مهرجان حماة المسرحي الواحد والعشرين 2009

فعالية اليوم الثالث .. عفواً بيكيت.. لسنا في انتظار جودو

فعالية اليوم الثالث .. عفواً بيكيت.. لسنا في انتظار جودو

1919 مشاهدة

"عفواً بيكيت".. لسنا في انتظار "جودو "

العرض الثالث في  مهرجان حماة المسرحي 

حسّان الأخرس 

الخميس 24 كانون الأول 2009

"في انتظار جودو" هو العمل الشهير للكاتب الأيرلندي المولد  "صمويل بيكيت" في عام 1947، وتدور فكرة المسرحية حول شخصيات منعزلة ومهمشة تنتظر  المخلّص "جودو" ليغير حياتها نحو...؟؟؟، لكن هذا المُنتظر لا يأتي أبداً، وتعبّر  المسرحية عن تشوه الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية والفراغ الذي يعانى منه  العالم .

إلا أن المخرج "عبد الكريم حلاّق" أراد أن ينطلق من نص"بيكيت" لخلق رؤية  تناسب القرن الواحد والعشرين، فحاول تغيير مفهوم الانتظار،

موقع مدونة وطن  eSyria حضر العرض واستطلع  الآراء، وأولهم المخرج "عبد الكريم حلاق" الذي تحدث عن رؤيته لنص "بيكيت" فقال: «في  انتظار الفراغ، "فلاديمير" و"ستراجون" يشتركان بنفس الوهم والانتظار على صعيد الأمل  بحضور "جودو" المخلّص، ولا أحد يعرف من هو "جودو"، خصوصية النص الذي كتبه "بيكيت " في عام 1948 بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، جاءت من حيث أصبح العالم يعيش العبث  الحقيقي، حروب طاحنة ومدمرة وانهيار رأس المال».

وأضاف مخرج العمل: «لكن بالرغم من تلك الحروب استطاع الغرب  والعالم برمته أن ينهض ويقدم حضارة بمقومات جديدة».

وعن مسوغات الرؤية الجديدة للنص قال"حلاّق": «في هذا الوقت إذا  أردنا أن نقدم انتظار "جودو" برؤية "بيكيت" ذاتها سيكون الأمر غير مجدٍ وغير مثمرٍ  ولا يغني عن جوع، حيث أن هناك مقولات جديدة معاصرة تناسب هذا الزمن، وعقل الإنسان  في هذا الزمن؛ ومن هنا جاءت فكرة "عفواً بيكيت"، فالانتظار عند "ستراجون" مستحيل،  لقد اقتنع الرجل بأنه لا يجدي، وبالرغم من ذلك بقي واقفاً في ساحة الانتظار لإقناع  "فلاديمير" بلا جدوى الانتظار، ولكن "فلاديمير" ظهر أعمى بصراً وبصيرة، فكلما فازت  إحدى الشخصيات المرمّزة "بوزو"، أو "كوزو" أو "نوزو"، هذا اللوبي الطاغي فسرعان ما  كان "فلاديمير" يرضخ له ويرى فيه الخير والجمال، وسرعان ما تنهار الأحلام، وأخيراً  يسقط في بحر الانتظار الموحل».

وأضاف  "عبد الكريم حلاّق": «"ستراجون" ونتيجة لأفكاره يقتنع أن الإنسان عنده مقدرة وفعل  داخلي، فلا يمكن أن ينتظر أحداً لا يعرفه ليغير له واقعه، يجب أن يبدأ التغيير من  الداخل ومن الذات الإنسانية».

وعن خروجه  عن جملة الأعمال الشعبية التي قدمها في الفترة الأخيرة قال: «هو خروج عن حلّة شعبية  عملت فيها مدة عشر سنوات كنت فيها مهتماً بالمسرح الشعبي، ورأيت أنه آن الأوان لكي  أنطلق بتجربة جديدة، قد تكون صعبة، وأنا أقرّ بصعوبتها، ولكنه طموح».

بدوره الفنان "صالح الحايك" أحد ضيوف  المهرجان قال: «ابتعد "عبد الكريم حلاّق" الذي كان من المفترض أنه يمثل المسرح  العمالي، ابتعد عن هموم العمال، وكان يفترض به أن يكون أقرب إلى هموم الناس،  فالمسرح مرآة المجتمع، ومن المفترض أن ينقل هموم المواطن إليه، لا أن يقدم مسرحية  للكاتب "بيكيت"، فأنا لا أرى في مجتمعنا شخصية "ستراجون"، حكاية العرض لم تصل إلى  الكثير من الحضور».

وقال "الحايك": «لدى  "حماة" كتاب وأدباء قادرين على كتابة مشاكلهم وتحويلها إلى نصوص مسرحية، فما دخل  المشاهدين في مشاكل لا تمسهم بشكل مباشر؟».

وكان رد "عبد الكريم حلاّق": «ليس بالضرورة أن أقدم عرضاً مسرحياً  يتحدث عن الآلة وصعوبة العمل ومشاكل العمالة كوني أمثل المسرح العمالي، بل دوري  ثقافي،والعامل هو جزء من هذه    الثقافة والمجتمع، لذلك نحن نقدم من خلال المسرح العمالي كل أنواع الفرجة  المسرحية».

الفنان "زيد الظريف " ابن"حماة" العائد إليها قال: «من حق المسرح العمالي أن يقدم ما يريده، لأنه عبر  التاريخ المسرحي العالمي، خرجت من المسرح العمالي مدارس مسرحية هامة، وقدّم للمسرح  تراث فكري مهم».

وعن اشتراكه كممثل في  أغلب أعماله قال "عبد الكريم حلاّق": «أضطّر أحياناً للاشتراك كممثل عند قلة  الكادر، لعدم وجود ممثل يناسب دور الشخصية، فأقوم أنا بأدائها».

ومن جهة أخرى أستغرب الفنان "صالح الحايك " المدة الزمنية القصيرة للعرض فقال: «مدة العرض كانت قصيرة، وهي قصيرة جداً عن مدة  العرض الكلاسيكي الذي من المفترض به أن يتجاوز الساعتين، لنخاطب فيه المشاهد من  خلال همومه اليومية».

الفنان "هشام  كفارنة" رئيس لجنة المناقشة قال: «قضية "المسرح مرآة المجتمع" هي قضية إشكالية،  فالحقيقة أن كل مرآة تعطي شكلاً مختلفاً بشكل كلي عن المرآة الأخرى، يجب أن لا  نحاكم مسرح الهواة كمحترفين».

الأديب  والمسرحي "مصطفى الصمودي" قال: «أذكر أننا قدمنا هذه المسرحية منذ عشرين عاماً مع  المرحوم "سمير الحكيم"، وكانت أفضل من المسرحية التي قدمت اليوم، هذا ما يجعلني أضع  إشارة تعجب بعد إشارة الاستفهام، ما قدّم على شاشة الإسقاط شوش على العرض».

الإعلامي "صلاح أورفلي" قال: «في عرض اليوم  راهن "عبد الكريم حلاّق" على قدرته على استخدام أدوات المسرح الحديثة والخروج من  الحلّة التي كان يرتديها في أعماله السابقة».

أما الفنان "حسن عكلة" فقال: «"صمويل بيكت" حصل على جائزة "نوبل " للآداب عن هذا النص بالذات، إلا أن كسر مفارق هذا النص المركب غير مستحيل، المشكلة  الأساسية أن "عبد الكريم حلاّق" دخل إلى النص ولم يستطع أن يضيف رؤيته إلية بشكل  صحيح، مما أضاع النص الحقيقي وضاعت المقولة التي أراد "حلاّق" أن يقولها».

وأضاف الفنان "زيد الظريف": «النقلة الشاسعة  للمخرج من إطار المسرح الشعبي البسيط إلى "مسرح العبث" شكّل نقلة كبيرة على مستوى  المسافة، كنّا نحبّذ لو وقف المخرج قليلاً في المنتصف، وخاض تجربة تدريجية حتى يصل  إلى عمله هذا، أشكر فرقة المسرح العمالي وأتمنى لها التوفيق».

الفنان "غياث السحار" تحدث عن تكريمه من قبل  نقابة الفنانين في "حماة" بعد العرض: «من الجميل بعد هذه الفترة أن نجد إحدى الجهات  وهي نقابة الفنانين تقدّر عملي الطويل على خشبات "مسرح حماة"، ولو أن التكريم كان  رمزياً إلى أن له قيمة كبيرة لدي».

وعن  الإضافة التي حققها دوره في عمل "عفواً بيكيت" قال "السحّار": «"فلاديمير" الرجل  الأعمى هو دور جديد لي، وكنت حريصاً على امتلاك أدواتي كأعمى أتمنى أن أكون قد نجحت  في أداءه، وأتمنى أن نتعمق أكثر في أعمالنا، فالتجريب هو السبيل للوصول إلى  النجاح».

و لنا رأي أيضاً :

*
بين الفردية "العبثية" ومجتمعنا:

إن مسرح اللامعقول والعبث، والذي كان ناتج  ثقافة ووضع غربي بامتياز، لا يمكن أن يتشابه أو يلتقي مع رؤيتنا المجتمعية نحن في  ما يسمى بالعالم العربي، إذ أن بنيتنا الروحية والثقافية لا يمكن أن تسمح لأي فراغ  أو عبث أن يدنو من تكويننا الاجتماعي، لذلك كان المنتظر وعبر تاريخنا الطويل يحمل  ما تفيض به أرواحنا التواقة للخلاص الأخلاقي والجمالي ووو.. وكانت صفات هذا المخلّص  وما يحمله كاملة الملامح والصفات. وأنتجنا بالتالي مخلصين انتظرنا قدومهم كـ"تموز " و"حدد" ومن ثم "السيد المسيح"، وأنتجنا أيضاً رسلاً وأصحاب فلسفات لا يمكن لها أن  تعترف بالفرد كقيّم مطلق على الحق والخير والجمال. وهو ما ميزنا عن الفلسفات  الغربية والتي تفيض فردية وعبثاً لا يمكن أن تؤسس لأية قيمة لها وجودها الحقيقي على  أرض الواقع.

ومن هنا ومن هذه المقدمة  يمكن أن نقول كيف أن "عبد الكريم حلاق" أخطأ في اختياره لهذا النص والذي هو بحاجة  إلى قراءة متأنية في حلوله الروحية والثقافية التي يقدمها، والتي لا تنبع من أصالة  واقع معاش في دواخلنا التواقة للتمرد والخلاص المجتمعي، رغم جميع الضغوط والإحباطات  السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية التي نعيشها والتي لا يمكن مهما كان حجمها أن  تشكل لنا عائقاً لابتكار الرؤية والأمل، وهو ما برز واضحاً في نهاية العرض الذي  قدمه "الحلاق" في تناقضه الصريح مع "بيكيت"، حيث تواجدت الفتاة الطفلة القادمة بكل  خضرتها نحونا، لتنهي العرض بهذا الأمل الصريح. وهنا كان مقتل العرض الذي قدمته فرقة  اتحاد العمال في حماة، إذ أن السياق العام لا يمكن أن يؤدي إلى هذه النتيجة  المتفائلة، وظهرت هذه الخاتمة كحالة ملفقة وكاذبة، لمقدمة تفيض بالتناقض الصريح  معها.

ويمكن هنا أن نوجه أملنا نحو الذين  لا يملكون خلفية عن واقع أي عمل فني، ألا يترددوا بالجري نحو الإطلاع والمعرفة كي  يعرفونا عليها بشكل صحي وحياتي أكبر.



*
الفن ليس مرآة ولا  يمكن أن يكون كذلك:

لم تك غاية الفن في  يوم من الأيام هي عكس حالة المجتمع سواء بشكل واحد، أو بعدة أشكال ولو كثيرة، وإنما  كان الفن أبداً هو المعبر الأسمى عما نتمناه ونتوق إليه، وكان الراسم والخالق لما  سيأتي من قيم روحية ومادية نتوق إليها، وكان المخطط الأكمل لأمة يجب أن تعي ذاتها . ولذلك يجب أن يكوّن المسرح "مثلاً" في دواخلنا وجوداَ لرسم الرؤى، وليس لتوصيف  الواقع، والتوصيف في الحقيقة هي سمة الأعمال المقدمة إلى الآن في "مهرجان حماة  المسرحي" رغم تقديرنا الكامل لكل التعب المبذول في جميع الأعمال والعروض المسرحية  التي قدمت. ولو أسقطنا ما نقوله على عرض اليوم "في انتظار غودو" أو "عفواً بيكيت " لشاهدنا هذا الأمر واضحاً في حالة الانتظار التي طغت على الشخصية الرئيسية، والتي  تنتظر أملاً أو حلماً غير محدد الملامح أو الأبعاد، بل خلاصاً لا يحمل في ثناياه  سوى الخلاص الفردي التائه فقط، 

والذي كرّسه عدم وجود أي مشهد اجتماعي في هذا العرض، وبالتالي هذه  الطفلة القادمة والتي رمز من خلالها إلى المستقبل القادم، ما هي إلا تناقض حقيقي  وفج مع رؤية جميع الشخصيات الغير واضحة المعالم على الإطلاق.. وبالتالي كان على  المخرج قراءة النص جيداً، وبكل محتواه الفكري لا التوصيفي الذي تضج به الجرائد التي  تتحدث عن مسرح اللامعقول .

ويبقى أن  نقول :

ما يجعلنا متفائلين، نحن المشاهدين  للعروض التي تقدم في هذا المهرجان، هو هذا التعب وهذه الخامات الجميلة للممثلين  والراكضين نحو خشبة المسرح وصالته. وبالتالي فنحن سننتظر المخلّص الذي لا بد أن  يأتي ليقدم لنا عرضاً يحمل ما نتوق إليه جميعاً من حق وخير وجمال. ونهمس في أذن  المخرج مع شكرنا لتعبه :

عفواً "عبد  الكريم" لسنا في انتظار أي من هؤلاء ....



بروشور العمل :

إشراف عام: "راميا الحاج "

تأليف وإخراج: "عبد الكريم حلاق "

الممثلون: "طلال الصالح"، "غياث السحّار " ،  "زياد ستاوا"، "عبد الرحيم شامان"، الطفلة "سارة الصالح ".

مختارات موسيقية "جورج نعمة"، تنفيذ موسيقا "كنعان البني"، إضاءة  وتشغيل سينما "طلال بريدي"، تصوير ومونتاج "هيثم المللي"، إكسسوارات "حسن شيخ  الزور"، إشراف إداري "عمر جلعوط ". 

 

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية