قالت الصحف

جميــــــــل ولايــــــة..حلب صانت التراث الموسيقي العربي....

جميــــــــل ولايــــــة..حلب صانت التراث الموسيقي العربي....

2048 مشاهدة

جميــــــــل ولايــــــة
السلّم السباعي كان موجوداً في  سورية والعراق منذ 1800 ق.م

حلب صانت  التراث الموسيقي العربي

  الموشّح  الحلبي  ليس أندلسياً و«اسقِ العطاش» سيمفونية عربية

كان مفهوماً لمخرج  له تاريخه الطويل كأحد رواد الدراما السورية والعاملين في الإذاعة والتلفزيون  السوري أن يكتب عن المسرح أو الإذاعة أو التلفزيون أو السينما، إلا أنه فاجأ الجميع  وبعد عمر مديد بتأليفه لكتاب عن الموسيقا حمل عنوان "حلب بيت النغم" الذي وصفه  البعض بالموسوعة، أما هو فلا يجد في ذلك أمراً غريباً، خاصة وأن بداياته التي قد لا  تعرفها أجيال كثيرة كانت من خلال الموسيقا، أما اليوم فهو يستعد لإصدار كتابه  الثاني عن الموسيقا والذي يحمل عنوان “حلب النغم المسافر”.. إنه المخرج التلفزيوني  والباحث الموسيقي جميل ولاية .
-
 في البداية حدّثنا عمّا لا نعرفه كأجيال  شابة عن اهتماماتك بالموسيقا؟

n    اكتشف أهلي صوتي الجميل في مرحلة الطفولة  المبكرة، وقد بدأت أناملي في هذا العمر المبكر في مداعبة أوتار العود الذي كانت  تملكه عائلتي.. وفي عمر السابعة تعرفتُ على السينما، وفي التاسعة حضرتُ أول مسرحية  في حياتي لتغدو الدراما إلى جانب الموسيقا التي أحبها عالمي الأحبّ، وفي عمر الـ 19  مثلتُ وأخرجتُ عدداً من المسرحيات، لينتقل بعد ذلك صوتي في عمل وثائقي درامي غنائي  من إذاعة حلب من خلال أحد الأدوار في عمل عن الموسيقار عمر البطش، ورغم أن العمل في  الإذاعة كان أمراً صعباً، إلا أنني رُسِّختُ فيها ممثلاً فمخرجاً للأعمال الدرامية  والمنوعات، وهنا اتخذتُ قراراً باستبعاد الموسيقا كهدف في حياتي .
 - وكيف  حصّلتَ معارفك الموسيقية؟

n    كان عزفي على العود عملاً فردياً لا يد لأحد  فيه سوى رغبتي في العزف، لهذا كان خارجاً عن أي منهج علمي حقيقي، إلا أن بعض الظروف  ساعدتني في حضور دروس موسيقا في أول معهد موسيقي نظامي أنشئ في حلب قبل نهاية منتصف  القرن العشرين، إضافة إلى أن صداقة أخرى فتحت لي طريقاً سهّلت لي حضور تمارين تضم  عازفين ومنشدين ومغنين تعرفتُ من خلالها على عدد كبير من فناني حلب في تلك الفترة  مثل صبري مدلل وبهجت حسان الملحن ومدرب رقص السماح التلميذ الأثير لدى الفنان عمر  البطش، أما ألحاني فكانت تأتي عفوية عندما أُعجَب بنص أغنية، وللمصادفة أن أول عمل  أشارك فيه في إذاعة حلب كان عملاً عن حياة وأعمال الموسيقار عمر البطش، وكان تحت  عنوان “أيام وأنغام” كما أنجزتُ أعمالاً عن أحمد الأبري، الشيخ علي الدرويش، كميل  شامبير، كما كتبتُ وأخرجتُ للتلفزيون العديد من البرامج التي تتحدث عن التراث  الغنائي والتي قدمتُ فيها نماذج من ذلك التراث، إلى جانب نموذج من الأعمال  المعاصرة، كما قمتُ بإخراج مسلسل “نهاوند” الذي كتب حلقاته حكمت محسن خصيصاً  للتلفزيون وقد كان أول مسلسل سوري تلفزيوني وأول دراما غنائية عربية، إضافة إلى  برنامج حمل عنوان “مع الموسيقا العربية” حيث كتبتُ حلقاته وقد اعتمدتُ في تقديم  فقراته على ما سُجِّل في إذاعة حلب من وصلات موشحات وقدود، إضافة إلى مسلسل “ليالي  الشرق” وهو من نوع الدراما الغنائية وقُدِّم عام 1966 أما آخر أعمالي ذات الطابع  الغنائي الاستعراضي فقد كان مسلسل “نغم الأمس” الذي كتبتُه وأخرجتُ معظم حلقاته  سينمائياً لتقديمه على الشاشة الصغيرة، وقد قام الفنان صباح فخري ببطولته الغنائية،  وأذكر أيضاً أنه وبناء على طلب من دريد لحام مدير مهرجان الأغنية السورية في دورته  الثانية عام 1995 شاركتُ في معرض الكتب الموسيقية بـ 150 كتاباً ثم أصبحتُ عضواً في  لجنة الانتقاء لدورة عام 1996 كما كتبتُ وأخرجتُ فيلماً قصيراً عن عمر البطش .
 - ما الذي دعا البعض إلى وصف كتابك “حلب بيت النغم” بالموسوعة؟

n    الكتاب برأيي هو موسوعة فعلاً ليس عن مدينة حلب وسورية فقط بل عن بلاد الشام ومصر،  وبالتالي حديثي فيه عن حلب هو حديثي عن  هذه الأطراف كلها في فترة ما قبل التاريخ،  وفيه أكدتُ أن السلّم السباعي الذي ادعى الأوروبيون اكتشافه وكانوا يطلقون عليه اسم الماجور” كان متداولاً في سورية والعراق 1800 ق.م .
 - الغريب أنك خصصتَ  باباً في الكتاب للحديث عن الحياة الاجتماعية للعرب من خلال النقلات النوعية التي  مرّوا بها، فما ضرورتك لهذا التمهيد؟

n    لأن حلب مدينة عربية كان لابد أن  أبدأ الكتاب بالحديث عن العرب والمراحل التي مروا بها، وكان أمراً ضرورياً لأن  الموسيقا كانت مرتبطة بالحياة الاجتماعية والاقتصادية، فالحقيقة المؤكدة أنه إذا  كانت الموسيقا مزدهرة فهو مؤشر على ازدهار المستوى الاقتصادي، لذلك كان لا يمكن  الحديث عن الموسيقا دون الحديث عن حلب والمكوّنات الحضارية الموجودة فيها، وقبل ذلك  كان واجباً عليّ أن أتحدث عن تاريخ الموسيقا العربية التي أعطت حلب عهدها الموسيقي  المزدهر، فلولا الموسيقا العربية لما كان لها هوية خاصة بها .
 - ما العوامل  التي أثّرت في الموسيقا التي أنتجتها حلب ومنحتها هذه الخصوصية التي يتحدث عنها  الجميع؟

n    كانت حلب من المدن الهامة جداً باعتبارها مركز تبادل تجاري،  فالتجار كانوا يقصدونها للبيع والشراء، لذلك ساد التعدد والتنوع فيها والانفتاح على  كل الشعوب، ومن هذا المناخ الصحي كان مولد القدّ الحلبي المعروف .
 -  ولكن  الغالبية العظمى تنسب القدّ الحلبي إلى الأناشيد الدينية .

n    أرى أن نسبة  القدّ الحلبي لمصدره الديني يعني أنه حديث العهد، في حين أن وجود القدّ الحلبي أقدم  من ذلك، وأساسه أولئك التجار الذين كانوا يقصدون حلب من مختلف بقاع الأرض، والذين  كانوا يقيمون سهراتهم في خاناتها، فكان كل واحد منهم يغني ما لديه، وإن أعجب أحدهم  بما يغنيه الآخر أخذ اللحن وبنى عليه كلمات عربية بعد أن يدخل عليه بعض التعديلات  التي تناسب ظرفه.. هذا يعني أن القدّ الحلبي قديم قدم حلب كمركز تبادل تجاري،  وبالتالي أثّر المناخ الذي كانت تتمتع به حلب والذي يسوده التنوّع والانفتاح من  الناحية الموسيقية إلى جانب أن فنانيها كانوا يعيشون في بحبوحة اقتصادية فكان لديهم  الوقت الكافي للبحث والإبداع والتأمّل .
- 
ماذا قدمت حلب برأيك للحالة  الموسيقية العربية؟ وما إبداعاتها في هذا المجال؟

n    أهم ما قدمته ما يسمى  بالوصلة الحلبية التي تقوم على مجموعة قواعد وأسس، وقد تحدثتُ عنها في كتابي من  خلال تركيبتها الدرامية التي تحرّض المستمع على الاستماع وإبقائه مستيقظاً وواعياً  لما يسمع لأن تركيبة الوصلة بحد ذاتها تقوم على هذا الأساس، فما إن يبدأ البطء يدب  في الأداء حتى يظهر ما هو جديد، وهذا إبداع ليس من صنع جيل واحد بل عدة أجيال من  الحلبيين الذين كانوا يجرّبون، والمستمع إما أن يتجاوب معه أو يقدم ملاحظاته .
 -  الغريب أيضاً في كتابك أنك تنفي بشكل قاطع ما يردده الكثيرون من أن  الموشح الحلبي أندلسي الأصل .

n    أنا أنفي بشكل قاطع ما يردده هؤلاء حول  أصل الموشّح الحلبي الأندلسي، وهذا خطأ كبير وقع فيه الكثيرون، ومنهم الحلبيون،  وذلك لأن الموشّح الأندلسي عبارة عن كلام وليس صيغة لحنية، في حين أن الموشّح  الحلبي هو صيغة وقالب لحني يستوعب الشعر والموشّح، وخير مثال على ذلك “اسقِ العطاش فكل من يسمع هذا الموشّح بتركيباته وأبعاده يؤمن أنه سيمفونية عربية غير عادية، لم  ولن يموت بفضل لحنه الإبداعي القادر على استيعاب أي كلام قد يتضمنه .
- 
وماذا  عن رقص السماح ومن أنه أتى من الأذكار؟

n    هذا الكلام صحيح، فالمبدع في  رقص السماح استخدم مبدأ الذاكر الذي يتحرك وهو واقف، وما إن يصل إلى النشوة الكبرى  حتى يهيج ثم يعود ليهدأ بفارق بسيط هو أن الراقصين في رقص السماح يتحركون .
 - تبدو الكتب التي تحاول التأريخ للموسيقا في بلادنا قليلة جداً، فما تفسيرك  لذلك؟

n    هناك تقصير كبير، وكتابي محاولة مني لمحو هذا التقصير، أما أسباب  فقر مكتبتنا بهذه النوعية من الكتب فيعود لعدم وجود مهتمين بهذا المجال، وأعتقد  أننا نمتلك الوثائق الضرورية لهذه الكتب، إلا أنها بحاجة لمن يبحث عنها ويجدها .
 - علمتُ بوجود جزء ثانٍ  للكتاب، فماذا يمكن أن تحدثنا عنه؟

n    الجزء الثاني من الكتاب يحمل عنوان “حلب النغم المسافر : فنانو حلب من القرن التاسع  إلى العشرين” وقد كان من المفترض أن يكون أحد أبواب الجزء الأول، ولكن عندما وجدتُ  أن تلخيصي لهذا الجزء ليكون باباً سيسيء للكثير من الفنانين الذين سأضطر لإهمالهم  أو الحديث عنهم بشكل مختصر، لذلك قررتُ أن أفرد لهذا الباب كتاباً كاملاً أصبح  اليوم شبه جاهز للطباعة، وفيه تحدثتُ عن إسهامات فناني حلب الموسيقية في بلاد الشام  ومصر باعتبار أن الموسيقا واحدة في هذه المناطق، وإن كان الأصل فيها حلب التي كانت  مصدر العطاء لأن المصادر المصرية التي وقعت بين يدي تؤكد أن المصريين في القرن  الثالث عشر إلى بداية القرن التاسع عشر لم يكن عندهم موسيقا خاصة لأن المماليك قضوا  على كل شيء فيها وفي بقية البلاد العربية، باستثناء مدينة حلب التي ظلّت مستيقظة في  النغم والموسيقا، فكانت تحفظ كل الإبداع الذي كان يصل إليها عبر التجار، وهذا ما  يفسر أن الكثير من الألحان فيها ليس حلبياً ولا سورياً وإنما منوع من تونس والمغرب  والعراق واليمن، وقد حفظها الحلبيون، وهذا ما جعل حلب الذاكرة التي حفظت وصانت أفضل  ما في التراث العربي، وقد أضافت إليه أيضاً عندما أصبح نغم حلب يسافر للخارج عبر  التجار .
- 
بعد كل هذا التاريخ العريق والدور الهام الذي كانت تقوم به في  السابق تعيش حلب اليوم خارج هذا كله، فما الذي أدى إلى انحدارها على صعيد  الموسيقا؟

n    ذكرتُ في البداية أن الوضع الاقتصادي ينعكس إيجاباً على  الفن، وقد عاشت حلب أحلى حالات ازدهارها الموسيقي عندما كانت مركز التبادل التجاري  الوحيد على طريق الحرير، ولكن بفتح قناة السويس لم تعد حلب كذلك، فانفضّ التجار  عنها واتجه تجارها نحو بلاد أخرى، فتراجع المستوى الاقتصادي وخفّ الاحتكاك مع  الآخرين، ولم يبقَ في قدرة حلب إلا أن تحتفظ بالتراث، وأعتقد أن المطلوب من حلب  اليوم أن تدخل مرحلة جديدة في تعاملها مع التراث من خلال محاولة التوليد منه  والخروج بما هو جديد .
 - هناك محاولات لتطوير التراث وتجديده، فما رأيك بها؟

n    يجب أن نشجع هذه المحاولات حتى ولو وقعت في الأخطاء لأنه من الضروري  أن نتحرك، فالحركـــة وحدها هي التي تخلق التفاعل وتولّد أشياء جديدة، ويجب أن يعي  الجميع أن تلـك الأخطاء التي قد يرتكبهـــا البعض وهي عن غير قصد بالتأكيـــد لا بد  وأننـــا سنتعلم منها، وهي ضروريـــة لأنها ستدلنا على الطريق الصحيح .
 - إذاً ماذا تقول لمن يصف محاولات التجديد بالاعتداء السافر على التراث؟

n    هذه أحكام متطرفة نوعاً ما فلا عيب في تجديد التراث ولا هو اعتداء طالما أن  المحاولين يحافظون على الجملة الأساسية فيه، ويجب أن أشير إلى أن محاولات التجديد  لبعض الجمل الأصلية قد تقبّلها الجمهور أكثر مثل "يا مال الشام" التي كتب كلماتها  الجديدة عمر حلبي وساهم سهيل عرفة وصباح فخري في تطويرها حتى أصبح كل مطربي الوطن  العربي يغنونها.. المشكلة الأساسية في هذا المجال أن محاولات التجديد الحقيقية  تحتاج إلى التفرّغ والتأمّل والبحث، وفنانونا اليوم لا وقت لديهم للإبداع.

حوار : أمينة  عباس

البعث

 العدد: 14169 - تاريخ:  2011-02-27 

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية