مواضيع للحوار

فلسطين تجمعنا

فلسطين تجمعنا

530 مشاهدة

فلسطين تجمعنا ...

مقالي في "#ضفة ثالثة" عن كتاب فلسطين أربعة آلاف عام في التاريخ:

" #فلسطين: أربعة آلاف عام في التاريخ "..

دحض الأساطير الصهيونية

الناقد #أنور _محمد _سوريا

تأتي أهمية كتاب الباحث والمؤرِّخ الفلسطيني، نور مصالحة، "فلسطين: أربعة آلاف عام في التاريخ" (مركز دراسات الوحدة العربية 2020، ترجمة فيكتور سحَّاب)، الذي صدر باللغة الإنكليزية عام 2018 عن دار زيد بوكس، من أنَّه بحثٌ يكشف شهود (الزور) في تقديمهم وثائق واختبارات وتحاليل وتشريحات وإحساسات وخرائط؛ لعبت دورًا خطيرًا في تشكيل وعيٍ معرفيٍ زائفٍ يمحو فلسطين ويصيِّرها إسرائيل.

ويُمهِّد الباحث لذلك بالقول: إنَّ فريدريك نيتشه قد رأى أنَّ التاريخ غالبًا ما يُكتب مِنْ، وعَبْرَ، منظورٍ مُحدَّد، بحيث يبدو الماضي مختلفًا من منظورٍ آخر، على الرغم من أنَّ منظورًا ما قد يكون نظريًا أكثر موثوقية وواقعية، أو أقلَّ تشويهًا من منظورٍ آخر.

ولا يطمحُ هذا الكتاب لخلقِ سرديةٍ كُبرى عن فلسطين، وإنَّما يضطلع في المقام الأوَّل بمواجهة الأساطير التأسيسية للصهيونية ودحضها، وذلك في تعقُّب واستكشاف تطوُّر مفهوم، تواريخ، هوية، لغات وثقافات فلسطين منذ العصر البرونزي المتأخِّر وصولًا إلى العصر الحديث.

الكتاب يقع في مقدِّمة وعشرة فصول، وسبق أن صدر للمؤلِّف عدَّة كتب نذكر منها: إبعاد الفلسطينيين، أرض بلا شعب، سياسات الإنكار. والباحث نور مصالحة في كتابه هذا هو مع الحريَّة الدينية، وممارسة المتدينين عباداتهم كان ما كان دينهم، ولكنَّه ضدَّ الاحتلال الإنكليزي الذي وطأ أرض فلسطين بعد موت الدولة العثمانية، ومن ثمَّ صار ينقل ويُشرعن نقل مُلكيتها لليهود المُتصهينين، وضدَّ انتهاك قوانين الطبيعة؛ ففلسطين كما يبيِّن في المقدِّمة: هي الاسم التقليدي الذي استخدم طوال الفترة بين عام 450 ق.م حتى عام 1948م، لوصف المنطقة الجغرافية الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، مع عدَّة أراضٍ متاخمة. ويضيف: إنَّ الفلسطينيين هم سكَّان فلسطين الأصليون؛ جُذُورهم المحلية مغروسة عميقًا في تراب فلسطين، كما أنَّ تراثهم التاريخي وهويتهم الأصيلة قد سبقا بوقتٍ طويل نشوء الحركة الوطنية الفلسطينية الناشئة في المرحلة الأخيرة من الإمبراطورية العثمانية، ومجيء المستوطنين

الصهاينة قبيل الحرب العالمية الأولى. ويشير هنا إلى وثيقة هامة هي للمستشرق الإنكليزي غاي لا سترانج، وهي كتابه "فلسطين تحت إدارة المسلمين: وصف لسورية والأراضي المقدسة بين 650 إلى 1500 ميلادية" الذي خلص فيه إلى تسمية جميع المناطق المرتبطة جغرافيًا بالشام. ويرى المؤلِّف نور مصالحة أنَّ فلسطين كدولة (بحدودها المتغيِّرة) قد وُجدت تاريخيًا لأكثر من ثلاثة آلاف عام، وهذه الحقيقة التاريخية ارتبطت بالوعي الجمعي المكاني عن فلسطين كدولة تحت حكم المسلمين، وهذا ما يمكن ملاحظته من داخل فلسطين. ويعتبر أنَّ جزءًا كبيرًا من الهوية القومية يعود إلى الارتباط بالماضي وبفلسطين كدولة؛ كما لا يمكن قبول الفكرة التي نشأت في أواخر القرن 19، ومطلع القرن الـ20، والقائلة: إنَّ الهوية القومية الفلسطينية قد جاءت من العدم، أو أنَّها لا تشكِّل شيئًا.

ففلسطين كما سائر بلاد الشام جُلُّ سكَّانها مع الخير والعيش المُشترك، وما فعلته بريطانيا خلال فترة احتلالها فلسطين، وإطلاق وعد بلفور، وتسليمها فلسطين لإسرائيل، هو انتهاكٌ لكرامة وحقوق الفلسطينيين في الحريَّة والاستقلال. ففلسطين كتبَ عنها رحَّالة وأدباء، مثل القاص والكاتب المسرحي الروسي، نيقولاي غوغول، الذي قام برحلة حجٍّ إلى القدس في عام 1848، والشاعر الروسي، ليرمونتوف، الذي نظم قصيدة عن فلسطين، والشاعر والرحَّالة والرسَّام الإنكليزي، إدوارد لير، الذي زار البتراء في 1858، ورسم في عام 1859 لوحة عنوانها "القدس كما تُرى من جبل الزيتون عند شروق الشمس"، والروائي الأميركي، مارك توين، في كتابه "أبرياء في الخارج"، والشاعر الفرنسي، جيراردي نرفال، في كتابه "رحلة إلى الشرق".

نور مصالحة في بحثه يحاول إجهاض هذا الوليد غير الشرعي؛ بل المجرم. فبريطانيا حملت جنين دولة من نكاح الاستبضاع، وتنجبه في دولة ليست دولتها، والأنكى أنَّها تمنح هذا الجنين شهادة عبرنة على أرض فلسطين، فتسوي وضعه الديني والاجتماعي بما يتلاءم مع الحالة الجديدة؛ الاستقباح يصير إعجابًا، والنبذ يتحوَّل إلى رغبة، والشكُّ يصر يقينًا، وذلك في سياقٍ سياسي محض. فيشير مصالحة إلى ما بيَّنتهُ الكاتبة، باربرا توتشمان، في كتابها "التوراة

والسيف: هكذا جاء البريطانيون إلى فلسطين"، حيث تروي: كيف اجتذبَ مغناطيسا التوراة والسيف ما لا يُحصى من الحجَّاج البريطانيين والصليبيين والمبشِّرين وعلماء الآثار التوراتيين والغزاة إلى فلسطين. كما يتحدَّث الباحث عن اختراع الذات وتحويلها إلى شعب محليِّ وقديم، منها تغيير أعضاء النخبة الأشكنازية الإسرائيلية الصهيونية أسماءهم الشخصيّة، فيذكر أنَّ بن غوريون كان قد وُلِد باسم ديفيد غرون في روسيا، وكانت أمه تُدعّى شاينديل، وزوجته الروسية المولد تُدعى باولين مونفايس، إلى أن قابلت بن غوريون، وتزوجت منه في نيويورك، وغيَّرت اسمها إلى باولا. وبعد الهجرة إلى فلسطين، صار اسم ديفيد غرون ديفيد غرين، ثم غيَّر في ما بعد اسم عائلته، واختار اسمًا ذا صبغة توراتية، وتحوَّل به حرفيًّا إلى معنى الأسد المفترس، أي أنَّ اسم ديفيد بن غوريون هو حرفيًّا ابن شبل الأسد. كذلك، اختار اسمًا ذا سمة توراتية لابنته غيئولا (فداء)، وابنه عاموس، وهو اسم من صغار الأنبياء في التوراة، كما جاء في الكتاب.

كأنَّ المؤلف نور مصالحة في بحثه هذا يعتبر أنَّ ما جاء في شهادات الزور وصفةً طبيةً تاريخيةً لأطماع الحركة الصهيونية، صرفتها الدولة البريطانية في منحها فلسطين وطنًا قوميًا، وصفة سرطانية تفترس أرض وشعب فلسطين، فيما عين العالم تتفرَّج، ودولٌ تبارك وتطبِّع علاقاتها مع هذه الكينونة التي جاءت من عدم.

• عنوان الكتاب: فلسطين: أربعة آلاف عام في التاريخ

• المؤلف: #نور مصالحة

• المترجم: #فيكتور سحَّاب