مواضيع للحوار

حفلة على الخازوق  مجدداً في دمشق

حفلة على الخازوق مجدداً في دمشق

853 مشاهدة

حفلة على الخازوق  مجدداً في دمشق

نضال قوشحة

المصدر : العرب 

“حفلة على الخازوق” استمدها الكاتب "محفوظ عبدالرحمن" من أقاصيص ألف ليلة وليلة، وتحكي عن الفساد والتنازع في مراكز قوى السلطة داخل الدولة. مثلت إعادة عرض مسرحية “حفلة على الخازوق” في دمشق هذه  الأيام، وهي التي قدمت سابقا بشراكة كويتية مصرية، حدثا هاما وخطوة جريئة، حيث أعيد عرض هذا العمل الذي يعتبر من كلاسيكيات الفن الكويتي والعربي عموما بعد أربعين عاما من ظهوره ونجاحه.

 كان عرض مسرحية “حفلة على الخازوق” حدثا مسرحيا مدويّا، في الفن المسرحي العربي عموما. المسرحية ألفها الكاتب المصري "محفوظ عبدالرحمن"، لصالح المسرح الكويتي، والتي تصدى لإخراجها المبدع الكويتي "صقر الرشود". وقدّم العرض عام 1975 لأول مرة في الكويت على مسرح "كيفان"، ولاقى صدى طيبا، ثم عرض في مسرح سيد درويش في القاهرة، ثم كان العرض الأهم عام 1976 في دمشق ضمن فعاليات مهرجان دمشق المسرحي، وقد نال العرض حينها جائزة أفضل عرض. لتنطلق شهرة العمل عربيا، ويصير من كلاسيكيات الفن الكويتي والعربي عموما.

“حفلة على الخازوق”، استمدها الكاتب "محفوظ عبدالرحمن" من أقاصيص ألف ليلة وليلة، وتحكي عن الفساد والتنازع في مراكز قوى السلطة داخل الدولة، وكيف يختار أحد الحكام جنده ومعاونيه من الناس الذين يتسلطون على الرعية ويكون جل اهتمامهم مراعاة مصالحهم وأهدافهم غير الشريفة والوصول إليها عبر ظلم الرعية والنيل من حقوقهم. وقد وضع الكاتب في هذا النص العديد من الإسقاطات السياسية والشعبية الهامة، منها علاقة الحكم بالرعية ثم علاقة السلطة بالسلطة. وكيف تدار الأمور بعيدا عن الحق والواجب.

ما زال الجمهور الدمشقي، يتذكر هذا العرض الذي قدم على خشبة مسرح الحمراء منذ ما يقارب الأربعين عاما، وكيف كانت أصداؤه على المسرحيين والجمهور حينها. وفي بادرة جريئة، تقدم المديرية العامة للمسارح والموسيقى في سوريا، التابعة لوزارة الثقافة، على تقديم هذا العرض مجددا، وعلى ذات المسرح، بإخراج الفنان الشهير زيناتي قدسية. مع مجموعة من نجوم الفن السوري المعاصرين. بدأ العرض في 26 سبتمبر. وسط حالة من الترحيب الكبير به، خاصة بعد حفل الإطلاق الذي حشد جمهورا كاملا في الصالة.

في المسرحية ولوج لعالم السلطة من باب خفي، فشخصية المعاون (محمود خليلي) الذي نراه عند مدير السجن ثم المحتسب ثم نائب الزعيم، ثم الزعيم نفسه، شخصية حيوية فكريا ومسرحيا، فهي واحدة حينا، ومتعددة حينا آخر، والعرض أدخل المتلقي في حالة الالتباس تلك، بحيث كانت بطلة العرض هند (صفاء رقماني) تسأل الشخصية عن ماضيها، بحكم أنها تعرفها في مركز سلطة آخر، ودائما يكون الجواب بأن ما تقوله خاطئ. وهو السؤال الذي يوجهه الزعيم في النهاية لمعاونه بمدى معرفته لأركان سلطته الفاسدين ويأتي الجواب على أنه يجهل حقيقة هؤلاء. شخصية المعاون (الأمني) هي الثيمة التي يلعب العرض حولها كل حكاياته ومن فلكها وخبرتها في صناعة المكائد والتسلّط على الناس يكون مبتدى الفعل ومنتهاه.

مشهد الصناديق الشهير، الذي حبست فيه الفتاة الذكية الرجال الأربعة كان الأكثر تشويقا وتفاعلا مع الجمهور، الذي هاج تجاوبا مع الحوار الكوميدي الرشيق الذي لعبه الممثلون الأربعة، خاصة في ما يتعلق بالرتب التي يحتلونها في المجتمع ومن ثم وضعهم الآن في الصناديق، بهذا الموقف المذل لهم. بحيث كان نائب الزعيم في الصندوق الأخفض ثم المحتسب ثم السجان وأخيرا وفي الأعلى النجار.

نص المسرحية مليء بالعديد من الإسقاطات السياسية والشعبية الهامة

نص المسرحية مليء بالعديد من الإسقاطات السياسية والشعبية الهامة

اعتمد العرض، اللغة العربية الفصحى المبسطة، وهي الموضوع الذي ما زال شائكا وقيد العديد من النظريات المتداولة في تقديم مسرح جاد ورزين، بين مؤيد لوجودها ومعارض. بحكم أنها تضع فجوة بين المتلقي والمنصة. لكن العرض الحالي يقدّم برهانا أكيدا على أن اللغة البسيطة القريبة جدا من العامية، هي سبيل مفيد وقادر على تقديم أفضل العروض الجادة دون التحذلق بعبارات وتركيبات لغوية معقدة.

كما قدّم العرض، طاقات تمثيلية كبيرة، كان من أهمها ظهور خاص للفنان جمال العلي، فبعد بدايته في فن المسرح الشبيبي، انتقل للعمل في التلفزيون والسينما، والتي قدم فيهما معظم نتاجه الفني، لكنه في هذا العرض يعود ليقدّم دورا بشخصية مدير السجن. بما تحمله من تناقضات وأهواء خاصة بها، تجعلها في إطار تكوين مسرحي متميز، عمل عليه العلي بكل طاقته الفنية، حيث ظهرت الشخصية كعامل حاسم في تقديم هذا العرض بأحسن حالاته. كذلك يسجل للعرض أنه قدم الفنانة صفاء رقماني، في أول ظهور مسرحي لها، بعد بدايتها في التلفزيون والعديد من المشاركات فيه، لكنها في العرض تقدم عملا جديدا على تاريخها الفني، وقد لاقى وجودها في المسرحية قبولا كبيرا لدى الجمهور.

زيناتي قدسية في عمله الحالي “حفلة على الخازوق” يقدّم محاولة جديدة له في الفن الذي عشقه وقدّم فيه العديد من التجارب سواء في التمثيل أو الإخراج. زيناتي عمل في المسرح السوري منذ أواسط سبعينات القرن العشرين، وقدم فيه العديد من العروض التي تعتبر نقطة توهج هامة في تاريخه، واختص بتقديم نمط المونودراما وكان شريكه في ذلك الكاتب الراحل ممدوح عدوان. أسس فرقة مسرحية عنيت بتقديم مسرح القضية الفلسطينية، كما أسس وأدار المسرح التجريبي في سوريا. مازال، رغم ظروف العمل المسرحية الصعبة في سوريا، معنيا مع عدد قليل من الفنانين السوريين، بتقديم فن مسرحي فعّال ونشيط.

أما شريك ومؤلف المسرحية محفوظ عبدالرحمن فهو من أهم كتاب الدراما المصرية المعاصرين، كتب في المسرح “البحث عن عريس بنت السلطان”، و”ليلة من ألف ليلة وليلة” كما قدّم في السينما أعمالا خالدة منها الفيلم الشهير “القادسية” و”حليم” عن المطرب الشهير عبدالحليم حافظ، و”الناصر 56″ ثم كتب للتلفزيون العديد من الأعمال الهامة منها، عنترة بن شداد، سليمان الحلبي، الزير سالم، ليلة سقوط غرناطة، بوابة الحلواني، والمسلسل الأشهر أم كلثوم.