مواضيع للحوار

عرض انتحار معلن اخراج الفنان مازن الغرباوي

عرض انتحار معلن اخراج الفنان مازن الغرباوي

689 مشاهدة

 عرض انتحار معلن اخراج الفنان مازن الغرباوي

#صرخات _ثاقبة _للروح _تهدي إلى الانتحار

متابعة مجلة #المشهد المسرحي

#كتابة _همت _مصطفى

 

#إنها أحد وأبرز رواد تيار الوعي " تيار الشعور" كاتجاهٍ مغاير ومختلف بالإنتاج الإبداعي بالعالم الغربي والكيان الثقافي بالعالم هي الكاتبة والناقدة والأديبة الإنجليزية فيرچينيا وولف ، والتي اشتهرت برواياتها التي حاولت أن تعمل بها على إيقاظ الضمير الإنساني , كما أنها تعد واحدة من أهم الرموز الأدبية الحديثة ، لكنها مع هذه السيرة التي عرفت عنها بعد أن رحلت عاشت حياة تحمل العديد من الصعاب فحاوت أن تقدم بعض من ملامحها من خلال مقالاتها بكتاب " غرفة تخص المرء وحده " كنوع مميز من كتب السيرة الذاتية للأدباء ، وقدم للكتاب تراجم عديدة عنه للعربية منها ترجمة واعية باتجاه مغاير للكتابة الإبداعية عند وولف من قبل الناقدة ، والكاتبة د.سمية رمضان بمصر التي أوضحت كثيرًا من ملامح مسيرة شخصية ، وأدبية للكاتبة فرچيينا وولف .

وفي القرن العشرين برحلة فرچيينا وولف بالحياة أصيبت بحالة اكتئاب شديدة مشابهة للحالات التي كانت تصيبها مسبقًا في مراحل عمرها ، فقد عانت من قبل مرارة الفقد لأسرتها كما تعرضت لإعتداء وانتهاك جسدي بالصغر من قبل أخيها فحاصرتها الاضطرابات النفسية ، وازدادت حالتها سوءً بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية ، وبعد أن تم تدمير منزلها في لندن ، وفي 28 مارس 1941 بأحد أيام حياتها خلاصًا من نوبات الإضطرابات الوجدانية والعقلية ارتدت فيرچينيا وولف معطفها ، وملأت جيوبه بالحجارة ، وأغرقت نفسها في نهر " أوس " القريب من منزلها لتواجه الموت المتكرر لأحبائها في تحدٍ بموت آخر ، وهو الذهاب إليه بنفسها اعتقادًا منها أن ذاك هو الخلاص لكل ماتجابهه ، وهذا ما استلهمه العرض المسرحي " انتحار معلن " من قصة حياة الكاتبة وولف ليقدم مونودراما مأساوية بدأت بكلمات من الخطاب الذي تركته لزوجها قبل أن تذهب لمستقرها الأخير ، وبعد أن انتهت " مي " الشخصية الدرامية بالعرض من كتابة الخطاب الذي سطرته لزوجها ، والتي كانت تصف به حالتها النفسية ، والأوقات العصيبة التي تعيش فيها باستمرار حيث بينّت بالخطاب أنها ستفعل ماتراه مناسبًا لحالتها لأنها لم تعد قادرة على المقاومة بعد الآن ، ولم تنس أن تعترف للجمهور وبخطابها هذا لزوجها أنه قد أشعرها بسعادة كبيرة فتقدم له شكرها الجزيل عن ذلك و تدين له بصبره الدائم عليها ، وأنها فقدت كل شيء عدا يقينيها بأنه شخص جيد ، وأعدت له خطابها هذا كرسالة وداع ، ولتسرد له بداخله أيضًا كل ما عايشته برحلتها القاسية ومع المرض النفسي ، وتحكي " مي " لجمهور العرض خطوات هذه الرحلة الثقيلة قبل أن تواجه مصير حددته ، وهو الانتحار ، وأقدمت عليه من قبل كثيرًا بطرق عديدة كشنق نفسها ببيتها في أحد المرات لكن لم تفلح وقتذاك أبدًا في جميع محاولاتها الانتحارية السابقة للخلاص ، وأمنيتها لبعدها عن هذا العالم بعد أن عاشت ، وتعذبت كثيرًا في مواجهة معاناتها الأليمة في حصار هذه الأصوات الصارخة من داخلها ، ومن عقلها التي كبلتها طيلة عمرها وألقت بها في سجن كبير من الشعور الدائم بالهلع والفزع ، والجنون كما يقدم العرض بوضوح عن فيرچيينا وولف إظهار سمة تمرد هذه الأنثى على الحياة ذاتها ، بالانتحار ، و تمرد آخر على طرق الانتحار العادية لمفارقة الحياة حينذاك فاختارت حلًا جديدًا وهو الغرق بالمرة الأخيرة ، و في ارتكاز واضح من قبل مؤلف ومخرج العرض تسرد " مي " بطلة المونودراما هذه المعاناة الإنسانية ومظاهرها منذ الطفولة ، والصبا وما بعد ذلك حتى الرحيل ، وبعيدًا تمامًا عن التعرض بالذكر بدراما العرض لإرث وإبداع فيرچينيا وولف الأدبي والنقدي ، لكنها كانت محاولة جادة لتقديم صورة إنسانية عامة للعديد من النساء في العالم وإسقاطًا خاصًا بهذا الإسم العربي " مي " على الكثير من نساء البلدان العربية وأوجاعهم الخاصة .

وقد قُدم العرض في صورة بصرية متمازجة بين الحركة المسرحية الحرة للشخصية الدرامية ، ومفردات سينوغرافيا العرض الأخرى من الموسيقى والإضاءة ، والملابس حيث اتشحت " مي " بالسواد بثوبها طيلة العرض ، بإضاءة خافتة وشاحبة من تداخل الأحمر والأزرق تعكس الغضب واليأس والاستسلام ، وفاضت بالحكي المتواصل لقصتها بحالة نفسية مختلطة بين الجد والهزل ، بينما ألصقت بهذا الثوب بعض القطع البيضاء مع غطاء للرأس أبيض شفاف رمزًا للعرس ، و ليناسب سرد حكاية زواجها هذا الحدث الوحيد السعيد بحياتها ، وأكدت أن غُمرت بالأمان والسعادة من قبل هذا الزوج وهذه التجربة ، ثم لا تلبث أن تنتزع تلك القطع البيضاء لتعود لحياة قاتمة بنفس الثوب الأسود في هلعٍ دائم عندما انتقلت بالسرد إلى قصة انتهاك جسدها ، واغتصابها من قبل أخيها في مراحل عمرها الأولى ، بينما تمثل الديكور بواقعية خالف ماحاول أن يقدمه العرض للرمز لهوية بطلة العرض بعروبتها باسمها المتكرر" مي " فكان قطع محدودة بسيطة من شماعة منعزلة كوحدة " مي " بجانب المسرح حملت معطفها الطويل ، وقبعتها الغربية ، وبالجانب الآخر مكتب وكرسي ، والعديد من الكتب التي أشارت بين السرد المتواصل بالعرض إلى شخصية درامية نسائية لديها شغف بالمعرفة ، والمطالعة ؛ لكن " مي " مزقت كل الكتب عن قصد بغضب ، وبعثرتها قبيل انتهاء العرض ثورةً على وحشية الرجال ، وتسلط ذكوريتهم في مواجهة كبيرة من الأنثى نحو محاولتها للمعرفة والتقدم نحو ذلك ، كما قدم المشهد المسرحي صور متكررة للطبيعة الباردة بين النهر والغابة قدمها " الفيديو بروجيكتور " على لوحات ثلاث في الخلفية ببانوراما العرض ويمين ويسار المسرح بجهاز " الداتا شو " محاولة إحداث صورة مسرحية جمالية ، ولتُؤكد الحالة الشعورية للشخصية بأحداث العرض .

وفي مشهد جلي لهذه الأنثى " مي " شخصية مونودراما انتحار معلن استطاعت الممثلة الواعية بأدائها المختلف والمتنوع أن تسرد بلغة عربية منطوقة مميزة وسليمة ، وبلغة جسدية واضحة علاقة مي بالجنس الآخر عن حب معه ، وعذاب منه ، وهوية وجودها معه بالحياة ، من خلال نموذجين متناقضين فقصت بتكرار حصار الوحشية الذكورية من قبل الآخر ، وذكرت سلوك الزوج الحسن والصبور معها ، فبينما أوضحت إرهاصات و مقدمات زيجتها من رجل التقت به وقِبلها كماهي متمردة ، في مجتمع ذكوري كان يرفض حضور النساء لحفلات ثقافية ، وملتقيات أدبية لكنها تنكرت لتحضر الحفل فالتقت به آنسها ، واتخذها زوجة بعد ذلك وأنجبت منه طفليها ، وحاول جاهدًا أن يقف دومًا بجانبها في أزماتها النفسية ، وفقًا لما سردته من حكايتها معه ، في مقابل هذا هناك عالم آخر بغيض كشفت الغطاء لنا عن ما أفجعها ألمًا منه هذا الوجه القبيح للرجل السادي ، و شعورها بالخذي تجاه أخيها غير الشقيق الذي آمن العقاب وغرته قوته فاغتال برائتها الإنسانية وطفولتها بأن انتهك حرمة جسدها بالتعرض له بالتحرش ، والاغتصاب أكثر من مرة في طفولتها وفي صباها ، مما ساعد كثيرًا على إصابتها بالإكتئاب والجنون بعد ذلك .

وتتابعت خيوط عرض " انتحار معلن " في سرد متواصل حول ملامح من حياة فرجينيا وولف الشخصية ، بوضوح بالعرض فقد ضمت لما حكته الشخصية الدرامية بالعرض " مي " عن زوجها حكي آخر عن حادثة رفضها ومنعها من الدخول للمكتبة مثل اعتياد الذكور على ذلك ، فأعراف مجتمعها حينذاك لايقبل هذا السلوك ، وقدمت فرجيينا وولف أحداث هذه الواقعة بوضوح في أحد مقالات كتابها " غرفة تخص المرء وحده " ، كما تكرر ذكر اسم النهر " أوس " الذي يقع ببلدة جوول بانجلترا " الذي آل إليه مصير وولف الأخير بالواقع وهو بالقرب من منزلها عبر السرد الثقيل الموجع من " مي " الذي عكس كل ما عاشته وولف في حياتها من مآسي ، دون أن يتعرض بأي ذكر لما تركته من إرث إبداعي في عالم الكتابة الروائية والنقدية ، فقط كرر العرض برؤيته ذكر مرضها النفسي مؤكدًا تعرضها للعديد من المواقف الحياتية الصعبة والمؤلمة التي أودت بها أن تتخذ مواقفًا مختلفة منها العنيفة في مواجهة أحداث عديدة أو المواجهة القوية في أفعال ضد السلطة الذكورية أوالاستسلام والشعور بالفجيعة ، وكذلك الانسحاب والهروب كموقفها الأخير الواضح خلال العرض من الموت بعد فقدانها كل من تحبهم أمها ، وأختها ، وأخيها ، ووالدها ، وموقفها من الجنس الآخر بعد تعرضها لمواقف تسلط ذكوري عدة عكس ذلك على حياتها العاصفة بجنونها الذي نسج خيوطه اللعينة بالهواجس على حياتها فتعرضها لمرض نفسي خطير ، ومزمن الذي جعل رأسها يضج دومًا بضجيج مفزع ،

و بالأصوات العالية الثاقبة للروح ، والصارخة بوجدانها فانتهى ذلك كله بقرارالرحيل بعيدًا عن هذا العذاب .

وقبل النهاية هذا الحدث بالانتحار المختار و المعلن ، يقدم المشهد الأخير بالعرض قبل واقعة الرحيل بالانتحار بعد أن أوصدت بطلتنا الدرامية " مي " كل الأبواب في وجه أصوات الصرخات التي قضت عليها طيلة عمرها ، وقررت أن تحاكم هذا الموت بموت آخر ، وأن تحاكمه أولًا كأنه آثم ، وجانٍ كبير على حياتها ، وتواجهه بمشهد أدائها لصوت الموت خلف القناع ، مع شخصيات أسرتها ، ومن ثم اختيارها للرحيل القصدي فهو الذي أخذ منها أحبتها في أوقات متقاربة متتالية فحملت قرار لهذا النزع المتكرر من قبل الموت لأسرتها ، وقررت الانتحار بعيدًا عن عالمها إذ ارتدت " مي " معطفها محمل بالحجارة الكثيرة ، وسارت حيث ذهبت إلى مقدمة الفضاء المسرحي بالعرض حيث الانتحار في النهر .

قدمت أسرة " انتحار معلن " عرضها المسرحي ضمن فعاليات الدورة 26 لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي والمعاصر بقاعة مسرح الغد كأول عرض لمشروع رابطة الإنتاج المسرحي العربي ATPA ، و هو مشروع مسرحي عربي الهوية ، تنهض رؤيته على " الشراكة المسرحية العربية المُستدامة بين المسرحيين العرب ، و تهدف رسالته إلى التوجه إلى إنتاج عروض مسرحية عربية شرطها الرئيسي مشاركة مسرحيين من مختلف الدول العربية في العمل الواحد، و " انتحار معلن " ، تَشَكل فريقُها من ثلاثِ دولٍ عربية جمهورية مصر العربية ، والمملكة العربية السعودية ، والجمهورية التونسية ، وهو النموذج التجريبي الأول لفكرة ATPA القائمة على الشراكة العربية في إنتاج عروض مسرحية وكان انطلاقها الفعلي للعرض بمصر .

و" انتحار معلن " تأليف د. سامي الجمعان من السعودية ، وتمثيل منى التلمودي من تونس ، وإضاءة عزحلمي ، وإخراج مازن الغرباوي من مصر .