مهرجان ليالي المسرح الحر الدولي السادس 2011

حسن م يوسف ..عابد عازرية عاصمته الحب

حسن م يوسف ..عابد عازرية عاصمته الحب

1938 مشاهدة

عابد عازرية عاصمته الحب

دفتر الوطن

بقلم : حسن م يوسف

الأحد 6-3-2011

أشعر بشيء من الزهو لأن الجهات الرسمية عندنا بدأت تلتفت بشكل جدي إلى أهمية إبداع الفنان عابد عازرية الذي آمنت بتجربته الإبداعية منذ أول احتكاك لي معها في سبعينيات القرن الماضي عبر اسطوانة «الغناء الجديد للشعراء العرب».
أشعر أن تكريم وزارة المغتربين للموسيقار والمؤدي المبدع عابد عازرية هو تكريم للموسيقا الراقية وللشعر المصفَّى، بل هو تكريم للذائقة المختلفة وللفن الذي يطمح أن يرتقي بنا إلى نور الله، في مواجهة الهبوط الصاخب السائد الذي يخاطب نصفنا الأسفل ويهز أطراف البهيمة فينا.
صحيح أن التكريم قد تأخر كثيراً، لكن حصوله ولو متأخراً، يدعو إلى الاغتباط، لأنه يشكل مؤشراً إلى أن الفن الراقي له أنصاره أيضاً، ومن الجدير بالذكر أن قاعة الأوبرا الكبرى كانت مملوءة تقريباً في حفلة عابد عازرية، رغم بؤس الحملة الإعلانية التي سبقتها.
يتجول عابد عازرية في تاريخ جماليات هذه المنطقة بسلاسة ويسر، فهو يتنقل بين القرون كما لو أنها غرف في بيته، متخذاً من الحب عاصمة له، وهو في تجواله المستمر بين العصور يقطف لنا من بساتين الكلام طاقات سحرية تضوع بعبق الأزمنة، وتشهد لإنسان هذه الأرض برهافة الحس وعمق الوعي، كما تشهد له بالريادة في طرح الأسئلة.
عقب كل جولة بين القرون ينكفئ عابد عازرية في شقته الباريسية لينسق لنا طاقات ما جمعه أو ألَّفه من كلام في مزهريات نغميَّة تنسجم معها، تتسم بالعراقة إلى طزاجة اللحظة الراهنة، وبساطة اليومي إلى ارتفاع الروح تحت سماء الشرق المضمخ بعطور التاريخ.
قبل مدة كتب الناقد الفني في مجلة «الإكسبرس» الفرنسية عن عابد عازرية يقول: «لاتسألوه عن جنسيته! فقد أمضى عابد عازرية عمره متحللاً من الهنا والهناك. إنه موسيقي. كتاباته الموسيقية هي هويته الوحيدة: والنصوص التي يغنيها هي الآلات الموسيقية لبحثه الشخصي».
لا أخفيكم أنني ضحكت عندما قرأت هذه العبارة، فقد ذكرتني بزعم بعض مدوني الحروب الصليبية في الغرب أن جدة القائد العظيم السلطان صلاح الدين الأيوبي كانت أوروبية، والغرض من هذا الزعم هو الإيحاء بأن فضائل القائد صلاح الدين التي لا مجال لنكرانها ترجع لأنه يمتد إليهم بصلة نسب! وهذا الزعم تفوح منه رائحة عنصرية بغيضة فهي تريد أن توحي بأن صلاح الدين لم يكن ليتمتع بما في شخصه من فضائل غير قابلة للطعن أو النقض لو لم تكن الدماء الأوروبية تسري في شرايينه على حد زعمهم!
من خلال متابعتي لإبداع الموسيقار عابد عازرية أستطيع أن أجزم أن وجوده في «الهناك» لم يجعله يوماً يتحلل من «الهنا»، ففي هذه الأرض أساسات سماه وهنا مسقط روح موسيقاه.
صحيح أنه قد فتح نوافذه لرياح الجهات الأربع، لكنه تمثل نصيحة طاغور، ولم يسمح لأي ريح أن تقتلعه من جذوره، وهذا ما تشهد به كل نبضة من موسيقاه.

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية