مواضيع للحوار

سنعود بعد قليل .. دراما الفجيعة والأمل.. بقلم محمد خوجة

سنعود بعد قليل .. دراما الفجيعة والأمل.. بقلم محمد خوجة

1610 مشاهدة

الفداء - ثقافة
الأحد: 1-12-2013

إذا أردت أن توصّف ما يحدث ماذا تقول..؟ والجميع يئنون في جراحهم النازفة, وطن مسور بالدم والخراب, عامان ونصف العام والدم السوري يغطي خارطة الوطن, وعيون الجميع ترقب بارقة أمل تخرجنا من هذا النفق المظلم.

رافي وهبة يدون الفجيعة:‏

عن الفيلم الإيطالي ( الجميع بخير) التقط المبدع رافي وهبة وجع وطنه ليقدم لنا دراما تلفزيونية على مدار ثلاثين حلقة, أعتقد أن السينارست رافي وهبة قد كتب أجمل وأفضل أعماله وللأسف لم تسعفني الذاكرة بذكر بعض أعماله التي كتبها, وطالما أن الذاكرة نحت جانباً ما قدمه, كونه لم يترك أثراً فينا في (سنعود بعد قليل) قدم رافي وهبة طيفاً واسعاً من المجتمع السوري رغم اختلاف الرؤى والمواقف ولكن ما يجمع الجميع هو حبهم لوطنهم وإن اختلفوا في مواقعهم, قدم رافي وهبة حواراً مكثفاً بالألم والفجيعة عبر تراكم صور مزدحمة بالدم والدمار, فضاء واسع للأنين والألم.‏

حكاية المتاجرة‏

قدم لنا حكاية أب (دريد لحام ) يعشق ياسمين دمشق وأهلها يغادرها إلى بيروت كي يزور أولاده الستة, وعلى اختلاف مواقعهم ومواقفهم يلهثون بالدعاء والحب لوطنهم الأم (سورية) رغم أن الجميع غارق في مشاريعه الصغيرة ولا ضرر في المتجارة بالدم السوري كما فعل ابنه الصغير الذي لعب دوره قصي خولي,فهو على صله بالمافيا ويقدم اقتراحاته بدأ من تجارة السلاح وانتهاء بترك أبيه يواجه الموت وحيداً ,وسامي الذي لعب دوره ( عابد فهد) تاجر بالسياسية اللبنانية استغل اسم عمه والد زوجته وكان زعيماً سياسياً وبعد أن تعريه زوجته على حقيقته تطلب الطلاق. وباسل خياط لعب دور الابن الإعلامي هو انتهازي بطريقة مختلفة حتى عندما يحب يخون زوجته فهو انتهازي بمشاعره واحاسيسة, والفنان التشكيلي الذي أداه رافي وهبه, وجه آخر للتشوه, هارب من حب قديم, ثم يؤوي فتاة صغيرة مغتصبة ليقدم لها المأوى والأمان ويطلبها للزواج مستغلاً واقعها المأساوي , الابنة الكبرى أدته الفنانة دارين الراسي تعيش قصة حب مأزومة وعندما يعلم الزوج القادم من الخليج يحاول أن يعاقبها إلا أنه يكتشف بأن العشيق عاجز جنسياً, والابنة الصغرى تعيش حياة فوضوية بدءاً من علاقتها مع شاب قدم لها المسكن وأشياء أخرى إلى قصة حب مع شاب سوري يبدع في حقل السينما, يدخل سورية خلسة ليدون بالكاميرا ما يحدث.‏

هي شخصيات تتخبط في مصيدة واقع متشابك المصالح والأهواء, والجميع ينجرف بتيار المصلحة الفردية, رغم ادعاء البعض منهم الحرص على الوطن, ولكن لسان حالهم يقول: أنا ومن بعدي الطوفان, هذا هو لسان صوتهم الداخلي وهذا ما حدث في نهاية العمل, الأب الذي لا يتجزأ عن تراب وطنه يجلس وحيداً في سريره بالمشفى يواجه الموت ويحلم بنظرات أبنائه تكفنه في رمقه الأخير, ولكن الفجيعة , بأن جميع أبنائه لا يلبون رغبته الأخيرة .. فيموت وحيداً, رغم أن أبناءه لا يبعدون عنه سوى أمتار قليلة.‏

ليث حجو مبدع بامتياز‏

لقد أبدع هذا العمل وبصورة ترتقي للصورة السينمائية, هو المخرج ليث حجو فقد اختار أماكن التصوير بعناية فائقة, وحرك شخصيات العمل بحرفية عالية, وهكذا فقد أبدع الجميع من أول ممثل كومبارس إلى البطولة التي أداها الفنان الكبير دريد لحام, وربما أسس دريد لحام بهذا الدور لمرحلة مختلفة عن مسيرته الفنية الغنية بالأعمال المسرحية والتلفزيونية والسينمائية لثروة بالأداء العفوي العميق الذي يلامس الروح والعقل.‏

لأول مرة يقدم الفنان دريد لحام عملاً درامياً بعيداً عن الكوميديا ولقد تفرد بأداء حميمي رائع, أداء ممتزج بروح ممزقة على وطن أمست أبوابه مشرعة للغرب والشرق للمتاجرة بدم أبنائه, لقد استطاع ليث حجو أن يفجر بداخل كل فنان طاقات مذهلة في العفوية والبساطة التي تدمي القلب.‏

إن الفنان ليث حجو يرتقي بالصورة الدرامية لمستوى الصورة السينمائية ( كلفة بصرية) وهذا ما عبر عنه بإعجاب شديد المخرج السينمائي بلال صابوني.‏

إن المتابع لمسيرة هذا الفنان يكتشف التطور على صعيد الصورة والموضوع بدءا من مسلسل( الانتظار) بطولة بسام كوسا وتيم حسن سيناريو وحوار سامي يوسف إلى (ضيعة ضايعة) عبر جزأين صاغها السينارست المبدع ممدوح حمادة وبطولة ( باسم ياخور) والفنان الراحل نضال سيجري هذه الأعمال قدمت مخرجاً مبدعاً يبني عالماً متناقضاً ولكنه يداعب الروح ويسمو بالعقل‏

سنعود بعد قليل.. إشكالي:‏

هو عنوان إشكالي ولأذهب نحو الضوء الكامن في نهاية النفق, ربما هو عنوان ينبئ رغم كل العذابات والفظائع, بأننا سوف نتجاوز هذه المحنة التي عصفت بالوطن من شماله لجنوبه ومن غربه لشرقه, هي دراما تؤرخ لصورة ملطخة بالدم السوري وكأن قدر هذا البلد أن يدفع ضريبة غالية الثمن كيف؟ ولماذا؟ هو حديث ذو شجون‏

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية