دراسات أدبية

شجار الكلام نقد لما هو قائم وافتراض للقادم  الشاعر مخلص ونوس

شجار الكلام نقد لما هو قائم وافتراض للقادم الشاعر مخلص ونوس

2025 مشاهدة

شجار الكلام

نقد لما هو قائم وافتراض للقادم

الشاعر مخلص ونوس

          ليس ثمة مسافة قصيرة بين تأثير الشعر على النفس وتأثيره على المجتمع فالشعر هو العمل على إظهار المشاعر والخروج والانطلاق بها والشعر مناقشات متجددة حول المسؤولية الاجتماعية للشاعر والعلاقة التبادلية بينه وبين الثقافات السائدة ، والشاعر المبدع مخلص ونوس يعبر بصورة صريحة عن تيارات تسري في أعماقه، تخلق عنده نظرة  تنبئية  تنتقد الكثير مما هو قائم في عالمه المتناقض وتنقد كل ما يبدو أنه يهدد إمكان وجود إنسانيته الأصيلة وعندما يواصل مناقشته للوجود يصل إلى مقولة بأن لإنسان كائن خلقه الزمان ،وإنه يبدأ في هذا العالم ويختفي فيه والإنسان عند الشاعر مخلص ونوي ، يعيش في تجاوز اللحظات المتعاقبة وفي سلسلة من الإطارات الزمنية، وهي الإطار الزماني للحياة ،وفي ديوانه (شجار الكلام )  يمتد الزمان بين حدود الوجود وظاهرة الهم التي هي الأساس الزماني لعمله فكل اللحظات تشير إلى قلقه الممتد نحو المستقبل ويرتبط بما تم فعلاً في الموقف المعطى في حين أن السقوط عنده يعني الغرق في البؤرة القاسية

ويداي موحشتان –يا مولاي

ترتكبان من خوف يحمل الصار رايات

نمت خلف المدى الأغصان ذابلة

من يحدد بصمتي الآن

من يستنبت الماضي

ويرسم للخطأ أفقا؟    ص23

إنه يرى فارقاً كبيراً بين علاقة الإنسان بالزمان والطريقة التي يسير بها المجتمع، بمعنى إننا نمر بلحظات زمانية متعاقبة كلها ذات ماض وحاضر وغيوم ملبدة للمستقبل، ويرى بأن هذا العالم قاس وطبيعة عمياء  فيه عدد كبير من المخلوقات البشرية التي يتجنب بحرص بالغ وضع حد لتصرفاتها وفي شعريته اندفاع، يقوم بتمرد يخفيه التوازن والإنكفاء في بعض الأحيان، مما يضمن الاعتدال ويجعل كل شيء نسبياً ، وقد يقترب من الانتقال إلى التمركز والتعبير عن الحاضر وحده لأنه الحقيقي بالنسبة للشعر عنده فالماضي لم يعد قائماً والمستقبل لم يوجد بعد، وهذا يعني في الواقع أنهما غير موجودين ، وليس له وجود عنده الآن .

على وقع أقدامنا

انتبه الوقت في صوتنا ... وارتحل

من بعيد بمعجزة –يا أبانا – الأمل

لبسنا جنون الشقاء جنونا

وريح من الليل في وجهنا

اسلمتنا الدروب إلى الشيطنة

ما الذي يجعل الشعر حجراً

سلاماً وبردا    ص37

    وهو يرى أن الشعر في العالم مشاركة في بناء هذا الوجود وهو تجارب، لأهم وسائلها الانفتاح على العالم، وإذا أردنا أن نكون فاعلين وليس مجرد مشاهدين ، فالشعر  يجعله يشارك في بناء وجودنا، وفي فهم العالم، فيتحد مع ما يشعر به بحيث يحتويه ، فيصبح كلاً واحداً، يشارك في الانفعالات التي تسبب له الغضب والحزن  والإرهاق، ومن الواضح أن شاعريته تتضمن اختلاقه لمجتمع قريب الشبه من مشاعر التوقير والإعجاب والرهبة، فهو ذو جذور ترجع إلى الرغبة في بعث القوة وخلق فعل الإرادة الحرة وإظهار الممارسة الواعية للتفكير العقلي، فيحاول الهروب بعض الشيء من العواطف لأنها ذلك الجزء المنفعل فيه، فيبحث عن الوعي والارتكاز على العقل ولو أنه يفسر المشاعر بأنها تجعلنا ننسجم مع  العالم رغم أنه يمكن أن تكون مراوغة في بعض الأحيان ، وتبدو أكثر ذاتية وربما كانت موضع شك عنده فالتفكير يرتفع فوق الأهواء والنزوات ،ويحاول الشاعر بشكل متزن أن يبتعد بنفسه عن الانفعالات المخزية، التي تجعله كثير الانغلاق نحو الداخل فهو يرصد الأوقات المضيئة في مسيرته، ويعترف بها مصدراً للحقيقة ودائماً يعترف بأن الانفعالات تميل به نحو الشك حيث لا تخلق فعلاً ينمو بشك ينحو إلى التصحيح، وينظم تصميماً لخلق شكل من  التجديد ، فالحقيقة لا تكمن في الفوضى المفروضة عليه بل هي الواقع الذي يمقته لذلك يترك الشعر يُظهر ما هو موجود في عملية الاتصال ومن الواضح أن الشعر يضفي أهمية كبيرة على النزاهة الشخصية التي يحققها الاتصال، فالشاعر يتفهم التاريخ الطويل لتراث أحبه فلا يبتعد عنه بل ينفتح عليه،ويفضل العودة إلى المنابع،  ومواجهة الطريقة التي توجد عليها الأشياء ، والطريقة التي يقال أنها توجد عليها ، فهو يدرك أن التراث خلق لينقل لنا الواقع دون أن يسمح لنفسه أن يحل محله .

 لكي  نعرف الآن وجهك

 يجب السير في كل الدروب

لنرسم لحناً وهلوسة

لرائحة الدم بين الأغاني

أيها الجسد الطفل

ثمة وقت لكي ابتني هيكلاً فوق هذا اليباب

وأزرع وردة موت

على جبهة البسطاء        ص61

  لقد ظهر التوتر العميق القائم بين الشاعر والواقع ، فنظرته الأكثر عمقاً تخلق له مبرراً لبعض التوجهات التي يجد فيها طريقة للاحتجاج على الوجود المتسلط الزائف مع الآخرين فيتخذ موقفاً في مواجهة الأخطار التي تكون السر الفائض الذي يجعله أكثر ثقة بنفسه ، فالإيمان الذي يربطه بالأسس التي وضعها تجعله أكثر استعداداً لتفسير التجربة التي يخوضها .

أيها الوقت مهلاً

لنا وجع لا يضاهى

وأقدامنا عبدت شارع الحزن

ياحزن

نرفع الراية الملهمة

والصبح زنبقة من خراب

سنوغل في الشعر

حتى نموت انتظاراً حنوناً

على شرفات الغياب       ص75

   ويظل الحلم ينشر صورته فوق مساحات مترامية لينير بصحبه العقد الذي ارتبط به الشاعر في احتلام مصداقية تصبح هي الواقع ....

الأديب الناقد علي الصيرفي

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية