دراسات أدبية

سلطة الجسد والرقص على أوتار المعنى في الخطاب الروائي

سلطة الجسد والرقص على أوتار المعنى في الخطاب الروائي

336 مشاهدة

سلطة الجسد والرقص على أوتار المعنى في الخطاب الروائي

رواية " الملائكة لا تطير "

#للكاتبة _فاطمة _بن _محمود

#موقع شرق وغرب - ثقافة وفنون

#بقلم _الدكتورة _زينب _لوت

تكثفُ المؤلفة (فاطمة بن محمود) في روايتها ( الملائكة لا تطير) مشهدا صاخبا بالحركة الدرامية، وتغرس ألياف خيالها في مؤثرات تكاد تكون مرئية، وخلخلة العمق النظري بين المتلقي والنص، في تحين ذهنية الرجل في فترة من فترات الاضطراب السياسي والسوسيولوجي، حيث تكون رابطا قويا بين الفشل السياسي وتسيس العقل حسب متطلبات التدين الذي تناقشه عبر أحداث الرواية التي كثفت الضوء على عملية (ختان البنات) من أجل إحياء سنة جديدة والمشاعر التي رافقت الضحية (نور) عبر مراحلها العمرية، وشكلت بؤرة التوتر العقائدي الزائف في شخصية الرجل ( سيف) مكونا بين ( الراعي/السلطة/ المتحكم في أصول وامتداد : الأسرة + الدين)، وكيفية تلاشي سلطة الأم وانبهارها بالعامل الديني الذي تحقق أمامها في صورة الورع أو الذنب إذا اهتمت بالجنس أو الرقص أو الجسد، فتقلص هوة التفكير بالذنب من تفكيرها وتطلعها للحقيقة ورؤية الحياة عبر ثقبين من عبايتها، كما تبين الكاتبة رفضها  الداخلي إلا انها تمارس حياتها بنفس الأسلوب المتشدد حفاظا على المقدس.

تمنح الرواية مجموعة من التساؤلات:

هل التشدد الديني ثمرة السياسة الفاشلة أم بنية شعورية بين الإنسان وروحانيته؟

 لماذا يتموقع الرجل في سلطة الحركة الإسلامية هل من أجل السيطرة الأسرية أم التحكم بالمفترض القوة والقرار والجنس؟

 كيف يمكن قبول (ليلى) أحكام تناهضها من الداخل بصمت؟

هل رحيلها بعد وفاة الابنة (نور) هو رحيل الإرهاب النفسي والعقلي؟ لماذا يمارس الرجل حرية معلنة وتقبع المرأة في أشكال حريتها لعنة ووشم عار ؟.

في كيفية تناول الرواية لا تبتر الروائية الحقائق بل تستعين بخطاب مع الساردة التي رسمتها داخل مواسم الكتابة وقهرها اتجاه ما تكتب وحقيقة ايصال أنفاسها للمتلقي المنجذب لشيئين اشبه بسحر اللغة وحس منغمس في أصقاع النفس الإنسانية وهي نطفة حتى بلوغها الأجل، تلك التي شخصتها في شخصية (نور) التي ظهرت للنور ملاكاً يضيء حياة الأم (ليلى) ويمارس (سيف) معتقداته عليهما رغم ماضيه المحمل بالشهوات  والنزوات و المغامرات، يفتك بحدود الحياة للزوجة و الابنة، ويحدد الأخلاق والسلوك والحكم وبناء القرار فوق كل الاعتبارات الإنسانية التي أدت لوفاة الابنة يوم زواجها وهي تصارع الآلام النفسية و الجسدية التي سببها الفكر الأبوي.

تصدير الرواية يتخذ جسدا يحرك أوصال المتلقي نحو متفكك عجيب، وقدرة غريبة في فهم اللغز حيث يكون الطيران متصلا بالملائكة ذلك العالم النوراني الذي يحاربه المعتمون فكراً الضالون دينا باسم الدين تنتهك الحريات وتفسدُ عوالم الحياة، وتقتلُ الملائكة وهي تحاول أن تطير لكن في سماء تصنعها الأيادي الخشنة بارتطام النور مع ظلم التسيس الديني الذي ينزاح عن أصوله ومبادئه وقيمه التي تنبذ عنف التعصب و الدونية، تستهل روايتها:

 *إن كنت أقدر أن أقفز دون أن أقع،

 أيمكن أن أطير مع الملائكة؟

***

*من رواية “إنجيل الابن” للأمريكي نورمان ميلر(فاطمة بن محمود، الملائكة لا تطير،(رواية )

الرواية تمنح القارئ فرضيات فلسفية متشعبة في قراءة المجتمعات والإنسان، وأسرار النفس، بناء صريح نحو الرجل الذي يقمع باسم سنن الدين، ويتفاخر بالرايات السوداء التي تعوض العلم الوطني، وافتراض عالم بديل لأسرته يضمن لهما العفة والشرف.

تمزق الروائية اوصال المروي وتغيد لصق الأحداث وكأنها اللعبة  الّتي ستحدد براعة إيجاد العلاقات بين الفكرة والمحكي أو ما ينتج من خلال الفهم والحصول على درجة تفاعل أبلغ عن التفسير تجعل الندبة التي تشق وجه (سيف) في الماضي حيث كان يتعارك مع أحد الشباب للنيل بامرأة تبيع جسدها وسط أزقة ساحة برشلونة «كانت الشتائم والسباب ترتفع بينهم وهم يتدافعون حولها، ثم تشابكوا. امتدت قبضته إلى وجه أحدهم. وبسرعة خاطفة، رد عليه بضربة مشرط، فترك جرحا غائرا في فكه. ينزعج سيف من كل من يسأله عن هذا الجرح، وراقه أن يمتد شعر لحيته فيغطيه إلى أن لم يعد الناس ينتبهون إليه. من حكمة اللحية أنها تميز المسلم الحقيقي ومن محاسنها له أنها تستر عيبه وتغطي ماضيه السيئ. يتذكر جيدا كيف أنه تفاجأ بأن اللحية نفسها كانت موضوع خلف » (فاطمة بن محمود، الملائكة لا تطير،(رواية ) )تلك اللحية التي تخمد ذنوبه وخطاياه السابقة، تلازم خشوعه الظاهر وإيمانه وحكمه القاطع لبن الحق و الباطل والظاهر و المستتر، كما في مسألة (عيد ميلاد) ابنته التي مزق لها دميتها، وهروب ابنة أخيه من المنزل وعده من المحرمات.

كما تقتنص شخصية سيف وهو يصلي منجذبا إلى (لبنى) المرأة التي احبها ومارس معها الجنس عاشقاً لا يكادُ ينسى وجودها وهو في مكان مقدس يعكف مصلياًّ خلف الإمام  «وكم كان يلذ له أن يتنفس في وجهها ورقبتها وبين نهديها! يغمض عينيه ويرفع صوته بقراءة القرآن مع الإمام عله يبعدها بصوته، ولكن ما إن يعاود الإمام السجود حتّى يشعر بها قريبة جدا منه. كم يخشى أن يجدها أمامه إن فتح عينيه. ترى أين هي الآن؟

أتراها تتكور دافئة في حضن أحدهم؟

هل تذكره كما يذكرها؟

هل تحن إليه كما يحن إليها دائما؟

عندما سلم الإمام معلنا نهاية الصلاة عاودته الحيرة ككل مرة:

هل تعد صلاته ملغاة؟»( فاطمة بن محمود، رواية: الملائكة لا تطير) تظهر الساردة من القاع متصاعدة في فهم خلوة سيف وإخوته دون تعليل حيث يطلب الغفران وأن يثبته الله للخشوع.

تحدثت(ثريا) عن (كلية منوبة) حيث استبدل العلم التونسي بخرقة سوداء كتبت عليها كلمات التوحيد فأثارت حفيظة (سيف)«قاطعته ثريا محتاجة:

  • راية السلم التي تتحدث عنها كانت  ترفع فقط في الغزوات والحروب، وحسب علمي أنتم في غزوة و نحن كفرة

أجاب سيف دون أن ينظر إليها:

  • بل هي حرب على الجاهلين بالسلم، وهو فتح جديد لبلد حكمها الطاغوت وأعداء الله.

ستستعيد المجد لها وإن كره الكارهون»( فاطمة بن محمود، رواية: الملائكة لا تطير)

تكثيف الاحداث واختلاف مواضيعها، تثير كلّ مرة حقائق  المشاعر الخفية، تلك الأحاسيس المتوارية في صمت يخال القارئ عدم مواجهتها، تنزع رداء الزمن من جسور الذاكرة، وتجعل التحول ممكنا وافتراضا قريبا من الواقع او الواقع ذاته المهيمن بتوثيق الاضطراب الذهني بجمالية فنية تدركها الكاتبة ( فاطمة بن محمود).

http://sharqgharb.co.uk/?p=110834&fbclid=IwAR0s_cx0g-O1hVyNTSmMhROsD6cHPYoShDVz1fKQgmNc2nSijJzuoWbxxKU