مواضيع للحوار

حرروا المهرجانات المسرحية العربية من آفة الجوائز

حرروا المهرجانات المسرحية العربية من آفة الجوائز

1011 مشاهدة

حرروا المهرجانات المسرحية العربية من آفة الجوائز

بشرى عمور

الارتقاء إلى مصاف الفنون والثقافة المتقدمة في أرجاء العالم لرهينة بوجود مثلث متساوي الأضلاع: رسالة هادفة وعقل ناضج وسلوك متحضر.

هذه المكونات هي التي تمنح للفنون العامة والمسرح خاصة متنه الموضوعي والفرجوي والروحي. وإلا فإنه سيفقد وجوده.

خلال ثلاثة عقود الأخيرة، ارتبطت فنوننا بظاهرة المهرجانات، وبالأخص المسرحية. فتعددت التيمات وتشكلت الأهداف وتنوعت المسميات لنصل بالآخر المطاف إلى نتيجة، للأسف، أننا أجهضنا معنى جمالية الاحتفال (ابتهاج بحادث سعيد)

احتفالات تحول إلى حلبة الصراعات:

عند استحداث ظاهرة المهرجانات، حينها كان عددها قليل لكن حمولتها الفنية والثقافية أغنى، تعد على أصابع اليد لكن رنينها يحدث صدي. لأنها تأسست على أهداف مثمرة، حيث شكلت منعطفا قويا جمع شتات المسرحيين من كل بقاع العالم العربي. بداية ساهمت في الانفتاح على الحراك المسرحي ذاتيا ومعنويا، خلقت انصهارا بين التجارب والخبرات بين الدول والأشخاص. طورت لغة الحوار بين المسرحيين من خلال الندوات الفكرية والمناقشات النقدية التحليلية. قربت المسافات الإنتاج من خلال مقارنة التراكم المسرحي العربي، سواء محليا أو عربيا وكذا عالميا. أثمرت بعض اللقاءات على إنتاج عربي مشترك. وفرت للجمهور العربي متعة المشاهدة ورقي الذوق وتحسين الذائقة.

لكن الفترة الأخيرة تضاءلت هاته الانجازات وعكست سلبيا على المشهد الفني/المسرحي، فأغلبية المهرجانات لم تعد تستقطب عروضا ذات مستوى فني يحترم المعايير الفكرية والجمالية التي تستهوي الجمهور بمختلف فئاته. وتخلق لنفسها قبل المهرجان فرصة الاستمرارية والترسيخ.

إلى جانب العوامل الفنية، ثمة عامل مهم فرض نفسه بالقوة ألا وهو التسابق (للفوز بالجوائز) الذي هيمن على صفوة هذا الاحتفال وخلق تنافر بالوسط المسرحي داخليا و خارجيا، محطما كل أواصر التعاون وروح الانفتاح. حول المهرجانات إلى حلبة الصراع والنفور والتشدق والنفاق وأحيانا يؤدي إلى التقوقع والرجوع التدريجي للوراء. لم نعد نحس بذاك الدفء الحميمي ولم تعد لنا القدرة على اكتشاف الآخر ونخلق معه حوارا نتجادل فيه نختلف نتعارض لكن يبقى بيننا صداقة ومودة تشعرنا أننا ليس بمعزل على بعض وأن المسرحيين العرب جسد واحد بروح واحدة من المحيط إلى الخليج.

وعلى المستوى الفني فقد أصبح التأكيد على استخدام التقنيات والمؤثرات البصرية والسمعية وخلق البهرجة الشكلية الخاوية و المقمحة على العروض، بهدف الفوز بجوائز المهرجان ظاهرة ملموسة، سببت في إبتعاد بعض المخرجين عن تناول نصوص تتصف بالعمق في التناول والجدية في الطرح.

وقد أدركت إدارات بعض المهرجانات مؤخرا إلى النتائج السلبية لسياسة منح الجوائز فتوقت عن انتهاج تلك السياسة تماما.

والدليل على صحة طرحي هو ما آلت إليه بعض المهرجانات في تخلصها من آفة الجوائز كمهرجان قرطاج المسرحي الدولي ومهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي و المعاصر، حرصا منها الحفاظ على التراكم الذي اكتسبته الدورات السابقة. وأيضا البحث على مناهج توفر الاستمرارية بداية من:

ـ تخلص من هيمنة الإدارة الفردية وفرض روح الديمقراطية.

ـ خلق قانون يضبط معايير وتوجهات المهرجان.

ـ انفتاح على الآخر من خلال خلق اتفاقيات (تقنن فتراتها وفق استراتيجية الرهانات و المحطات المراد تفعيلها)

ـ إنماء آليات الاشتغال، تطوير البنية التحتية والتقنية واللوجستيكية.

ـ وضع برنامج مضبوط لكل الأنشطة الموازية للعروض المسرحية غير قابل للزبونية والمصلحة الفردية.

قليل دائم خير من كثير مقطوع:

للجوائز بريق لا نستطيع أن نقاومه، لكن البقاء للأصح، كم من جائزة قتلت إبداع ومثابرة صاحبها؟..

وكم من مبدع استمر بدونها؟؟

وكم من عرض مسرحي مر مرور بريق جائزته؟؟

 وكم من عرض بقي راسخا بل صار منهجا يحتذى به و يرتكن عليه في الأطاريح والبحوث العلمية. الجائزة لم تكن سوى حافزا وليس هدفا.

ثانيا من يتحكم في الجوائز بشر والبشر تحكمه ميولات ومبادئ و مفاهيم وروى. وكل هذه المعطيات تتغير من شخص إلى آخر.

فكيف نحدد عليها مصير تجربة؟؟

سأعطي مثال: نفس العرض المسرحي تختلف رؤيتك عنه من فضاء إلى فضاء أو من مختلف زوايا نفس الفضاء.

 فكيف لمشاهدة واحدة تحدد مصيره؟؟.

لجنة التحكيم ليس دستورا قارا بل مجموعة أمزجة مختلفة. وممكن لذات العرض يفوز هنا بجائزة ولا يحصد أي شيء بمهرجان آخر. ولنا أمثلة عديدة لا تحصى.

وعليه، نقترح أن تعوض الجائزة ب:

ـ خلق ورش مسرحية حقيقية ذات حمولة فكرية فنية أكاديمية تستقطب لها كفاءات محلية وعربية وعالمية.

ـ دعم الكفاءات المسرحية التي فرضت نفسها بالبحث المتواصل وتحسين مردودها.

ـ فتح باب الحوار خلال جلسات نقدية مفتوحة وليس بتعيين شخص معين يقرأ ما إستجدت به قريحته ولا يأخذ إلا برأيه.

ـ خلق فرص التعاون والعودة للإنتاج الجماعي العربي.

ـ تحرير النصوص الفائزة بالمسابقات من عتمة الأرشيف إلى رؤى إخراجية متعددة، بحيث كل نص نوكله على الأقل إلى أربعة فرق عربية تختلف جغرافيا لنحصل في آخر المطاف على مشاهدة اثنى عشر عرضا تختزل تجارب متنوعة.

ـ بحث عن إمكانية استرجاع الجمهور إلى المسرح، وكيف نجعل من الملتقي جزءا من هذه المنظومة. (وفر له عملا يجد نفسه فيه حتى يكسبك جائزة الاعتراف بكونك فنان مسرحي.. وهذه هي الجائزة الخالدة)