مواضيع للحوار

سأموت في المنفى بين بدل الفاقد أو البحث عن جديد

سأموت في المنفى بين بدل الفاقد أو البحث عن جديد

721 مشاهدة

سأموت في المنفى بين بدل الفاقد أو البحث عن جديد

د. سامي الجمعان

المصدر: فلاش زومين

أول مايتبادر إلى ذهنك حين تشاهد (سأموت بالمنفى – بدل فاقد) للفنان غنام غنام استحضار إجناسية هذا “العرض”، قافزة إلى ذهنك الخانة المناسبة التي يمكن أن يُصنف العرض في اطارها من حيث الشكل والمضمون، وهذا ماكان غنام غنام على وعي به، فألحّ في استهلالته وفي إشارة مباشرة على أنه غير معني بتصنيف العرض تحت أي جنس فني.

والسؤال المطروح علانية: هل مسألة تصنيف العرض الفني ضرورية ومُلحة ومُلزمة!!، أم هي فائضة عن الحاجة، خاصة إذا ما نظرنا إلى هذه القضية من وجهة نظر “مابعد الدراما” الساعية أصلا إلى كسر حدود التصنيف، والحد من قواعد التجنيس على عكس ماتنادي به النظرية الكلاسيكية!.

إذن ومن وجهة نظري الخاصة بعد أن شاهدت العرض في مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي فإن محاولة تصنيف العرض ضمن شكل من الأشكال المعروفة، أو ابتكار مسمى جديد له إنما تنبع من ضرورتين:

الأولى: ضرورة جماهيرية، تخص الجمهور نفسه بعد مشاهدة العرض واكتشافه وجود سمات لأنواع عروض فرجوية معروفة ومشهودة كظاهرة الحلقة، وظاهرة الممثل الفرد، أو ظاهرة الفنان الجوال، وغيرها من الظواهر التمثيلية التي عرفها العرب، وبالنظر إلى وجود هذا التشابة يصبح التصنيف أو ابتكار مسمى جديد سببا من أسباب وضع التجربة في سياقها الصحيح.

ثانيا: ضرورة ذاتية، تخص الفنان غنام غنام الذي تبنى العرض، تأليفا وتمثيلا وإنتاجا وإخراجا، وانطلاقا من فكرة حفظ الحق الفني والأدبي والفكري أيضا يكون التصنيف أو اعطاء التجربة مسماها الخاص له ضرورة ذات أبعاد حقوقية وتاريخية إن ساغ لنا التعبير، خاصة وأن غنام غنام وبحسب تصريحه الشخصي لي يستعد لتقديم التجربة الثانية في ذات السياق، أي العرض القائم على مسرحة سيرته وسيرة أسرته الذاتية، بهدف دعم القضية الفلسطينية، وايجاد شكل فني تسهم بساطته وقربه من الناس في ايصال الرسالة.

من جانب آخر فقد تعمدت طرح هذا السؤال عليه كي استوعب توجهات صاحب التجربة ومتبنيها، فوجدت أن غنام غنام يمتلك فلسفة خاصة لتجربته تلك، ومن هنا فالتنصل من محاولة تصنيفها أو تسميتها ظلما لهذا الحق المشروع، في ظل استستهال البعض سرقة الحقوق ونسبتها بكل بجاحة لغير أصحابها.

نذهب الآن إلى محاولة اجتهادية في تأطير المسلمات التي تقوم عليها هذه التجربه ومن وجهة نظري الشخصية، فوضع محددات تأطيرية ستعيننا حتما على وضع تسمية مقترحة لها، خصوصا أن الإبداع هو الذي يقترح على التنظير وضع مصطلحاته الملائمة له، أو على أقل تقدير تقريبه من التسمية الأدق.

أول مايمكن وسم هذه التجربة به حضور الحالة الدرامية أكثر من حضور التقاليد المسرحية بمفهومها الشائع، فالدراما حاضرة رغم عدم توفر شروط العرض المسرحي الثابت في أذهان الجميع، وفي زعمنا بأن ماشاهدناه هو عبارة عن حالة درامية تتكئ على تحويل فضاء فارغ في مكان ما، (شارع، ساحة، حديقة، رصيف، لوبي فندق، أيا كان الفضاء) لكنه قابل لأن يكون حاضنا لهذا العرض دون شروط الديكور والإضاءة والأزياء والموسيقى التصويرية وغير ذلك.

الدراما بوجود مشخص يحيل الحكي المسرود إلى أداء تمثيلي، قائم على درامية الموقف المحكي، تماما كما يفعل الحكواتي حين يحاول جاهدا شد انتباه المحكي لهم بأداء بعض الحركات التمثيلية لا بقصد التمثيل إنما بقصد تحقيق التواصل بين المرسل والمستقبل، إلا أن غنام غنام يتجاوز فكرة الحكي والحكواتي إلى فكرة قصدية الأداء التمثيلي المعني لذاته.

 

ومن المسلمات أيضا في سياق الحالة الدرامية اعتماد الحركة ببعد درامي موحي، بحيث تتسق وتتوافق مع الحدث المحكي، كالتنقل من مكان إلى آخر، واستثمار المستويات كالجلوس قعودا أوجلوسا، واستثمار الجري والوقوف والمشي والقفز إلى آخره، والفرق بينها وبين الحالة المسرحية بمفهومها المتعارف عليه، حيث تكون الحركة منضبطة ومقننة ومحددة حسب رؤية المخرج المسبقة إلا إنها هنا في تجربة غنام حركة يفرضها الموقف الدرامي، وتصنعها اللحظة ، وتتشكل بحسب الحالة والسياق، والتالي وهذا يعني أن مايقدمه غنام من حركات غير لازم له، بل متبدل من عرض إلى آخر، وهذا يعني سمة أخرى من خصوصيات هذا النمط من العروض.

الشيء الوحيد الذي أحسبه خاضعا للضبط في هذا العرض هو نص العرض الذي يتسلسل وفقا للنص المكتوب مسبقا، وبالتالي فالإضافات التي يقبلها النص المسرود طفيفة، وينتجها غنام بحسب الظرف أو الوضعية، لكنها بالتأكيد لا تمس بنية النص الأساسي، التي تتسلسل أحداثة وفق التنظيم المكتوب مسبقا.

هذا العرض له غاية توثيقية تتوسل الدراما لعرضها، وهذه الغاية التوثيقية لها مهمة حفظ سيرة ذاتية تخص غنام غنام نفسه ومن يحيط به من أفراد أسرته، وهذا يقودني على المستوى الشخصي إلى تأكيد التصاق أساس هذا العرض بالسيرية الذاتية المعروضة دراميا، وهو ما دعاني لاقتراح تسميته ب( الدراما السيرية)، أو حتى ( دراما السيرة)، وهذا ليس بغرض تقييد التجربة في مسمى محدد إنما كما أسلفت لوضعها موضع الحوار العلمي المقنن، والموضوعي بدلا من أن تتوه في غياهب التجارب دون أن تتخذ لها هوية تعرف من خلالها.