حوار مع مبدع

عادل إبراهيم محمد خير  فيلسوف المسرح السوداني

عادل إبراهيم محمد خير فيلسوف المسرح السوداني

751 مشاهدة

عادل إبراهيم محمد خير  فيلسوف المسرح السوداني

  محمد غلامابي

المصدر  القدس العربي

تنطلق في السابع عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني المقـــــبل، فعاليات مهرجان السودان للمسرح الوطني برعاية من الهيئة العربية للمسرح، وهو مهرجان شبيه بتلك التي انتظمت وتنتظـــم في بلدان عربـــية أخرى مثل الأردن، المغرب، مصر، وموريتانيا، وغيرها. ويهدف المهرجان إلى بعث الحياة المسرحية في تلك البلدان، من خلال تنشيط الفرق والجماعات المسرحية، وخلق تواصل بين أجيال المسرحيين المختلفة من الرواد والشباب. «القدس العربي» وبمناسبة المهرجان تسلط الأضواء على واحد من الأسماء الفاعلة في الحركة المسرحية السودانية، وهو الكاتب الدرامي عادل إبراهيم محمد خير، وهو كاتب «صاحب مشروع مسرحي» واضح السمات، وجد حظا وافرا من النقاد، ومن زملائه المشتغلين معه في المسرح، نقترب من عادل إبراهيم محمد خير من خلال تلك الكتابات لهؤلاء النقاد وزملائه المعاصرين.

نصير المرأة:

يعتقد الناقد يحيى الحسن أن عادل في خطابه المسرحي يضع اهتماما خاصا بالمرأة من خلال تحليل بنيوي عميق، وقال (خصّ عادل في مسرحياته العديدة، المرأة في أشجانها الوجودية، وبعدها الكوني الخاص، الذي يبتعد عن كونها بلاغا مفتوحا ضد سطوة الذكر، وهيمنة في صياغة حياتها، وتحديد مساراتها في مجتمع ذكوري متسلط، يسلب كينونتها، بل لا يعـــترف بوجودها أصلا إلا كظل طيّع لرغباته)، ويضيف الحسن أن عــــادل تناول المـــرأة من زوايا تأملية خالصة، تتماس مع أسرارها الكونية المستغلقة في عدد من أعماله مـــثل «عنبر المجنونات، موعودة بيك، نسوان بره الشبكة، الكنداكة، ضرة واحــدة لا تكفي» وغيرها.

تناول عادل إبراهيم المـــرأة من زوايا تأملية خالصة، تتماس مع أسرارها الكونية المستغلقة في عدد من أعماله مـــثل «عنبر المجنونات، ضرة واحــدة لا تكفي» وغيرها.

أما في لغة الحوار فيستخدم عادل لغة عرفانية بالغة الشفافية والعذوبة والغرائبية، كذلك لغة تنجم من أعماق روحه السحيقة، وأزقتها الخفية، لغة لا يسمح لها المجتمع بالتعبير، إلا ضمن سياق استثنائي كـ«الزار» مثلا، الذي يمثل مسرحا اجتماعيا لفض المكبوت، يستمد شرعيته من كونه استشفاء جماعيا من علل روحية ما يعترف المجتمع بسطوتها».

عادل نفسه في انشغاله بالمرأة في كتاباته قال «المرأة هي التي أخرجتني من نفق مظلم أدخلتني إليه أخرى»، وزاد «أنا أكتب عن امرأة أعرفها»، ففي نص «الكنداكة» ـ والحديث لعادل ــ واجهت المرأة الإسكندر الأكبر ليس بسلاحها التقليدي جمالها وفتنتها، وإنما قارعته الحجة بالمنطق، وفي «نساء بره الشبكة» كتبت عن نساء واجهن ظلما اجتماعيا، وفي «عنبر المجنونات» كنّ نساء يواجهن قهرا اجتماعيا بواسطة نظريات نفســـية. المخرج المسرحي الشاب ربيــــع يوسف الحســـن دافع عن لغة الحوار لدى عادل إبراهيم والشخوص لديه وقال لـ«القدس العربي» (استطاعت كتابات عادل الوصول إلى الجماهير، وبذلك فإن الفرضية التي يرددها البعض بتعالي لغته على العادي واليومي مردودة، فهي فرضية تقفز على شوق مشروع ومطلوب بأن تكون للمسرح لغته وفرادته ومجازه)، ويضيف ربيع «يحدد موقع عــــادل ككاتب العديد من المخرجين الذين أخرجوا له أعماله من الجنسين، ومن أجيال مسرحية مختلفة»، وأكد ربيع كذلك على إشتغال نصوص عادل بالمرأة وقال «يكاد لا يخلو نص لعادل عن امرأةٍ جامحة، أو ثائرة، غامضة، وكثيرا محبوبة مستحيلة».

الفيلسوف الكوني:

يعود الناقد يحيى الحسن ليقول إن عادل إبراهيم يعتبر كاتبا كونيا، فهو يكتب برؤية كونية للإنسان، يؤسس لها من خلال حوار «اللغة والوجود»، وليس من خلال أنسنة الوجود فقط، بل يقذف بفوضى غموضه وألغازه إلى أبعد مدياتها الممكنة.

المخرج المسرحي حاتم محمد علي يقول لـ«القدس العربي» عن أستاذه، إن عادل وعلى مدى ثلاث عقود ظل يستلهم قضايا اجتماعية، وفلسفية، عبر رؤى وتأملات تشكل الأسئلة التي تخصه، وتنسجم مع تصوراته للكون والحياة. وأشار حاتم إلى تعاون عادل مع أجيال مختلفة من المسرحيين عبر مختلف المناسبات المسرحية، ووصفه بـ«الكاتب الأكثر عطاء»، وقال «لم يتوقف عادل عن الكتابة يوما، بل هو إلى جانب المسرح ظل ينشط في الكتابة الشعرية والقصة القصيرة، ويطرح السؤال بإلحاح شديد حول الواقع، والإنسان من خلال فلسفة الأنا والوجود».

سر الحبوبة «الجدة»:

لا يخفي الكاتب عادل إبراهيم محمد خير تأريخه الشخصي الذي صنع منه كاتبا، وحكى بتفصيل لمجلة «المنضرة» التي تصدر عن المسرح القومي السوداني في عددها 34 لعام 2017 عن تفاصيل حياته كطفل عاش طفولة قاسية، وشهد أمام عينيه أحداثا مأساوية بانفصال والديه، وكيف أن جدته «حبوبته» هي التي قامت بتربيته، ومن ثم ألهمته الكتابة المسرحية، يقول عادل لمحاوريه «تعرفت على السر الأول للدراما من حبوبتي، كان عندها «زار»، وإيمان بأولاد ماما، وتمتلك 13 حقيبة مليئة بأزياء مختلفة»، ويواصل «استفدت من هذا السر، وكتبت للإذاعة تمثيلية «الريح الأحمر»، ثم انطلقت.

عادل ذلك الصبي الذي واجه رفضا لكتاباته من والده، الذي يكان يصفها بـ«الكلام الفارغ»، شب عن الطوق، وتخرج لاحقا من قسم الفلسفة في جامعة القاهرة فرع الخرطوم «النيلين حاليا»، وقدم رفقة المخرج صلاح الدين الفاضل، منتصف السبعينيات مسرحيته الإذاعية الأولى «علامة استفهام»، ثم مع المخرج عماد الدين إبراهيم «القلب يعالج نفسه سرا»، ثم قدّم أول أعماله التلفزيونية «الحالم»، مع المخرج صلاح السيد، و«تلفون القلوب»، ثم قدم لاحقا العديد من الأعمال الدرامية للتلفزيون والمسرح والإذاعة على مدى ثلاثة عقود.

يعود الكاتب عادل إبراهيم محمد خير اليوم للمشاركة في نوفمبر وعبر مهرجان السودان للمسرح الوطني «ستة أعمال» درامية دفعة واحدة بمشاركة رواد وشباب المسرح السوداني.