مواضيع للحوار

عرض تجريبي مصري يمزج بين الفانتازيا وقصاصات الصحف

عرض تجريبي مصري يمزج بين الفانتازيا وقصاصات الصحف

965 مشاهدة

 عرض تجريبي مصري يمزج بين الفانتازيا وقصاصات الصحف

  شريف الشافعي

العرض المسرحي “قبل الثورة” ينتصر لإرادة التغيير في مصر، ويقدم دراما سياسية عن مقدمات أحداث ثورة 25 يناير 2011.

 

ينتصر العرض المسرحي “قبل الثورة” لإرادة التغيير في مصر، وللتجريب الفني في الآن ذاته، ويقدم دراما سياسية عن مقدمات أحداث ثورة 25 يناير 2011، راصدا تحولات المجتمع وبراكينه الكامنة.

 

وقد قدمت المسرحية مؤخرا على خشبة مسرح “روابط” بالقاهرة ضمن فعاليات “مهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة، دي- كاف” المستمرة حتى الـ29 من مارس الجاري.

يأتي العرض المسرحي “قبل الثورة” ليكون بمثابة رحلة ممتدة للمشي فوق الأشواك؛ إداريًّا، وسياسيًّا، وتاريخيًّا، وفنيًّا.

خاض العرض معركة إجرائية مع جهاز الرقابة على المصنفات الفنية قبل انطلاق المهرجان الدولي بسبب خمسة مشاهد أصرت الرقابة على حذفها في البدء، ما دفع العطار إلى إلغاء العرض في يومي 18 و19 مارس احتجاجًا على هذا الحذف الذي يؤثر بالسلب على بناء العمل.

لكن “فرقة المعبد المسرحية المستقلة”، التي رفضت بقيادة العطار تدخل الرقابة المفضي إلى تشويه المسرحية وتفريغها من مضمونها الفني والأدبي، وصلت إلى تفاهم لاحق مع الجهاز الإداري بعد تصعيد الأمور وتفاقم الأزمة، لتسمح لجنة المشاهدة الرقابية الثانية أخيرًا بعرض المسرحية في توقيتات لاحقة قبل اختتام المهرجان.

سلسلة مغامرات

يحفل عرض “قبل الثورة” بأشواك أخرى سياسية وتاريخية وفنية كونه عرض مغامرات ومخاطرات، ويعي صنّاع العمل جيدًا أن الرهان الأول هنا على الجرأة والاقتحام، على سائر المستويات، فالعملية الإبداعية برمتها وفق أحمد العطار هي رحلة اكتشاف أكثر من كونها طريقًا محددًا بشكل مسبق.

هذه الرحلة تتطلب التجريب الدائم، واختبار كل خطوة فيها، وإزاحة المعتقدات والقناعات، وهو ما يصفه العطار بقوله “علينا أن نرحب بالمغامرة كجزء لا يتجزأ من الإبداع، وأن ننحّي غرورنا الفني جانبًا. مرحبًا بالاكتشاف وبالحالة البديلة ولو قاد ذلك الأمر إلى فشل، فهو أكثر إرضاء بالنسبة إلينا من أي نجاح مقرر سلفا”.

يغامر عرض “قبل الثورة” بارتدائه عباءة الدراما السياسية التي لم تعد سائدة في المسرح المصري الحديث، خصوصًا في ظل التضييق المؤسسي على هامش الحرية، ووقف أعمال بدعوى وضع ضوابط للذوق العام وحماية المجتمع من الأفكار الهدّامة وأسباب من هذا القبيل.

يغامر العرض أيضًا باستدعائه أحداث ما قبل ثورة 25 يناير الشائكة بوصفها المحرّكة لإرادة التغيير في مصر، فمنطلق المسرحية أن الثورة المصرية لم تكن مجرد رغبة في تغيير النظام السياسي، فالأهم أنها كانت تعبيرًا جماهيريًّا عن تراكم عقود من القمع والخداع والعنف والاكتئاب وغياب الأمان وانعدام الكفاءة.

تلك هي اللحظة العاطفية والذهنية التي يسعى العرض إلى إعادة الجمهور إليها، مصوّرًا حالة الركود التي أفضت إلى انفجار لم تتوقف فيوضاته النارية بعد.

هل كان العرض أمينًا في استدعاء الأحداث والمواقف السياسية؟ وهل قرأ التاريخ بموضوعية ومن وجهة نظر محايدة؟ وهل لجأ إلى التوثيق على نحو دقيق؟ تساؤلات متشابكة تخص مغامرة الاشتغال على وقائع لم يُحسم الجدل بشأنها بعد، ولم يجر الاستقرار عليها من الوجهة المعلوماتية.

هذه الإشكالات كلها تبدو هيّنة بالنسبة إلى المغامرة الأخطر التي يخوضها عرض “قبل الثورة”، وهي المغامرة الفنية، التي تتعلق بها أطروحات الإبداع وعناصر المسرحة، إذ انتهج العرض موتيفة تعبيرية مغايرة للسائد، وانطلق في الوقت ذاته من حدث واقعي جلل، فهل رجّحت كفة المتعة والجماليات أم انشغل العرض أكثر بالمعرفيات والأفكار ولوازم التسجيل والتوثيق؟

ألاعيب وحيل

استخدم عرض “قبل الثورة” تكنيك “الكولاج” غير المألوف في المسرح العربي، ليقوم بتضفير الأحداث السياسية والوقائع التاريخية في متن النص من خلال استدعاء عناوين الصحف ونشرات الأخبار ومعلومات ويكيبيديا العربية وأغنيات أولتراس ناديي الأهلي والزمالك ولافتات المظاهرات وما إلى ذلك من مصادر إعلامية وميدانية.

العرض استخدم الكولاج غير المألوف في المسرح العربي، ليقوم بتضفير الأحداث السياسية والوقائع التاريخية

مثل هذه التقنية استخدمها دراميًّا، ربما للمرة الأولى، الكاتب صنع الله إبراهيم في عمله الروائي “ذات” الصادر في 1992. ولا يبدو مهمًّا في سياق الكولاج الدرامي وفق هذا الطرح أن يكون الحدث التاريخي المنقول من الصحف قد وقع هكذا بحذافيره أم طرأت عليه إضافات أو تعديلات.

والسيدة “ذات” في رواية صنع الله إبراهيم، يقابلها في مسرحية “قبل الثورة” البطلان متعدد ومتغير الأسماء، فهما محور السكون الظاهري والاستقرار الخادع في المعالجة التجريبية القائمة على المزج بين الفانتازيا والواقع، ويمثل هذا الثبات حيلة فنية للإبحار في تحولات المجتمع ورصد براكينه النشطة والكامنة.

يبدأ العرض، قبل أن يبدأ، باستقرار البطلين رمزي لينر وناندا محمد، حافيي الأقدام، في دائرة صغيرة مليئة بالأشواك والمسامير، ويبدوان صامتين ساكنين كصنمين، ثم تنطلق الإيقاعات والموسيقى النغمية متكررة الوحدات التي وضعها حسن خان، وتوحي بالإثارة والتشويق وكأنها دقات قلب متسارعة أو أنفاس محتبسة، وتستمر على وتيرتها دون توقف إلى نهاية العرض الذي يستمر قرابة الساعة.

من مكانهما الذي لا يتغير، يتحدث البطلان دون حركة، من بداية المسرحية إلى نهايتها، وهذا الحديث الجدلي بينهما يقدم جانبي النص التاريخي والفانتازي. ويسترجع البطلان من خلال الحوار والسرد إلى جانب ذكرياتهما الخاصة أبرز الأحداث المجتمعية والسياسية التي مرت بها مصر.

هذه الأحداث، باختصار، هي ما تراه المسرحية مقدمات وأسبابًا لحدوث ثورة 25 يناير 2011، وكلها أحداث مأساوية دامية تعكس فساد المؤسسات والاحتقان السياسي وتصاعد حدة الطبقية وتحالف السلطة ورأس المال وانتشار التطرف الديني وسيطرة القبضة البوليسية وغير ذلك من عناصر الصورة القاتمة.

من هذه الوقائع: اشتعال قطار الصعيد ووفاة المئات (2002)، سقوط عبارة “السلام” في البحر ومصرع مستقليها (2006)، سلسلة تفجيرات شرم الشيخ (2005)، حادث الأقصر الإرهابي (1997)، اغتيال الكاتب فرج فودة (1992)، وغيرها.

يستعيد البطلان هذه الأحداث القاسية وغيرها بمزج بين السرد التاريخي والحوار الدرامي الذي يجسد العلاقة بينهما كزوجين منفصلين، وهنا تتجلى قدراتهما التمثيلية في استخدام تعبيرات الوجه، إذ تبدو الملامح والقسمات وحدها هي الطاقة التي تمنح الأداء ديناميته المحظورة جسديا.

لكن لم يفسح عرض “قبل الثورة” مجالا واسعا لبناء أخيلة درامية تشتغل على الحدث التاريخي أو السياسي الذي تنشغل به، واكتفى بسخرية البطلين من هذه الأحداث وما جرى فيها من خلال ترديد الأدعية والأغنيات والاسكتشات. وتكاد الصيغة المبتكرة التي يقترحها العرض تتحدى تصورات الجمهور، ليس فقط عن النص المكتوب، بل عن التجربة المسرحية بكل ما فيها.

المصدر / العرب