أخبار فنية

ضاوية وحكاية العرش وحقّ الــــصّغـــار

ضاوية وحكاية العرش وحقّ الــــصّغـــار

826 مشاهدة

 ضاوية وحكاية العرش وحقّ الــــصّغـــار

الحكواتي: #ماحي صديق   

مقدمة للباحثة #عباسية _مدوني _سيدي _بلعباس _الجزائر

الحكي أو الحكاية الشعبية فن من الفنون النثرية ذات البعد الإنساني، وهي إرث تتداوله الاجيال ترسيخا للكثير من القيم والمبادئ، وفي فحواه دوما رسائل موجهة للإنسان وللإنسانية سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ويتمّ فن الحكي عن طريق الرواية الشفوية، كما أنها جزء هامّ من تراث وذاكرة الشعوب.

والحكواتي الفنان " ماحي ، المهتمّين  بالحكاية الشعبية، والحريص على المحافظة على هذا الإرث الثقافي والفنيّ والإنسانيّ، وممّن حافظوا ويحافظون على مدار عقود من الزمن على فنّ الحكي لما له من مكانة في التراث الشعبي من عمق وثراء.

وفي حكايته التالية الموسومة بــ : " ضاوية وحكاية العرش وحقّ الــــصّغـــار " عيّنة من ثراء هذا الموروث ، وغنى البعد الإنساني  .

 ( #عباسية مدوني- الجزائر ) .

 

ضاوية وحكاية العرش وحقّ الــــصّغـــار

الحكواتي: #ماحي صديق

كان يا مكان  في قديم الزمان ما بين  الحبق والسيسان  ، ولمّا  كان  الانسان  و الهيشة  عايشين   في أمان و وكانوا   يتكلّموا  لغة الطير 

كان  في إحدى البلدان، ما بين   الوادي  و البحر  في مملكة يحكم فيها سلطان  صاحب  حكمة عدل وإحسان  ... وكان كبيرا في العمر، و عنده  ولدين إثنين وبــنــت

البنت  يسموها   ضاوية ...  شابة وزينة، زينها  يشبه النجمة والهلال، وشعرها أسود توت ... 

الأول من الأولاد كان فارس من الفرسان الشجعان، مولع بالخيل، بالصيد، بالغابة

والثاني من الأولاد ، قبطان بحرية، عشقه البحر والموجة، ومولع بشروق الشمس وغروبها في ذاك المحيط   

أمّــا  ضاوية   أختهم الصغيرة، صاحبة الشعر الأسود توت، مولعة بالطبخ، بالخياطة، بالكتب من شعر وتفسير ألغاز ... 

والدهم السلطان الكبير في السن، كان طريح الفراش، وفي ليلة من اليالي رأى حلما 

رأى في حلمه، جدّه الكبير بلحيته البيضاء وبرنوسه الأبيض، ويحمل في يده عصا طويلة 

و قاله لازم تختار واحد من أولادك، يخلّفك على رأس المملكة .. وهذا الأمر يتنفذّ  في الليلة اللي يظهر فيها القـمـر ....

ومع طلوع الشمس، السلطان جمع كّل مجلس الوزارة وسكان البلاد في القصر، وجمع أولاده الثلاثة

وخاطبهم : 

اسمعوا يا أولادي ...  رأيت حلما وكان فيه جدّكم  ... الذي طالبني كي أختار واحد منكم يكون خليفتي في الـمملــكــة ...

ولكنّي محتار ... كون كل واحد فيكم عنده قيمة كبيرة في حياتي .... ومع ذلك سأضعكم تحت امتحان ..... وهذا الامتحان يتوقّف على قدرة كل واحد فيكم وما يستطيع أن يقدّمه للمملكة لأهل المملكة من أجل حمايتهم وكرامتهم ... ومن ينجح في هذا الامتحان يكون له شرف أن يكون على رأس المملكة خلفا لي ... وفي أول ليلة يطلع فيها القمر ...

وبالفعل، كان الحال كذلك ... ولمّا بزغ فجر الصباح ... كل واحد من أولاده الثلاثة إختار طريق ... فيهم من اتّجه غربا وفيهم من إحتار الشرق...

الكبير من الأولاد ، امتطى حصانه ودخل وسط الغابة الكبيرة، واصطاد الوحش سبب رعب سكان المملكة ...

الثاني من الأولاد، ركب قاربه  ودخل البحر، في عمق البحر وجد سمكة كبيرة تتخبّط وسط الشباك التي رماها الصيادون ... في رمشة عين حرّر السمكة ...

كي تكافئه السمكة، غاصت عميقا في البحر وجلبت له جوهرة  من الجواهر النادرة ما كسبها إنسان .. كانت عربون شكر وامتنان لإنقاذها من شباك الصيّادين ...

 أمّــا  ضاوية  التي هي لا فارس من الفرسان ولا قبطان بحرية لا فارس من الفرسان ولا رايس بحرية  ... دخلت مكتبة القصر وبدأت في المطالعة والكتابة ...

وكلّ مساء تخرج إلى المدينة وتزور سكّانها وتتفقّد حتى القرى البعيدة تسمع وتسجّل كل ما يحتاجوا

وحلّت ساعة البرهان ... والليلة اللي ظهر فيها القمر ...

الوالد السلطان ليلتها ... جمع مجلس الحكماء وسكان البلاد في حديقة القصر ... وكان الدور للابن الأكبر اللي تقدّم وألقى التحية والسلام و قال:

يا سيدي السلطان لقد أتيتكم برأس الوحش وجلده الذي كان سبب رعب الناس والحطّابة ...

الناس الحاضرين تفاجأوا لمّا شافوا رأس الوحش وجلده  ... راحوا يصفّقوا ومبتهجين وقالوا : 

هذا هو من يحمي البلاد والعباد من كل خطر ... وهو الملك المنشود ...

بعدها تقدّم الابن الثاني ، سلّم وألقى التحية وقال :

يا سيدي السلطان  لقد جلبت لكم الجوهرة النادرة والمفقودة وزيت الحوت ... و قـدّم له  زيت الحوت  في جرّة من طين ... والجوهرة المفقودة في طبق ملفوف بالحرير يلمع لمعانا ...

الناس الحاضرين لمّا رأووا  الجوهرة المفقودة لم تسعهم الفرحة والسعادة وقالوا :

هو من سنعيش معه في رغد وسعادة .. هو منقذ البلاد والعباد من الفقر .. هو الملك المنشود ...

أمّا  ضاوية   لم تظهر ولا أثر لها بين الحضور وفي المجلس 

وقال الناس أكيد ليس معها ما تقدّم أو تبرهن .... ليست بفارس ولا بحّار

السلطان لمّا نظر على يمناه ويسراه، ولم يجد لها أيّ أثر ... بدأ في مشورة الوزراء وأهل الرأي من الأحقّ بالخلافة ...؟

ولــمّا بادر الوالد السلطان  بنطق الحكم، ومن إحتار ليكون له خلفا، حتّى سمع أصواتا قادمة من بعيد .. ودخلت ضاوية زينة الزين، صاحبة الشعر الأسود التوت ... وفي يدها كتاب كبير، وبرفقتها أطفالا بناتا وأولادا ...

حين وصلت أمام السلطان سلمت وحيّت السلطان والحضور وقالت : 

يا أبي ... أنا لم أحضر لا وحشا ولا جوهرة نادرة ...

انا  جلبت في يدي كتابا فيه منافع للعباد والبلاد ومكتوب فيه :

من أراد أن يحكم الكبار يبدأ بحق الصغار

ولم آت لوحدي كما ترون، بل جلبت معي هؤلاء الأولاد والبنات وأضافت:  

كل واحد من هؤلاء، سيقول لكم ما ينفع  العباد و البلاد .... 

 و نطق  الاطفال و احدا، واحدا، و كل واحد  فيهم كان في  يده لوحة  من خشب  مكتوب فيها المطلوب و قالوا :

حقّ الحياة, حقّ التّعليم  حقّ الغذاء, حقّ الصحّة, الحقّ في المياه, حقّ الهويّة, حقّ الحريّة, حقّ الحماية

السلطان ومجلس الوزارة وسكان البلاد، دهشوا لما رأووا، وبذات النساء في الزغاريد ونطق السلطان  قائلا:  

انت  الأحقّ بخلافتي على عرش الملك ... وأخويك لك سند وعون من البرّ والبحر ...

و هكذا اعتلت الضاوية عرش المملكة سنينا طوال

 و يقولوا أنه في فترة حكمها عمّ الخير والأمان في تلك المملكة وفي ذلك الزمن، وما زالوا لليوم يتغنّاووا بيها، وروّاة يسردون قضضا وحكايات عنها وعن فترة حكمها وحكمتها في إدارة البلاد والعباد ...

  ضاوية  التي تضئ ما لنجمة والهلال وشعرها الأسود التوت ...

وأنا حكايتي عبرت من واد إلى واد

وأنا بقيت مع الأجواد ...