أخبار أدبية

في الذكرى الخامسة لرحيل الباحث محمود أمين

في الذكرى الخامسة لرحيل الباحث محمود أمين

1860 مشاهدة

ولد الباحث الراحل محمود أمين  في سلمية ( تل الدرة ) عام 1931 ـ يحمل إجازة في التاريخ من جامعة دمشق

عمل مدرساً للمادة في ثانويات القطر ، كتب مقالات أدبية وتاريخية في مجلة الغدير

في سلمية والنواعير في حماه والرقيب في دمشق

اختص بالتراث والتاريخ الإسلامي مؤخراً ، وعمل لفترة طويلة في المجلس الإسلامي الإسماعيلي الأعلى كمرجع تاريخي مختص .

صدر له كتاب ( سلمية في خمسين قرناً ) وهو كتاب يؤرخ لسلمية القديمة والحديثة

ويفصل الكثير من عاداتها وتقاليدها 0 وله أيضاً كتاب تاريخي بعنوان ( بنو ملاعب

في التاريخ ) ومخطوطات كثيرة لم تر النور تبحث في القلاع والحصون وإضاءات

متعددة في التاريخ الإسلامي0

توفي في 2004/5/13 وهو في ذروة عطائه ، ودفن في مقبرة قريته .

صدر بعد وفاته كتاب ( القلاع الإسلامية في وجه المغول والصليببيين ) بجهود أبنائه ومحبيه ويعتبر مرجعاً مهماً في تاريخ القلاع لتلك الحقبة من التاريخ الإسلامي .

وهذه كلمة في وداع الصديق الباحث

 في تأبين الصديق الراحل           

الباحث محمود أمين

كان أباً وأستاذاً وأخاً وصديقاً..

نعم إن رجلاً كالراحل محمود أمين ، كان من الممكن أن يكون كل هؤلاء دفعة واحدة ..

فمن منا لايعرف هذا الرجل ..؟ من منا لم يلجأ إليه ليحصل على مشورة أو رأي أو علم .. ؟

من منا صفعه جواب أو تجهم أو رفض ... ؟

كان يستقبل الجميع ببشاشة ، يرد برحابة صدر ، يجيبك بإسهاب ، وإن أحس أنك لم ترتو .. كان بانتظارك موعد آخر معه ، تحمل معك في نهايته ملخصاً أو محاضرة ، بعد أن يسبق ذلك تفصيلات أجهد نفسه في تجميعها ، كي ينقلها لك بأمانة ووضوح .

أسئلة عديدة كانت تدور في ذهني ، وتحتاج إلى أجوبة شافية ، توجهت بها إليه بعد أن أعيتني أجوبة لم تكن تملك الحد الأدنى من الموضوعية والدقة .

لم أكن أعرفه من قبل ، بل كنت أعلم فقط أنه صاحب كتاب ( سلمية في خمسين قرناً ) وكان هذا وحده كفيلاً كي يجعلني أتهيب اللقاء قليلاً ، خشية أن ألقى ماألقاه عادة من آخرين يحدثونك وكأنهم لثموا جبين الثريا ببضع معلومات جمعوها من هنا وهناك .

ولكن الحال عند محمود أمين كانت مختلفة تماماً ، فقد أعلن عن فخره بانتمائه وبقوة  إلى ( القدموس ) منذ أن علم أنني أتيت منها ،

مدللاً على بيت متهدم فيها قال أنه يعود لأجداده .

لم تصدمه أسئلتي كما صدمت غيره ، بل تقبل الأمر برحابة صدر ، واعتذر عن بعض واجبات كان مكلفاً بها ، معلناً أن جلسة مع مستطلع مثلي ، تتطلب أن تؤجل بسببها كل شيء .

وخرجت منتشياً بمعلومات لاأزال أعتز بها ، وبتلك الروح التي استقبلني بها ، وأعلن صداقته لي واستعداده للإجابة على استفساراتي منذ الساعة ودون أي قيود .

فنشأ الود سريعاً وتعمق ، وصرت أحس أن مايربطني بهذا الرجل أهم من البحث والمعلومة ، وقدر فيَّ حماسي وصدق الود عندي فتحمس لي وبادلني الود بتميز يخصه .

وصرت أنقل صورة صادقة عنه وعن جده وبحثه ومشروعاته لكل الذين كانوا يتوقون للأمان الذي يوفره مثل هذا الرجل .

 

كنت أعرف منه الكثير من تفاصيل القلاع والمواقع الأثرية الإسماعيلية وأنا بعيد عنها ، فيدفعني إليها ، أبحث عن زوايا وحجارة وأقواس وأبواب فيها ، وأعود إليه لأنقل بعض مارأيت ، وأستفسر عن اشياء ، وكان لديه دائماً ما يغني معرفتي عنها .

وكان لايستغرب أسئلتي وتطفلي ، بل يكبر هذا النوع من التطفل ، ويصحبني إلى حيث يكدس أوراقه وكتبه ، لأخرج وأنا أحمل الإنطباع الذي يطفئ الكثير من الحرائق التي تشتعل في داخلي ...

كل ذلك قبل أن يندفع مع مجموعاتنا المتحمسة ليرافقنا رغم وضعه الصحي الذي كان قد بدأ بالتردي ، يحمل عصا غليظة ، تعينه على التسلق إلى أعالي القلاع ... يقف بخشوع أمام بعض المواقع ، وتبدأ سيول المعلومات بالتدفق من ذاكرة لم تعرف الكسل أو التراخي يوماً ، فينقل لنا الخشوع نفسه ، الذي يفتح أمام البصيرة آفاقاً واسعة .

وكان مصراً وهو في هذا العمر أن يتابع رحلة البحث والحصول على المعلومة التي تغني مشروعه الكبير الذي لم ير النور بعد ،

ولطالما صحبته إلى بيوت أو مواقع ليسأل سؤالاً ظل يؤرقه زمناً .

وعاب عليه بعض الباحثين أنه حصل على المعلومة من مواضع غير موثوقة ، وأنا أقول أننا يجب أن نقدر ذاك الجهد المبذول من قبله في هذا المجال لا أن نعيبه ... فالمرحلة التي لجأ فيها إلى أقوال المعمرين وآرائهم وبعض المخطوطات أو المذكرات الشخصية  ليس لها من مراجع سوى ذلك ، ثم أنه كان يحاول جاهداً مقاطعة هذه المعلومات بالحصول عليها من أكثر من مصدر ، ولطالما حذف الكثير منها عندما كان يختلف عليها أولئك أو تشتد المعارضة حولها .

ثم أن لدى هذا الباحث الكبير الكثير مما لم ير النور بعد ، منه ماتحول إلى فصول في كتب أو أبحاث ، ومنه مايزال مركوناً في زوايا ، نأمل أن تسعى إليه أياد خبيرة تحوله إلى معلومة تفيد الناس كل الناس الذين كان يبادلهم الراحل حباً بحب واحتراماً

 باحترام ....

هو لم يوفق في طباعة أعماله ، فعمله الأول ( سلمية في خمسين قرناً ) لم يكن راضياً عنه كل الرضى بعد أن أجبره الناشر على حذف فصول كاملة منه 0

والثاني ( بنو ملاعب في التاريخ ) كان جهداً شخصياً مكثفاً لم يتحدث عنه كثيراً .

ولكن جل أحاديثه كانت عن أعمال لم تر النور ، وقد كان محقاً في ذلك بحكم إطلاعي على الهام منها .

لقد بذل في هذه الأعمال جهوداً مضنية ، وتكاد تكون حصيلة جهد العمر ، هذا بالإضافة إلى دراسات متنوعة أخرى كان يشير إليها بين الفينة والفينة .

لقد ظل محمود أمين ودوداً أميناً جزيل العطاء حتى آخر ساعات عمره الذي لم يمتد طويلاً ...

وأنا لن أنسى ماحييت ذاك الكم من الترحيب الذي كنت ألقاه منه عند كل هاتف أو لقاء ...

ولن أنسى أن هاجسه الدائم البحث والمعلومة ، ظل يرافقه حتى ساعاته العصيبة .. ففي آخر لقاء لي معه إثر وعكته الصحية الأخيرة ، دنا مني أكثر وهمس في أذني ليعلمني عن نشاطات أخرى سيتابعها ، وسيعلمني بتطورها تباعاً .

نعم هوذا رجل البحث والتاريخ والعطاء الدائم الذي لن ينساه الناس ..

وستظل أجيالنا تتحدث عنه بكثير من الإعجاب ، وسيمتد ولاشك حوار الأجيال دهراً إذا أتيح لمن سيتحمل العبء طباعة ماتبقى من مخطوطات جهد الراحل في بناء مداميكها بإتقان وبراعة .

  

        23/6/2004

 

 محمد عزوز

 

تمت طباعة كتابه ( القلاع الإسلامية في وجه المغول والصليبيين ) بعد وفاته بجهود أولاده وبعض الأصدقاء .

 

التعليقات

  1. Image
    عندما لاتجد الحياة مغنيا يتغنى بقلبها تلد فيلسوفا يتكلم بعقلها(جبران خليل جبران)

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية