذب القرّاء أصحاب الرؤية الجنسية .!

كتبت بيد رجل بروح أنثى ما تفتقده الكثير من الكاتبات العربيات ..

ثم أقول الإعلام هو الشهرة ..

لماذا تلقى احلام مستغانمي شهرة لا تستحقها على الاطلاق و لماذا رضوى عاشور كانت بشهرة متواضعة .؟!

لماذا اليف شافاق لاقت هذا الرواج الهائل و لماذا و لماذا .؟!

رضوى عاشور تستحقين الثناء نعم أكثر بكثير مما كان لك ..

ثلاثية غرناطة رواية تستحق الحب ..