قصة قصيرة

غزة والحرب - قصة قصيرة للكاتبة عفراء نبيه الحسن

غزة والحرب - قصة قصيرة للكاتبة عفراء نبيه الحسن

3159 مشاهدة
غزة و الحرب
 

كانت جالسة حائرة , لا تدري كيف تتصرف . و إلى أين تتجه . عيناها تدوران في أرجاء الغرفة تبحث عن شيء أضاعته , تناولت ديوان شعر قرأت كلمات هزت مشاعرها .

  ( أنا اسم بلا لقب ... صبور في بلاد كل ما فيها... يعيش بفورة الغضب)

في تلك اللحظة خرق سمعها صوت مذيعة التلفاز . تقدم لعرض فيلم وثائقي بعنوان ( الأطفال و الحرب) تاهت عيناها في سماءات الوطن و شاشة التلفاز. كانت صور الأطفال تتلاحق عبر الشاشة , أطفال بعمر زهور الليمون و الياسمين لم يتجاوزوا العقد الأول منهم من يقذف الدبابات بالحجارة و منهم من يجمع الأحجار لرفاقه كي يرموها في وجه جنود العدو المحتل .صدورهم أطفال تتلقى رصاصات العدو القاتلة و عيونهم تلحق صور أمهاتهم التي انحبست الدموع في مقلهم أو في عيونهم . الدموع الحزينة أبت أن تسقط من عيون الأطفال ’ تحولت إلى شظايا من نار تلاحق دبابات العدو التي تطلق القذائف فتقبل كل الأشياء . تدمر البيوت و تقتلع أشجار الليمون و البرتقال التي زرعت بأيدي الأجداد . كل ذلك كان يمر أمام عينيها كسحابة بركان تأتي من بعدها حمم الفسفور والموت و الخراب .

تذكرت قول الشاعر:( كل ليمونة ستنجب طفلاً ... و محال أن ينتهي الليمون )

عندما انطبق الضيق عليها و سورها بقسوته و عناده تذكرت والدها أسرعت نحوه, كان جالساً . عيناه تقدحان شرراً و هو ينظر إلى شاشة التلفاز .

صرخ  :

- اللعنة عليهم.

وقفت قبالته كشتلة زيتون تمسك الأرض بجذورها الغضة .

- كيف يعيش هؤلاء الأطفال تحت هذا الظلم و القتل  و العدوان .

- يا بنيتي . و هل هناك ملاذ آخر , لقد تحولوا إلى أطفال معاقين فأغلبهم قد فقد عينيه أو ذراعه أو جزءاً من قدم .

- كيف يحصلون على الطعام .

من يطلب الموت في كل يوم و في كل لحظة لا يفطن لنوع الغذاء و ضرورة الطعام لقد صار الطعام آخر هم . لو نظرت في وجههم . لعرفت أنهم مصابون بسوء التغذية و الحرمان ... فالعدو يحاصرهم و يمنع المؤن عن قراهم و مدنهم ... آه يا والدي و هل يمر العيد عليهم .

- لو مرّ العيد في قراهم و مدنهم فهو حزين لما أصابهم .

 تذكرت العيد و الأطفال الذين يجوبون الحديقة يرتدون الملابس الجديدة و الابتسامات تزين وجوهم ... قارنت بينهم و بين هؤلاء الصغار العراة الذين يتنقلون في المخيمات بين تلك البيوت المهدمة و التي تحولت إلى أكوام من التراب و الباطون . سألت والدها: أين سيعيشون بعد هدم بيوتهم؟

من فقد كل شيء يعيش في كل مكان بين الأنقاض و تحت الركام و في فوهة مدفع أو طلقة بندقية و يموت دون مقدمات و دون بكاء أو نحيب , أتدرين:

- إن كل واحد منهم قنبلة تتمنى أن تنفجر في جموع هؤلاء الوحوش .لقد فقد أكثرهم والديه و إخوته , فلم يعد لديه ما يحزن عليه , إن المخيمات الموجودة في الأرض المحتلة تفتقر لأدنى الشروط الصحية فالمياه ملوثة .. و الحياة مكتظة بأكوام البشر... حيث لا كهرباء و لا ماء.و الأوبئة تفتك بالجميع صغاراً و كباراً.

لقد عم التلوث كل شيء, فقذائف العدو الملوثة باليورانيوم المنضب و المواد الكيماوية و رائحة الموت و تفسخ الجثث في الشوارع و البيوت لعدم تمكن أصحابها من دفنها لوث كل شيء.

هناك المئات من الأطفال الذين أصيبوا بالأمراض العصبية و النفسية نتيجة الانفجارات و المداهمات و القتل المتعمد لذوي الأطفال و قتلهم في كل مناسبة . لقد تركت الألغام أطفالاً بلا أيد و أرجل . مشوهة عالم الطفولة و مدمرة أحلام العصافير و امبراطوريتهم البريئة.

قالت :

- كيف نجنب هؤلاء الأطفال الحرب.

عندما يعرف الآخر أن العدوان جريمة . و اغتصاب الأرض جريمة , و قتل الإنسان جريمة ... و حماية الأطفال يحمل عبئها الكبار, و الدول التي تضمن حقوق الإنسان ... و هيئة الأمم التي تقر حقوق الدول و الشعوب و تمنح الشعوب حق تقرير مصيرهم. و نحن كأمة واحدة علينا أن ندافع عن أطفالنا باصطفافنا جنباً إلى جنب نقدم الغالي و النفيس لندافع عن كل ذرة تراب في هذا الوطن علينا أن نحقق السلام العادل , و أن ندعم كل فكرة تخدم هذا السلام .و بالسلام نجنب العالم من كارثة الحرب النووية و الدمار الشامل بهذا الكوكب الجميل ... فالأطفال فراشات الحب و عصافير السلام دخل أخوها يردد:

( نحن عكا ...  نحن كرمل و حيفا ... والخليل و بيسان و اللطرون ) .
 

                                                                 عفراء نبيه الحسن

 

 

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية