قالت الصحف

سعد القاسم..ثلاثية بهية...

سعد القاسم..ثلاثية بهية...

1947 مشاهدة

 

يا  بهية

الثورة – منوعات

العدد : 14437
الثلاثاء 1-2-2011م
سعد القاسم

في الصور التي تناقلتها الفضائيات من  العاصمة المصرية خلال الأيام الماضية يشمخ برج القاهرة واحداً من أهم معالم  المدينة،ورمزاً لحقبة خالدة في تاريخ مصر الحديث حفلت بالإنجازات والتحديات، وربما أيضاً- شاهداً على الحدث الراهن..

وللبرج المنتصب  إلى جوار النيل حكاية لا تخلو من الدلالات تمنحه تلك الرمزية التاريخية،وتعود إلى  النصف الثاني من خمسينيات القرن الماضي حين كان المشروع التحرري النهضوي للزعيم " جمال عبد الناصر"، يستقطب آمال وأحلام الناس من مصر على امتداد الوطن العربي وصولاً  إلى شعوب العالم الثالث،في مواجهة حتمية مع الغرب الاستعماري الذي بذل كل ما أمكن  من أجل إطفاء جذوة هذا المشروع، فكان الحصار الاقتصادي متمثلاً بوقف تمويل السد  العالي،ثم العدوان الثلاثي العسكري إثر استرداد المصريين لقناة السويس، وكان لصمود  المصريين الأسطوري خلاله والتضامن العربي والعالمي الواسع معهم والذي حمل عناوين  عدة من تفجير الأنابيب التي تنقل النفط إلى الغرب، ومشاركة الضابط البحار جول جمال  في عملية استشهادية ضد إحدى البوارج المعتدية، ورفض العمال في جميع المرافئ العربية  تفريغ السفن التي تحمل أعلام دول العدوان، وحملة التطوع الهائلة وجمع التبرعات غير  المسبوقة لدعم شعب مصر في كفاحه البطولي،كان لهذا كله أن يزيد من شعور قوى  الاستعمار القديم والحديث بالخطر الذي يتهدد نفوذها وهيمنتها على مقدرات الشعوب،  وكان مما لجأت إليه محاولة أميركية لرشوة الرئيس عبد الناصر..‏

قبل عبد الناصر  الهدية، ولكن ليس لنفسه كما أمل أصحابها، ويذكر أحد شهود الحادثة كيف فتحت الحقيبة  التي ضمت مبلغ مليون دولار بحضور مسؤولين في الدولة المصرية تكفلوا بعد المبلغ ولما  اكتشفوا أنه ينقص دولاراً واحداً قال الرئيس بمرح إنه يسامح الأميركيين به، ثم أمر  أن يبنى بالمبلغ برج القاهرة، وهذا ما كان، وجاء البرج من روح الحضارة المصرية التي  شيدت عبر آلاف السنين الكثير من المعالم الخالدة، وصار واحداً منها و رمزا لحقبة  النهضة الحديثة التي شهدت تشييد السد العالي، ووصول الكهرباء إلى كل مكان في مصر،  وثورة التعليم، وإقامة صناعة وطنية عملاقة وفرت فرص العمل الكريمة لمئات الآلاف من  الشباب المصريين،في الوقت الذي واصلت فيه مصر عبد الناصر دعم حركات التحرر الوطني  في بلدان كثيرة بعد أن كان لها دور أساسي في استقلال الجزائر، وما كان لهذا وسواه  أن يتم دون عقوبة استعمارية، فكان عدوان حزيران 1967 وفي مقدمة أهدافه إسقاط الرئيس  عبد الناصر وإنهاء مشروعه الوطني والقومي،لكن أبناء مصر رفضوا الهزيمة وكان البرج  شاهداً على تدفقهم كالطوفان في شوارع مصر مرددين كالإعصار هتافاً  واحداً:حنحارب..ملتفين حول عبد الناصر ومتمسكين بقيادته فكانت العملية الهائلة  لإعادة بناء الجيش المصري والإعداد لحرب التحرير،ولما خطف الموت الزعيم من بين  أبناء شعبه كان البرج من جديد شاهداً على الجموع الغفيرة خلف جثمانه تهتف بحزن  يغلبه التصميم: بالجيش وبالشعب حنكمل المشوار..ولم تمض ثلاث سنوات حتى كان جنود عبد  الناصر يعبرون القناة التي حفرها أجدادهم ويحطمون الخط الدفاعي الدخيل و يرددون مع  أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام:‏

مصر يمه يا  بهية، يا أم طرحة وجلابية، الزمن شاب وأنت شابه، هو رايح وانتي جايه..‏

 

 

يــا  بهــــية 2

الثورة – منوعات

العدد : 14444
الثلاثاء 8-2-2011م
سعد القاسم

إحدى أكثر الصور المصرية الحديثة التي  تركت أثراً عميقاً في الروح صورة ذلك الجمع البشري الهائل يطوف شوارع الإسكندرية  مردداً بصوت واحد هادر:

قالوا عنا شعب  جبان..وأدي نحنا نزلنا ع الميدان‏

فالصورة وصوتها  أزالا ببلاغة رائعة تشويهاً عمل كثيرون على إلباسه للشعب المصري،وبعد 25 كانون  الثاني ،وأياً اتجهت الأحداث،لن يكون للصورة الزائفة أن تجد لها مكاناً يقبلها، ولن  يمكن للحديث عن الشعب المصري إلا أن يكون مقترناً بالإشادة بتحضره وشجاعته، وتكفي  دلالة على ذلك صور الملايين المحتشدة في ميادين وساحات وشوارع مصر، بأعلى درجات  الرقي الحضاري البعيد كل البعد عن مظاهر تخريب وفوضى حاول أزلام النظام أن يشوه  بواسطتها صورة انتفاضة سلمية لشعب أعزل بوجه نظام مدجج بأجهزة القمع، فلا ترهبه  الحشود الأمنية ولا (البلطجية) وخيولهم وجمالهم، ولا السيارات التي تدهس المتظاهرين  في الشوارع، ولا الطلقات المطاطية التي تصيب منهم مقتلاً،ولا حتى الرصاص الحي  وقنابل الغاز والزجاجات الحارقة التي ظلت تلقى عليهم على امتداد ليلة كاملة، فلم  يبارحوا اعتصامهم،ولم يفزعهم سقوط عشرات الشهداء وآلاف الجرحى منهم،بل وعلى العكس  من ذلك تماماً ازدادت حشودهم عدداً، وعاد الجرحى المضمدون ليقفوا بشجاعة أمام  كاميرات التلفزيون يؤكدون تصميمهم على استمرار ثورتهم ..‏

المصريون في  ميدان التحرير وباقي ساحات وشوارع مصر أعادوا وصل ما انقطع من تاريخ مليء  بالإنجازات الحضارية، والمواقف الشجاعة ضد الظلم، سواء ارتدى شكل استغلال محلي أم  هيمنة أجنبية،وشواهد التاريخ الحديث وفيرة:انتفاضة دنشواي 1906،الثورة الشعبية  تضامناً مع سعد زغلول1919، الالتفاف حول ثورة تموز 1952، خروج المصريين من الأزهر  بعد خطاب جمال عبد الناصر فيه يتحدون قوى العدوان الثلاثي عام 1956 ،اندفاع  ملايينهم إلى الشوارع إثر عدوان1967 رافضين الهزيمة ومطالبين الرئيس عبد الناصر  بالتراجع عن استقالته دون أن تخيفهم أصوات صفارات الإنذار ولا الطائرات الإسرائيلية  المحلقة فوقهم،عبورهم الأسطوري لقناة السويس وتحطيم خط بارليف بالترافق مع اختراق  أشقائهم في الجبهة السورية للخط الدفاعي الدخيل عام 1973،ثورة الخبز أو انتفاضة 14  كانون الثاني عام 1977 يوم عرض شاه إيران على السادات اللجوء إلى إيران هرباً من  غضبة الشعب..وكان لمكر التاريخ أن تنقلب الصورة فلا يجد الشاه الذي خلعته ثورة شعبه  بعد ذلك من يقبل بإيوائه سوى السادات قبل أن يلقى الأخير مصيره الذي يستحق على يد  الشعب المصري..‏

لا يمكن للصور  القادمة من ميادين وساحات وشوارع مصر إلا أن تثير مشاعر وتضامن كل حر، على قلة تلك  الصور التي تواجه قمعاً يسقط بفعله إعلاميون شهداء وجرحى، ويتعرض آخرون لحجز الحرية  ومنع الحركة،غير أن السقوط الأكبر كان من نصيب الإعلام الغربي وهو الذي لم يتوقف  منذ ستة عقود عن التغني بالكيان الصهيوني الغاصب بزعم أنه واحة الديمقراطية في  الشرق الأوسط والنموذج الذي يجب أن تقتدي به شعوب المنطقة،فإذا بهذا الكيان يخالف  كل الأنظمة الديمقراطية (بموقفها المعلن) وينحاز بكل قوته وعلاقاته العالمية إلى  نظام ضد شعب يطالب بحريته.ومن المؤكد أن ليس في الموقف الصهيوني ما يفاجئ الشعب  العربي في كل مكان، فهو يدرك حقيقته، وأنه العدو الحقيقي والعقبة في وجه تطلعاته  ومستقبله، ولذلك كانت الأعلام الصهيونية تحرق في تونس والقاهرة، وفي كل مظاهرة  عربية مؤيدة لثورتيهما الشعبيتين..‏ 

 

 يا  بهية 3

الثورة – منوعات

العدد : 14451
الثلاثاء 15-2-2011م
سعد القاسم

نيل من بشر يفيض في شوارع وساحات  القاهرة والإسكندرية والسويس وسواها من المدن الثائرة.. طوفان بلغت أمواجه مدنا  كثيرة غيرها شاركت الشعب المصري أفراحه..

هكذا كانت مصر  إثر انتصار ثورتها الشعبية.. وهكذا كانت مدن ردت الجميل لشعبها الحر الذي وقف رغم  كل القهر الذي يتعرض له مع الشعوب الرافضة للقهر، فكانت قلوبه مع غزة الأسيرة حين  كانت سيوف حكامه عليها، وكان قبل ذلك مع المقاومة اللبنانية الباسلة في حرب تموز  2006 في وقت كان النظام يعلن فيه وقوفه مع العدو الإسرائيلي فملأ الشوارع بجموعه  متحدياً النظام ورافعاً في العالي رموز المقاومة البطلة، وقبل ذلك بثلاثة عقود وقف  مع ثورة الشعب في إيران يوم كان حاكم مصر الوحيد الذي وفر ملجأ للشاه المخلوع،  يومذاك غنى الشيخ إمام وعزة بلبع أغنيات للشعب الإيراني كتبها أحمد فؤاد نجم وصدرت  بعد ذلك بعنوان(طهران ..أغنيات وأشعار للثورة) قدمها بالقول :"كتبت هذه القصائد  وثورة إيران ضد الشاه العميل على عتبة الانتصار، كتبتها لإيران، وللثورة في كل  مكان.. ولمصر"..‏

وتبدو قصائد نجم  عام 1979 وكأنها كتبت اليوم، ، أو كأنها تبشر بما سيحدث بعد ثلاثة عقود على  كتابتها:‏

إيران يا مصري،  زينا‏

كان عندهم..‏

ما عندنا‏

الدم هو دمنا‏

والهم من لون  همنا‏

الخالق الناطق  هناك‏

الناطق الخالق  هنا‏

الأرض حبلى  بالربيع وبالغنى‏

والجو مشحون  بالقصائد والغنا‏

والشمس فوق الكل  تشبه شمسنا‏

اللي حصل فيهم  هناك‏

لازم حيحصل  عندنا‏

وتشاء المصادفة  أن يكون يوم انتصار الثورة المصرية هو ذاته يوم انتصار الثورة الإيرانية قبل ثلاثة  عقود، وتظهر فلسطين كرابط بين الثورتين، ففور انتصار الثورة الإيرانية أُغلقت  السفارة الإسرائيلية في طهران ورفع العلم الفلسطيني فوقها، فصار الغرب الساعي على  مدى سنوات طويلة لفرض التحالف بين إيران الشاه والدول العربية، يعمل في الاتجاه  المعاكس لأجل تأكيد الخلاف المذهبي والقومي بين إيران والعرب، ساعياً بكل السبل  لإذكاء نار العداء بينهم.واليوم إذ تعلن مصر ثورتها فإنه لن يصعب على أي مراقب منصف  تلمس الروح الوطنية والقومية لهذه الثورة، فإذا سعى بعض المحبطين لإنكار بعدها  الوطني والقومي أفلا تكفي الشعارات التي رددها المتظاهرون و اللافتات التي رفعوها  دليلاً، ثم ألم يلفت انتباههم حرص الرئيس مبارك في كلمتين متتاليتين على استدرار  عطف شعبه الثائر بالحديث عن مشاركته في حروب مصر ضد العدو الصهيوني..‏

في مشهد من  المسلسل التلفزيوني الرائع (صلاح الدين الأيوبي) للكاتب وليد سيف والمخرج حاتم علي  يقول صلاح الدين لأمير إفرنجي وقع في الأسر :" ما الذي جئتم تفعلونه في بلادنا.هل  توهمتم أنكم قادرون على البقاء بيننا ولو طال الأمد، نحن الشام والعراق ومصر وفارس  والجزيرة"..‏

هو سؤال يصح  توجيهه بعد نحو تسعة قرون إلى الفرنجة الصهاينة، وهم يعلمون جوابه ويسعون كما فعل  أسلافهم لمنع هذه القوى من التوحد.لكن للشعوب رأياً آخر و ها هي ثورة مصر قد بدأت  تعيد البلاد إلى موقعها الصحيح.‏

mailto:skasem@scs-net.org 

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية