حوار مع مبدع

حوار مع كاتب مسلسل ..لعنة الطين.. السيناريست سامر رضوان

حوار مع كاتب مسلسل ..لعنة الطين.. السيناريست سامر رضوان

2539 مشاهدة

 

   
     حوار مع كاتب مسلسل ..لعنة الطين.. السيناريست سامر رضوان

 

 لـ«النهضة»: 

- الولادة من الخاصرة.. نموذج عن إعادة اكتشاف الخراب وفقر العشوائيات وحالة البؤس الأخلاقي فيها!

- هنالك بعض ضعاف النفوس يتصيدون الشباب لمص دمهم ولسرقة أفكارهم في ورشات السيناريو!

 

عمل الكاتب "سامر رضوان" كمعد ومقدم برامج في تلفزيون "الدنيا" لفترة وجيزة وكتب في مجموعة من الصحف والمنابر العربية كصحفي، اشتغل مؤخراً على النص الدرامي لتكون تجربته الأولى في مسلسل "لعنة الطين"، إخراج "أحمد إبراهيم الأحمد" الذي عرض في شهر رمضان الماضي، خير دليل على حرفية خاصة..

صدر له عدة مجموعات شعرية تميزت بطابع خصوصي رغم ذلك بدأ بالبحث عن لغة يمكن التواصل بها أكثر مع كل الناس لتبادل وجهات النظر في مجموعة من القضايا الإشكالية ضمن المجتمع السوري، بقي الشعر رفيقاً سرياً لدى الكاتب رضوان وانحرف مساره الأدبي ليدخل في الكتابة التلفزيونية محمّلاً بتجارب واسعة في الإعلام والأدب وبعض الفنون..

واليوم بمناسبة بدء عمليات تصوير مسلسله الجديد (الولادة من الخاصرة) يتحدث الكاتب والسيناريست "سامر رضوان" عن أبرز معالم عمله الدرامي وعن كيفية انتقاله من عالم الصحافة والشعر، بالإضافة لتطرقه لبعض المشكلات الحساسة في المجتمع لعل أبرزها (الفساد)..

 (النهضة) التقت الكاتب سامر رضوان وأجرت معه الحوار الآتي:

1-     تجربة أولى في كتابة السيناريو.. من الإعداد والتقديم التلفزيوني وكتابة الشعر إلى كتابة الدراما.. ما الذي كنت تهدف له في دخولك عالم الكتابة..؟

 

-         لم يغادرني هاجس التصدي لكتابة الرواية على الإطلاق.. فقد كنت تواقاً لتقديم بنية حكائية روائية أستطيع من خلالها عرض وجهات نظري في أشياء محيطي بصغائرها وكبائرها.. وكنت مؤمناً على الدوام أن الرواية تشكل المحك الأكبر للفن الكتابي كونها تحتاج إلى نفس طويل وصبر أطول، بالمقابل لم تغادرني مرحلة الثمانينيات بكل ما فيها على الرغم من أنني لم أكن على ارتطام مباشر معها بحكم السن... إلا أن حكاياتها بقيت تشغلني للحظة البدء بكتابة (لعنة الطين) إذ شعرت أنني - بحكم انصراف الناس عن فعل القراءة- مطالب أمام نفسي بعدد أكبر من المتلقين، فكانت فكرة الكتابة التلفزيونية محققة لهذا الشرط... والهدف النهائي هو تقديم وجهات نظرك ورؤاك في أكثر من ميدان كتابي.

