قالت الصحف

عادل محمود...برلمان الهواء الطلق...

عادل محمود...برلمان الهواء الطلق...

1844 مشاهدة

برلمان الهواء الطلق

دفتر الوطن

الاثنين 7/3/2011

بقلم : عادل محمود

 

الشاعر أحمد فؤاد نجم بكى وهو في السجن عندما سمع نبأ وفاة عبد الناصر وهو يقول: «لا أعرف سبباً لذلك. بكيت على وفاة سجّاني». وبعد أسبوع جاءت أمه الأميّة لزيارته في السجن، لاحظ تورم واحمرار عينيها. فسألها عمّا بها. فقالت: ما سمعت بموت عبد الناصر؟ بكيت عليه كل الوقت. فقال: أتبكين يا وليّة على سجّان ابنك؟ فقالت: يا حمار هذا عمود البيت!
وبهذه الجملة فتحت الأم المصرية الأصلية فم الشاعر المصري الأصلي، فكتب واحدة من أجمل القصائد غير المشهورة عن جمال عبد الناصر.
وعندما سئل عن ابنته، التي نزلت إلى ميدان التحرير، أثناء الثورة. قال: هذه البنت مكافأة نهاية الخدمة. لقد تعبت من حب مصر، كل هذه السنين، لكنني كوفئت!
أحياناً نحتار في تفسير الأحداث، وخاصة التي بمنزلة الثورات. والتغييرات الكبرى.
وعندما سئلت عن فهمي لما يحدث، بوصفي أحد أفراد الجيل الذي استمع طويلاً إلى الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم وصلاح جاهين. وكنا نعتقد أن الثورة على الدنيا تختبئ بالقرب من الأغنية الحارة، وتلطأ في زاوية من شعارات التغيير، قلت: ما يحدث ليس اختراع اللحظة. ليس الابن اليافع لوسائل الاتصال الحديثة، ليس الرغيف المتدحرج أمام الفقراء أسرع من أقدامهم. ليس البطالة. ولا انعدام العدالة!... ثمة وجود لكل صنف من تلك المكونات البركانية... ولكن ثمة التراكم، التضحيات، والأشعار، والأغنيات.
ثمة الرموز والنشيد الذي عمره نحو القرن «بلادي بلادي» وما يزال يدفئ حنجرة الوطني العربي في كل مكان. ثمة طه حسين، وعلي عبد الرزاق، وسعد زغلول، ثمة عمال حلوان. وإضرابات «الحرامية» كما سمّاهم السادات. وثمة العبقرية العسكرية المصرية في عبور القناة. كل هذا يصب، في اللحظة الناضجة في ميدان التحرير... فتحدث الثورة التي لها ألف أب وألف أم في زمن الولادات الجسور، وفوق أحرف الكتابة، التي حلمت بالحرية أكثر مما يعتقد المدحرجون رغيف الخبز أمام الفقراء.
لا أعتقد أن هناك في الماضي البشري ما يشبه «البرلمان العظيم» في الهواء الطلق: «برلمان ميدان التحرير» القابل دائماً للانعقاد، خالياً من رعاعية الجمهور، وقطيعية الحشود، وتوترات أصحاب الاحتياجات! الميدان البرلمان، الباسم. الهادئ. الراقي. الساخر. الجدي والدقيق.
هذا سيكون برلماناً ملهماً، ليس للعرب وحدهم، بل لكل البلدان وكل الأجيال... إنه هوية عصر، علامته الفارقة المؤشرة والوحيدة هي: حاجة البشر العضوية... للحرية!
هذا البرلمان ذهب إلى رئيس وزراء مستقيل ليقول له شكراً على محاولتك النظيفة.
هذا البرلمان استقبل رئيس الوزراء الجديد ليقول له: أهلاً.... حاول!
هذا البرلمان... لم يغيّر مصر، بل أعاد إليها ما تؤكده الجملة الشعرية التالية لأحمد فؤاد نجم:
«اللي خلق مصر كان بالأصل... حلواني».

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية