ثمة إذن ما يغري بالنشيد.. و بالنظر ..
و أنت تمضي اليها..تشعر بشيء من السحر ينتابك بحيث
يصعب أن تغفل للحظة عن القول بالعذوبة و الدهشة و الحنين تجاه ما تراه
العين..و أما النظر هنا فهو بعين القلب ..لا بعين
الوجه..هي الأرض التي تأنقت عبر العصور..من الحقب التي مرت بها تعلمت فن الجمال
..كيف لا و هي المحفوفة بالماء..الأزرق سرها الدفين..القباب عناوينها ..و المنازل
المثقلة بالحكايا..و هل ثمة حكايات باذخة المتعة غير تلك التي عرفتها الأرض القديمة
قدم ناسها..
قمر..
ونخيل ناعس
و أحلام زرقاء ..
و خضراء
للرعاة
وللبحارة في غنائهم الأبدي
المأ خوذ بالشجن العظيم..
ثمة اذن ما يغري بالنشيد و بالنظر..
من الفينيقيين و البونيقيين و النوميديين و الرومانيين
و البيزنطيين ...إلى الفتح الإسلامي..كانت جهة للراحة و للعناق الرومانسي بين
الأرض و البحر..
جربة..المكان و المكانة..هكذا كانت..و هكذا ارتسمت في
الكلام و في الألوان و في الخيال الفادح ..البشير الكونيالي ..المنوبي زيود
و تبقى الحكاية مفتوحة على مصراعيها مثل أبواب المنازل بميدون و حومة السوق و
قلالة و المحبوبين...انها حكاية و جد من حكاياتنا العربية التي يغمرها الق هذا
الكائن الانساني في حله و ترحاله..
تمضي اذن مع الجادة فترى البسمة على وجوه الاطفال عنده
تقترب من مدرسة سيدي ياتي ..هي البراءة المأخوذة من موسيقى البحر الفاتن و التربة
الناعمة..تجلس في الفضاء الانيق المحلى بالمرقوم و بالادوات التقليدية الجربية حيث
الشاب الحالم العائد من أرض الامارات و قد شذب المكان و زينه دون خروج عن جماليات
المكان الوفيرة..تجلس و تحتسي القهوة و ترسل نظرك بعيدا لترى جواهر الأشياء و
عناوينها البارزة بعيدا عن هموم العولمة و رياحها الملوثة..و القاحلة..و بلغة أخرى
تذهب مع الاصل..أصل العناصر و التفاصيل..
في فضاء القبة تشرب شايا و تستمتع بالنقوش ..لا
كوبول..فسحة أخرى من الجمال المبثوث في اللوحات المعلقة ..و في كل ما يرتسم و
ينحفر على الخشب الناعم ..تلقي بالنظر فترى الأشجار..النخيل و
الظلال و القباب و الأبواب و الاقواس و الازقة حيث عبث الاطفال الممزوج بايقاع
النسوة العابرات لشؤون الحياة الشتى..والرجال من صناع مجد الجزيرة و المجد هنا هو
الحلم و التواريخ..اذكر الان حديث السيد المختار الفورتي ابن ميدون الشاهد على حيز
من الذاكرة الذي يذكر شيئا من تاريخ الألقاب بالجزيرة..الرجل الاخذ بناصية الحلم و
الحياة
..
البحر ..
القباب..
الابواب ..
الحوانيت ..
المنازل..
الأقواس..
الازقة المتسعة في ضيقها..
الباعة ..
الرجال..
صخب الاطفال..
..........
لكل هؤلاء و لاجلهم..
تقف المرأة ملتحفة بالدهشة ...
و بالبياض..
اذكر الان ألوان و أحوال و أشجان جربة التي
ابتكر ظلالها و نقلها الفنان الكبير الكونيالي الى بياض
القماشة..فضاءات لوحاته بكثير من المتعة و الابداع..و هو في خلوته الفنية بحومة
السوق..
من هذه الاحوال الفنية لجربة هذه الايام..تلك المساحة
التشكيلية من شتى التلوينات و الاتجاهات و الاشكال..و أنت تتجول بالمكان الذي هو
ميدون..تقودك خطاك طوعا و كرها الى رواق الفنون..
الفكرة كانت بالتعاون الجميل بين بلدية المكان و نقابة
التوجيه السياحي و دار الثقافة بادارة السيدة سعاد شندول..و الفكرة ايضا هي المعرض
المفتوح بتناغم جمالي بين اعمال متعددة لفنانين منهم لطفي قلفاط و رياض الخرشاني و
لطفي الساهلي و مارتينا ماركاد (المانية) و شارل لوبرانس(فرنسي) و عبد الجليل
الصدغياني و محمد الرقيق و عيسى البوزيري و فتحي الاندلسي و رياض الجبالي و منصف
بوعلي و بشير اللهيوي و يوسف بن بوزيد و أريان شيزي(المانية)...
في الاعمال المعروضة للفنانين تبزغ جربة بكامل ملامحها
حيث النسوة باللباس التقليدي تعلوه المظلات في تعدد للمشاهد الدالة على الحياة
اليومية كما يحضر البحر خلف القباب و النخيل في تجليات تشكيلية بين التجريدية و
الانطباعية و الواقعية لنقف بالنهاية على حيز هام من ابداع اهل الجزيرة و ماجاورها
من المدن القريبة على الأرض قبالة البحر هذا الساحر و الملهم و المسكون بالأسرار و
بالأحلام القريبة و البعيدة ..
تزور المعرض فترى جربة في اللوحات في تجلياتها
المختلفة و بشتى الألوان و الحالات..التجربة كانت ضمن السياق الثقافي بالجهة حيث
تشهد جربة خلال هذا الشهر تظاهرة أيام الصورة في تنظيم و اعداد من قبل دار الثقافة..
حدثنا الفنان رياض الخرشاني عن المعرض و عن الحراك
الثقافي لجربة بكثير من الشغف و الحرص..انها حرقة الفنان الذي يحضن المكان بابداعه
و ابداع الاخرين..
هذا و تتوفر جزيرة الأحلام على العديد من الفضاءات و
الأروقة منها رواق المتوسط بحومة السوق و رواق الفنون بميدون و دار الشريف بسيدي
جمور و رواق تزدايين و رواق بيناكوتاك و رواق صدر بعل و رواق متحف قلالة...
تغادر المكان فتبقى براسك الصور و الحكايات..و الذكرى
وآه..من الذكرى
موقع الفرجة للفنون العربية
..
التعليقات