2- لعنة الطين.. حتى فكرة المسلسل الذي ترك ضجيجاً ملفتاً تبدو شعرية إلى أي درجة يجب على الكاتب أن يكون على تماس حسي مع شخوص روايته التلفزيونية..؟

 

-         الشعرية هي مشكلة رئيسة لكل الأجناس الأدبية بمعزل عن جوهر مضمونها والخطأ الشائع لدى العامة أن تربط الشعرية بحساسية العمل ورومنسية العرض... فأكثر الأعمال قسوة لا تخلو من شعرية البناء التي في النهاية هي نسق الرؤيا بتراصف مدروس يشبه تراصف الصور الشعرية التي تشكل القصيدة... ولكن بالمعنى الذي تسأل عنه لا أعتقد أن الشعرية هي الطابع لمرحلة أثقلت بكثير من التلغيز والسواد.. لكن جو القرية في المفاصل الأولى من العمل حمل هذا الجانب والتماس الحسي قد يكون مصنوعاً وليس مباشراً، فليس من المعقول أن تبحث عن شخوص بعينها لتكتب عنها... أنا مع حالة الخلق استناداً إلى مخزون تمتلكه!.

3       - المخيلة.. الثقافة الذاتية.. الاحتكاك مع الناس.. ما هي منابعك الفكرية التي تعمل بها على بناء فكرة عملك التلفزيونية بشكل مقنع لك أولاً ومن ثم لفريق الإخراج الذي سيتولى دفعه للشاشة..؟

-         الجواب متضمن في سؤالك.. بالإضافة إلى التأملات الذاتية والرغبة في تشكيل عالم أنت صانعه وباني عوالمه.. والنتيجة في هذه الحال هي القناعة التامة بما صنعت.. لأنه نسيجك الذي يمثلك ويمثل تصوراتك وقناعاتك فليس من كتابة بريئة.. الكتابة متورطة بثقافة المشتغل بها.. وبقدر ما تكون مقنعاً لذاتك الناقدة تستطيع إرضاء شركائك.. ولا بد هنا من تقاطعات في الرؤى والتأملات بين منتج الكتابة ومنتج الحالة البصرية.

4- فضلت الدخول إلى أخطر الجوانب الاجتماعية وأكثرها حساسية.. (الفساد) ترى إلى أي درجة تجد أن على العمل الدرامي أن يكون خارج قالب النصيحة وعكس صورة المجتمع.. أي هل هنالك ما يسمى معالجة درامية للواقع فعلاً.. كيف تشرح لنا وجهة نظرك حول هذا الموضوع؟

 

-         الفساد منظومة ليست خارجة عن جوهر تشكل الإنسان في حالته الفطرية.. إذ أخبرتنا الفرضية الدينية أننا مخلوقون من خير وشر وهذا يعني أن الوجود الإنساني يستتبعه بالضرورة نشاط حضاري في شقه الخيّر أو فساد مستفحل في شقه الشرير... وقد قيل في النص القرآني (عاثوا في الأرض فسادا) أي أن الفساد ليس جديداً عن أي معلم إنساني وبالتالي عن أي نشاط كتابي... فنحن نعرف في بنية القصة ضرورة توفر عنصري الصراع التقليدي الخير والشر.. لكن لعنة الطين أو سواها من الأعمال لم تتحدث عن الفساد بل حاولت رصد تطور آلياته أو البحث عن الأطر التي أوصلته إلى أن يصبح منظومة.. وكل ذلك من وجهة نظر كل كاتب على حدة.. وبالنسبة للنصيحة فليست واردة في منطق التحليل.. والمعالجة الدرامية هي صياغة هذه المقولات ضمن حكاية ربما يدخل فيها الإمتاع.

5- رغم ظهور ورشات سيناريو مختلفة في ساحة الكتابة التلفزيونية برزت تجربتك كفرد وبخصوصية مقنعة.. لماذا لم تلجأ لورشة سيناريو لتبادل الأفكار وللإحاطة بأكثر من وجهة نظر.. هل أنت مع أم ضد الشراكة في الكتابة التلفزيونية؟

 

-         الشراكة هي إحدى عوامل النجاح في الغرب وفي الدراما التي تمتلك تقاليد صارمة كالدراما المصرية.. ولكن لدينا لم تترسخ هذه الحماية للمنتج الفكري.. فأصبح بعض ضعاف النفوس ممن كتبوا نصاً تلفزيونياً وفي الغالب هزيلاً.. يتصيدون الشباب لمص دمهم وسرقة أفكارهم والأسماء كثيرة.. لدرجة أن ورشة السيناريو أصبحت معادلاً موضوعياً للسرقة أو لتحصيل سمسرة على المسلسل كون هذا الكاتب الذي دعا للورشة على علاقة ببعض المنتجين أو المخرجين وأجزم أن ضحايا ورشات السيناريو كثيرون.. من هنا كنت مصراً على فردية العمل الكتابي واستعضت عنها بأخذ وجهات نظر مختلفة فيما أصنع من أصدقاء يملكون ذائقة عالية وحساً نقدياً مهماً.. إلا أن الشراكة بمعناها الإيجابي التي تقتضي توفر كاتبين لهما تجربة مهمة كحسن سامي يوسف ونجيب نصير أرحب بها وأتمناها.. لكنني ضد شراكة ليست متوازنة.

6- الولادة من الخاصرة.. هو عملك الدرامي الذي تصدت المخرجة رشا شربتجي له ليكون في موسم رمضان المقبل.. عمل عن الفقر والقهر في تعددية الطبقات الاجتماعية.. هل تضعنا في صورة هذا العمل..؟

 

-         المسلسل في صورته النهائية هو محاولة لقراءة واقع الفقر، دون تحميل الأسر الفقيرة أمراض المجتمع وانحرافاته كما يحدث في أغلب النصوص التي تصدت لدراسة هذه الشريحة.. فالفقر ليس المحرض على الرذيلة والمشجع على التضحية بالشرف أو الأخلاق في مسلسلنا... بل هو شكل للقهر الإنساني وفضاء حر لحركة شخوص نلتقيها في كل يوم دون أن نسأل أنفسنا: كيف يعيشون... وكيف يفكرون.. وكيف يتألمون ويحلمون. ثم كيف تدوسهم الحياة وكيف تنمو آلامهم حتى تصبح ندبة في أرواحهم، وتجعل ذاكرتهم محملة بشتى أنواع الألم والحرمان.. كما يدخل المسلسل إلى إعادة اكتشاف خراب السلطة بشتى أنواعها، ما هي أسباب التسلط وكيف يمكن للشخصية القيادية أن تدخل في صراعات مع نفسها انطلاقاً من ماضيها.. وكيف تشوه كل ما حولها لمجرد امتلاك القوة.كما نمر في العمل على مفهوم العلاقة بين الأب والابن.. بين القديم والحديث في هذه العلاقة الجدلية.. بين من تربى على حب جذره وماضيه من الآباء.. وبين من وجد نفسه في عالم المال والتكنولوجيا والحداثة من الأبناء.. وكيف يصبح الأبناء منسلخين عن آبائهم وأمهاتهم ورافضين لهم ومضحين بكل قداسة الأسرة كي يحققوا أحلام مراهقتهم مبكراً حتى لو على جثث الآخرين.

7- هنالك إقبال على دراما العشوائية إلا تخاف من استنزاف تلك الظاهرة وكيف تصنع ككاتب خصوصية رؤيتك ولو بجانب جزئي ضمن عملك المقبل (الولادة من الخاصرة)؟

 

-         ليس هناك مكان للاستنزاف، أي مكان يضج بالحياة.. والعشوائيات ليست فقاعة كما يعتقد بعض الصحفيين.. بل هي المشكل الأساس لبنية أغلب المجتمعات العربية... بمعنى أن الإصرار من قبل البعض على اعتبارها موضة هو قصور نقدي وحياتي بأن معاً... إذ نرجو أن لا نفهم منهم أن العشوائيات هي مكان طارئ أو حامل لمشكلات متشابهة... الدراما هي صورة الحياة... وأمكنة الحياة كلها مواد قابلة للاشتغال.. وما أدعي جدته في هذا النص هو تبرئة سكان العشوائيات من البؤس الأخلاقي أولاً والبحث عن المآل الشنيع الذي يتعرض له سكان العشوائيات بعد إزالتها.

جريدة النهضة

الاثنين 17/1/2011

 Omaralshaikh-sam@hotmail.com

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية