حوار مع مبدع

عمار عبد ربه ..الثقافة والفضول والجاهزية من صفات المصور الناجح

عمار عبد ربه ..الثقافة والفضول والجاهزية من صفات المصور الناجح

2710 مشاهدة

ثقافة الصورة غائبة ولا بد من التدريب عليها من الطفولة...

عمار عبد ربه ... للوطن

الثقافة والفضول والجاهزية من صفات المصور الناجح

 

تمثل الصورة- اللقطة- العصب الأساسي لإعلام اليوم، ولعل أهم ما تميز به إعلام اليوم تحوله إلى إعلام مصور مرئي، حتى الصحافة الورقية لم تعد قادرة أن تنافس أو أن تعطي تأثيراً دون صورة، لذا بدأت العناية بالتصوير والمصورين، وقد كان الغرب أسبق بطبيعة الحال إلى إيلاء التصوير الأهمية الكبرى، وتتضح أهمية الصورة من أن بعض الأحداث المؤثرة في العالم لم تكن لتؤثر لولا وجود الصورة التي حولت الحدث من حدث يمر إلى حدث فاعل راسخ في الذاكرة الإعلامية والوجدان... ويثير الاستغراب أن نجد التقدير الكبير للمصور في البلدان المتحضرة، ولا نجده لدينا، وأن نجد عناية كبرى باللقطة، ولا نجد ذلك لدينا، وقد سمعت مرة من يستغرب: هل يعقل أن تتم دعوة مصور من إحدى دول العالم لتصوير مناسبة ما، والمصورون يملؤون البلد؟ لم أكن أعرف الجواب سابقاً، ولكن في الإعلام أدركت أهمية الصورة الصحفية.

المصور البارع عمار عبد ربه عشق الكاميرا والصورة، أحب الإعلام بالوراثة، فهو الابن البكر للإعلامي الكبير الراحل أستاذنا ياسر عبد ربه، صاحب التاريخ الطويل في الإعلام العربي في الداخل والخارج، عشق الإعلام وتوجه إلى الكاميرا بدل التوجه إلى الورقة والتحقيق والمقال، حمل كاميرته معشوقته معه ودار بها العالم، صوره تزين كبريات الدوريات العالمية، وصوره أرشيف لشخصيات مهمة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً... غامر كثيراً وبقي على نقاء ابتسامته، شكل قناعات بالصورة واللقطة وبقي على احترامه الشديد للآخر وجهده، الصورة هدف يطارده وفي كل مكان يحل فيه، ولا يمكن أن تلتقيه دون الكاميرا التي لم تعد عدة للشغل فقط بل صارت رفيقاً وصديقاً وملازماً، وعندما تسأله عنها يبتسم، فهي التي زودته بالأحاسيس التي يشعرها، وهي التي أعطته التفرد... يحمل عمار صوره ويعدّ معرضاً في دمشق، قريباً من الصالحية، والصالحية تعني له ولآل عبد ربه الكثير يعرض عمار أربعين صورة (لوحة) يختصر فيها عشرين عاماً من التصوير المتنقل من بلد إلى آخر، من مغامرة إلى أخرى، من حرب إلى احتفالات، من لحظة سطوة وقوة إلى لحظة ضعف وتوسل... من حرية متناهية إلى مساحة لا تتسع لفرد، والملاحظ أن عمار اختار بدقة ليغطي مساحات جغرافية كبيرة في هذه اللوحات، ويعبر عن أشياء قد لا يراها أصحابهما أنفسهم...
عمار عبد ربه مغامر يتحمل المشاق كلها، يقضي معظم أوقاته طائراً من بلد إلى آخر، وتصادف معرضه الضوئي في دمشق مع انتهاء حقبة زين العابدين بن علي في رئاسة تونس، ومعرضه يضم عدداً من اللوحات التي التقطها للرئيس التونسي السابق، ولم يشأ أن يحذف أي صورة من معرضه، وبرّر ذلك بأن المصور الإعلامي يقدم وظيفته في التوثيق، بل يرى أن كل اللقطات تكتسب أهميتها في اللحظات المفصلية.
الصورة الإعلامية تختلف عن الصورة الضوئية الفنية، وعن اللوحة التشكيلية، فماذا تختلف الصورة الإعلامية عن سواها؟ ما أهمية المصور؟ ما مكانته؟ ما عدة الصحفي المصور؟ أين ميزة هذا المصور؟ ماذا يجب أن يحمل المصور في ذاته؟

الصورة الإعلامية
يرى عمار عبد ربه في حديث خاص أن الصورة الإعلامية تكرس المصور الصحفي، والصورة الصحفية كما يراها هي صورة الساعة، الصورة الآنية والصورة الحدث، والآنية لا تعني أن الصورة وقتية، بل الآنية للقطة، وقد تتحول هذه اللحظة إلى لحظة أبدية... فالحدث ينتهي، والشخص يذهب، والحرب تنقضي، والاحتفالات تنفضّ، لكن الصورة التي يلتقطها المصور الإعلامي هي التي تحفظ اللحظة قبل أن تهرب، وهذا هو الفرق بين الصورة الفوتوغرافية الفنية والصورة الفوتوغرافية الإعلامية... يضيف عبد ربه: قد يرى بعضهم أن هذا الكلام فيه انتقاص من الصورة الإعلامية، وهذا غير صحيح، بل إنني أحدد الصورة الفوتوغرافية الإعلامية ودورها، لأبرز أهميتها.
والصورة الصحفية من أهم مكونات الصحافة اليوم، بل هي الأهم، ولدى كثير من المطبوعات والمؤسسات الإعلامية الكبيرة- غير العربية طبعاً- تؤدي الصورة دوراً حاسماً ومهماً، قد يفوق الكثير من الكلام، ولهذا تحاول بعض الدوريات العربية مجاراة الدوريات غير العربية في التعبير بالصورة، لكن المسافة لا تزال بعيدة بين توظيف الصورة في الإعلام المتطور والإعلام المبتدئ، وأركز هنا على استعمال كلمة توظيف، لأن اللقطة ينتهي دور المصور فيها عند توزيعها والتوظيف الإعلامي من تحرير وإخراج وغير ذلك يجعل الصورة فاعلة أو يقتلها.

المصور والصحافة والمجتمع
في أحايين كثيرة يكون دور المصور في الصحافة هامشياً، فقد تعد المؤسسات الإعلامية لدينا كل شيء ولا تحسب الحساب للصورة، وتختار المتوافر من الصورة علماً أن الصورة قد تكون الأهم في الحدث، والأعباء المادية التي تحسب المؤسسات حسابها غير صحيحة، والخبر المكتوب ليس أقوى من الصورة عندما يكون الحدث مرتكزاً عليها، فتصور هذه الصورة التي التقطتها في بيروت 2006 في أثناء العدوان الإسرائيلي تختصر كل شيء، ويتابع عبد ربه: ولكن إعلامنا لا يزال يضع المصور في مرتبة متدنية وربما كان محقاً بسبب نوعية المنخرطين في التصوير الإعلامي وعلاقتهم بالمهنة، فكثيراً ما ترى مصوراً يلتقط لمجرد الالتقاط، ولا يتصرف إلا إذا طلب منه!.
أما في المجتمع فيقول عمار: لكوني أعيش في الخارج ومتنقلاً بين البلدان لا أشعر بالنظرة الاجتماعية في بلداننا، ولكنني ابن البيئة، وفي زياراتي أرى كيف يتم التعامل مع المصور... إنه صحفي... ولكن من درجة متأخرة، وهذا يتطلب جهداً من المصورين الصحفيين الذين يجب أن يثبتوا قوتهم وأهميتهم، ومن المؤسسات التي تسعى إلى تكامل العمل الإعلامي.

التكريس للمصور منذ البدايات
أما عن كيفية ربط الصورة الإعلامية بالمجتمع والمتلقي، فإن الصورة لدى عمار واضحة، فمن خلال عشرين سنة رأى وتابع ووصل إلى أن الغرب يخصص حصصاً دراسية لتعليم الأطفال في المدارس قراءة الصورة واللوحة، وهذا غير متوافر لدينا ليس على صعيد الصورة وحدها بل في مجالات فنية عديدة، لذلك يرى أن الضرورة ملحة أن يتم اعتماد دراسة أصول وتقنيات قراءة الصورة عند الأطفال، وهذا- كما يرى- يسهم في تكريس دور الصحافة والصحفي والمصور، وربما يسهم كذلك من خلال التدريب في الكشف عن مواهب كامنة أو يدرب مواهب تحتاج إلى تدريب.
ليست المشكلة- كما يرى- في الموجودين اليوم، بل المشكلة في عدم البحث عن آلية لتكريس الفن والصورة منذ مراحل الطفولة.

التقنيات والعين والجاهزية
أنت تتحدث مرتاحاً، كذلك قلت له، تعيش في الغرب، وتقنيات التصوير المتطورة تصلك مباشرة، والعوائد هناك مختلفة، فهل يجوز أن تضع كل هذا اللوم على المصور في صحفنا أو على مجتمعنا؟
نعم أنا أعيش في الغرب، وهذه ميزة، ولكن من قال: إن المصور هناك مرتاح؟ المصور في المؤسسات هناك لا دوام له، جاهز دوماً، ومشقة عمل التصوير تفوق أي مشقة، فقد تذهب رحلة لعشرات آلاف الأميال ولا تعود إلا بصورة ذات قيمة وقد لا تعود... وهذا يحدده المصور نفسه، أما عن التقنيات فهي مهمة فعلاً، وأنا أتابعها، ولكن اللقطة هي العين وما عداها يأتي متمماً فإذا كانت العين غير ذكية لن تفيدها كل التقنيات التي تصدرها الوكالات العالمية.. هناك أشياء ندركها ولا نعرفها عن المصور، استدرك عمار وتابع: الأهم من التقنيات العين، والأهم الثقافة، والأكثر أهمية الفضول، وأعلى ما يجب أن يتمتع به المصور هو الجاهزية والتأهب نفسياً للسفر والمتابعة والتوثيق وهذه الأشياء لا يمكن أن تختصرها التقنيات أو الحياة في الغرب.
المصور المثقف ضرورة، فالذي لا يمتلك الثقافة أو القدرة على التواصل مع لقطعته من المصورين يبقى خارج اللقطة... والمصور الناجح يكون فضولياً، الكاميرا في رقبته أو بيده، وأمام أي عارض تجد الفضول يتبعه لالتقاط ما لا يلفت انتباه الآخرين.. لا شيء لا يهم المصور، كل حركة تهمه ويجب أن تثير فضوله، فاللقطة غير العادية لا يعرف أحدهم أين تكون.

المصور والأهمية الخرافية!
عمار أنت تصور المصور الصحفي وكأنه كل شيء، ودوره خرافي، ماذا عن كل الرحلات الصحفية والإعلامية قبل بروز أهمية الصورة؟!
لا، أنا لا أقصد هذا، ولكنني أتحدث عن سمات المصور الناجح، ولومي في النجاح أو الإخفاق على المصور عندما تتاح له الفرصة، فتخيل أن بعض المصورين لا يحبون الذهاب إلى استقبالات المطارات أو الاستقبالات الحاشدة، يرونها متعبة وغير مفيدة!!
وهذا كلام خاطئ، وربما تأتي أفضل اللقطات من مثل هذه الاستقبالات اللقطة الناجحة لحظة طرافة، أو غفلة وشرود من أحدهم أو تصرف عفوي، وهنا لا يجوز للمصور أن يعتذر عن حضور الاستقبالات الكبرى، وأهم الصور التي التقطها المحترفون كانت في الاستعراضات والاستقبالات، وأجمل لقطة محفورة في الذاكرة ذلك الصيني الذي كان يحمل العلم بثبات وكان الجو ماطراً وعاصفاً فالتف العلم على رأسه، فكان منظراً معبراً ولقطة ولا أحلى لمعالم الوجه والإنسان تظهر من خلال العلم.
وكما بدأت فإن هذه الأمور عموماً تحتاج إلى تشجيع، فلا بد من تشجيع المصور على معرفة ما يدور حوله، ولا يكفي أن تقول له: اذهب وأحضر عدداً من اللقطات.
وبالمناسبة لدينا من المصورين المصورون الجيدون جداً، ولكن لا أحد يعرف قيمة هذا المصور أو ذاك، لأن القليلين هم الذين يميزون بين الصورة الجيدة والسيئة، وكثيراً ما نلتقط لقطات مذهلة، ولكن الذي يقع عليه الاختيار وينتقى الأقل جودة- وهنا لا أتحدث عن الوضوح وإنما عن اللقطة- ويقوم باعتمادها، ولو نظرنا في إعلامنا لوجدنا الكثير من الصور واللقطات التي تنتشر وتصبح عامة تم اختيارها عشوائياً وتناقلتها الوسائل.

الثقافة مرة أخرى
تحدثت عن الثقافة والعين والتقنية، وهناك مبالغة في حجم الدور الذي تعطيه للمصور، فأين يتجلى أثر الثقافة؟
آه الثقافة هنا لا أقصد أن يقرأ الكتب فقط، فهذا جانب من الثقافة، الثقافة التي قصدتها هي المعرفة والإحاطة بما يحيط باللقطة اللوحة، فمثلاً يجب أن يكون على معرفة بالشخصية، السياسي يختلف عن الفنان عن المثقف عن الإنسان العادي الذي يريد لقطة، وهذا يفترض خصوصية الجلسة والوضعية واللقطة، ويأخذ المصور في تحديد هذه الأشياء المهنة بالحسبان، والثقافة تعطيه مقدرة على إظهار عالم الشخصية التي يصورها وإلا جاءت الصور كلها متشابهة وهذا ما يجعل صورة مصور مطلوبة من كل الوكالات المهمة.

التوثيق لمرحلة أو مراحل
يتحدث عمار عن أهمية الصورة فيرى أن الصورة الآنية تصبح فيما بعد وثيقة عندما يرحل الشخص أو يبتعد عن الضوء، وعندما يحدث هذا الأمر تصبح الصورة أكثر قيمة من ذي قبل، وأنا عندي صور عديدة بل كثيرة لأشخاص كانوا في مواقع القرار وهم اليوم ليسوا كذلك، والتقطت صوراً لشخصيات رحلت، وعندي صور لأحداث لم تتكرر.. الأهمية هي في التوثيق. الصورة ليست تمجيداً بل هي تسجيل للحظة، وفي هذا السياق تختلف عن اللوحة التشكيلية التي يظهر فيها إحساس الفنان تجاه الشخصية أما إحساس المصور فيتوقف عند اختيار لقطة جميلة ومعبرة.. وشكراً لهذه الفكرة لأنني أعرض أغلفة دوريات عالمية التقطتها لشخصيات لم تعد فاعلة وأنا رفضت أن أغيرها لأنها لحظة وتاريخ وتوثيق.

أهمية المصور
لماذا هذا المعرض؟
كما ترى فإن المعرض لا يضم أرشيفي الموزع والكبير، بل اخترت عشرين سنة وأربعين لوحة أردت من هذا المعرض أن أظهر أهمية الصورة اللقطة والمصور، وأن يكون هذا المعرض في دمشق تحديداً لعل المعرض يشكل بادرة في تقدير الصورة ودورها.

الوطن - اسماعيل مروة

20/1/2011

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية