مواضيع للحوار

فواز الساجر .. أحدث نقلة نوعية بالمسرح السوري..

فواز الساجر .. أحدث نقلة نوعية بالمسرح السوري..

2714 مشاهدة


تمر في هذه الأيام العصيبة الذكرى 24  لوفاة الفنان المسرحي المجدد المبدع "فواز الساجر"، الذي قدم رؤية جديدة للمسرح السوري، ومن الضروري أن تعرف الأجيال المتعاقبة من الشباب ماذا قدم هذا الفنان المبدع الذي "حرر قدرة الممثل ونقل المسرح السوري من مرحلة الإخراج المنفذ إلى الإخراج المبدع".، من خلال تأسيسه المسرح "التجريبي" مع رفيق دربه المرحوم "سعد الله ونوس" عام 1977 في دمشق وقدم معه أعمالاً عدة منها "رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة" و"سهرة مع أبي خليل القباني"، فيما أنتج له المسرح القومي مسرحية وحيدة هي "أهل الكهف" التي قدمها قبل اشهر من رحيله عام 1988. في ذكرى وفاته 21  كتب المخرج العراقي "جواد الأسدي"، يقول: " لا أريد معاودة الحديث ، لا عن الموت و لا عن الموتى ، فالسنوات المهزومة تركت على قمصاننا و نهاراتنا ثقل فريد يكاد يطيح بسعاداتنا المتهاوية ، ضحكة بعد أخرى ، بدءاً بالعراق المرمي تحت حوافر القتل و الاحتلال مرورا ً بغزة ، فرن الأولاد الموتى ، و صولا ً لسلطة عربية مصابة بزكام أبدي و خوف من معاقرة الحرية . بالنسبة لي ،أنا القادم من كربلاء الندب و بعد أن حطيت الرحال بدمشق الشبابيك و آذان الصباح و بيت سعدالله ونوس و أنوار سعيد مراد و حورانية و ممدوح عدوان ، يبدو ان  مشروع الحديث عن مدينة بلا هؤلاء مثل الحديث عن حديقة غادرها حارس وورودها ، تاركا ً المصطبات و الزوار بلا امل يذكر ، و ربما تكون رفيف الساجر هي فاكهة هذا النص ، لعودة سريعة حمل فيها فواز إبنة روحه و قصيدة شبابه رفيف ً ، التي أوقفها ذات يوم على خشبة مسرح القباني ليطلب منها و هي بعمر الرابعة عشر أن تقرأ أمامي قصائد بوشكين ، فواز بإيقاعه المتفجر ، يدرب ممثليه غسان مسعود و دلع الرحبي و فارس الحلو على سكان الكهف ، بلهفة عالية كان يدعوني لحضور بروفاته ، وبلهفة مماثلة كان يحضر بروفاتي، مرة مع سعد الله ونوس و أحيانا بدونه ، كأنما ورود المسرح السوري وقتذاك كانت على وشك تكون ثمرة عالية الابتكار و التركيب ، حرقة سعد الله لمسرح تجريبي لم يرى نور و آلام فواز لتكوين ريبتوار مسرحي سوري متفرد ، و صداقة فذة رتبت حلما ً مسرحيا ً  يقوم على أضلاعنا التي انكسرت بسرعة ، أن ملاك العجالة الذي خطف سنوات النضوج عند فواز و جرز النميمة ، ذالك المرض المتربص عند باب بيت سعد الله ونوس ، كأن الغربة الوحشية قد قررت ذبح المدينة بسرقة جسدين معرفيين في أوج عطائهما ، بقسوة فريدة من نوعها كيف لي العودة إلى دمشق بلا فواز و لا سعدالله ، في أية مرآة سأحدث فتاتين مشتعلتين بالحنين إلى أبويهما ، رفيف و ديمة ، لم يناما على سجادة طفولة متروية و لم يشربا من ذلك الحنو العذب ، و الينبوع الحر ، لمخرج أطاحت المقصلة أوج لهفة لعروضه  الاختبارية  و سفكت صوت و دم اعتى كاتب مسرحي عربي ، فواز الساجر و سعد الله و نوس ، ووحشة مريبة لمدينة أ ُطفأت أنوارها في حياتي ، الأبواب و البيوت و صداقات و الحوار و الاختلاف و الضحكات ، البروفات و الممثلين ، و الاعياد المسرحية ، كلها ، كلها ، كلها ، ارتمت و إلى الأبد دون عودة ، لم تعد دمشق دمشقتي ، ركبني يتم وحشي ، رغم وجود فنانين و أدباء آخرين على درجة عالية من النبل و المعرفة و الجمال ، لكن ، لا احد يعوض خسارتي في الساجر و سعد الله ، و المدينة ببيوتها بدت مثل معاودات لذكريات و بيوت ، و نصوص ، أحيانا ً عروض ، و بروفات ، ولكن بلذة مكسورة و ربما ميتة ، و قد يكون موت قمر غرناطة الدمشقي عمار الكسان بصورة المريبة الدراماتيكية قد ذبح في آخر لهفتي لآخر بيت ، مع مهيار الرائع و ريم المتفجرة بفرحها المغدور، دون أدنى مبالغة ، تحولت المدينة بجمالها و هجرت ممثليها عن روحي ، الى مدينة سكوت ، حيرة ، خوف ، الآن انا في بيروت، على المقعد في الجانب الأيسر سعد الله ونوس ، و في جانب الأيمن فواز الساجر و عمار الكسان يكتب سيناريو لطاولة الماء ، وحيدا ً وبوحشة هائلة، ينتابني احساس بالمرارة كلما جرتني السيارة من قلبي الى دروب الشام حيث لا نور في تلك البيوت التي كنت أزورها ، بما فيهم بيتي في شارع بغداد الذي كان ارضا ً لللعب و الحنو و حوارا ً  لفواز و سعدالله و عمار و اخرون ، أقول حتى هذا البيت قد بعته من اجل مسرح بابل متوهما ً أن هذا المسرح سيكرس لي فرحا وسعادة كنت قد نزفتها وخسرتها،فواز الساجر أقول لك ان رفيف الرائعة المسكونة بحلمك المسرحي صارت طائر الطاولة الذي يجمعنا . وان دمشق المسكونة بك وبسعدالله و عمار الكسان عبثا أحاول التجانس مع دروبها ، إنها ريح الغربة العتية بين مدن مرمية على سكك حديد مخضبة ،انه رماد الحنين إلى تلك الأيام".

"عُرف المخرج المسرحي السوري فواز الساجر(1948 – 1988) منذ أن كان طالبا في معهد الفن المسرحي بموسكو (غيتيس) بميله الى الهدوء والإصغاء إلى الآخرين والاستغراق في التأملات. وكان دائما في أثناء اللقاءات مع الزملاء وأهل الثقافة بموسكو يعيش في عالمه الخاص ..وفي أحلامه .. ربما عن مستقبل المسرح السوري. كما انه لدى الحديث عن النهضة الثقافية في وطنه كان يشير إلى ضيق المجال الإبداعي بسبب الأوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية عموما التي تجعل الفنان المبدع أسير قيود من التقاليد والقواعد والأحكام والرقابة. وليس من قبيل الصدف أن كتب قبيل وفاته في 16 مايو/أيار عام 1988 على قصاصة ورق وجدت في جيبه يقول " تفكيرنا ضيق ، مصيرنا ضيق ، موتنا ضيق ، قبرنا ضيق ، افتحوا الأبواب والنوافذ ، سيقتلنا الضيق ، افتحوا الكون ، الضيق ، الضيق ، الضيق".
لقد درس فواز في معهد "غيتيس" (تخرج منه في عام 1972 ثم جاء إليه ثانية لنيل شهادة الدكتوراه في عام 1982 ) تحت إشراف "يوري زافادسكي" احد الممثلين والمخرجين المسرحيين البارزين الروس المدير الفني لمسرح "موسوفيت" بموسكو. "وزافادسكي" هذا تلميذ "يفغيني فاختانغوف" الذي كان يمثل احد التيارات المسرحية الحديثة في روسيا في مطلع القرن العشرين . ويتميز أسلوبه في الإخراج والتمثيل بالسعي إلى التعبير عن الخصوصية المتميزة للأسلوب والشكل المسرحي والربط بين الاتجاهين الكلاسيكي والحديث والاهتمام بالجانب السيكولوجي للشخصية وعنصر السخرية المرهفة في عكس الواقع. وقد اخذ "فواز الساجر" عن أستاذه التوجه نحو المسرح الواقعي والبطولي، والعناية بتربية الممثل . وقد احتلت المسألة الأخيرة حيزا كبيرا في عمل فواز مع الممثلين ومع طلابه في سورية".

"وكان المخرج الراحل الذي تصادف هذه الأيام ذكرى رحيله 24 متيقناً بأن الإمكانيات القليلة يمكن أن تبني فناً مسرحياً حقيقياً استناداً إلى جهود الفنان وإطلاعه ولهذا لم يقف مكتوف الأيدي أمام الظروف فقدم العديد من المسرحيات التي تعتبر من خيرة العروض السورية حيث واكبت الحداثة وأسست لنموذج جديد من الأداء متوافقة مع نصوص مهمة مثل رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة، ثلاثية ضربة شمس، حكاية صديقنا بانشو، والرجل الذي صار كلباً "لأوزوالددراكون"، سهرة مع أبي الخليل القباني "لسعد الله ونوس"، أهل الكهف.

عمل "الساجر" خلال مسيرة حياته القصيرة على تجاوز مشكلة المسرح العربي فطالب بأن يكون لهذا الفن قواعد ومنهج وسياسة صحيحة للمسارح تسمح بتقديم الأفكار النبيلة على خشباتها وممارسة دور مهم في تعميق الحوار بين جمهور المسرح وبين أفراد المجتمع بصورة عامة."

إعداد : كنعان البني

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية