قبل أن ترسم باللون فهي ترسم بروحها المحلّقة في فضاء رحب من الإبداع
#قراءة _في _لوحتين _للفنانة _التشكيلية السورية " #ريما الزعبي"
#بـقـلـم _عـبـاسـيـة _مـدوني _سـيـدي _بـلـعبـاس _الـجـزائـر
#يقول الفنان التشكيلي " بابلو بيكاسو " في إحدى مقولاته الشهيرة : " بعض الرسامين يحوّلون الشمس إلى بقعة صفراء ، والبعض الآخر يحوّل البقعة الصفراء إلى شمس" ، تلكم هي مهمّة الفنان ، وتلكم هي حرفيّته التي تعكسها لوحاته ومواضيعه التي تعرّي الإحساس والأنا الباطن ، وفي ذات الوقت تضعنا كمتلقّين أمام أسئلة جوهرية ، فالفنان الموهوب والمتمكّن نلمس من الوهلة الأولى إتقانه للقواعد والأصول ، كما نلمس مباشرة احترافيته في كسر تلكم القواعد ، وههنا المفارقة الحقيقية التي توشم داخلنا ذاكرة ولونا وبوحا .
ومن الأعمال التي وقفت عندها مجدّدا للفنانة التشكيلية " ريما الزعبي " من سوريا ، لوحتين فنيّتين ، لكل منها صيغتها ، وموضوعها ، فهي قبل أن ترسم باللون فهي ترسم بروحها المحلّقة في فضاء رحب من الإبداع .
1- للعين ذاكرة
ذاكرة المكان ، ذاكرة الزمان أم ذاكرة الشخوص ؟ تضاريس الكون وعمق الرؤية ، واختصار الثرثرة وكل الضجيج ، لذاكرة العين هواية نادرة وهي تتلقف الإحساس القابع بين الأرواح ، حدقة العين ههنا تتعرى من كل حزن ن فمن يترجم حنينها ولوعة الانتظار بها وبين خطوط مجراتها ؟
مقابل حفنة من الذاكرة لابدّ للذكريات أن تتعرى أمام هذا البياض وهته الألوان العتيقة ، في بؤرة تلكم العين تسكن مدن وحكايات ، نلفي خصلات سنابل الإنسانية التي سقيناها يوما في عزّ ذروة الندى ، حيث القصائد لم تكتمل بعد إلى حين حصاد .
للعين هي الأخرى قصصا غامضة ، تفضحها الرؤى العميقة والنظرات الفاحصة ، تكشف الصدق وتعري الأكاذيب ، ترفع حجاب المصداقية وتمرّغ النفاق ، تخبئ داخلها غرورا وتغفو حين غمضة عين ورجفة ، لتبتسم قبيل الثغر وتكتم صرخة أن أوقفوا هته المهازل ...
لا مساحات شاغرة بالعين ، بين الأهداب والحاجب ندبة ما تظل باسمة مهما جرحها هذا العالم ، فذاكرة العين كما القلوب تعانق الخيبات والأحزان ، كما تحضن الفرح وهي تجابه انتكاسات الوجود ، حتى ذاكرة تلكم العين تحمل تجاعيدا ، كل خطّ بها يحاكي لقاء ، ضمّة وحتى فراقا ودهشة وقصة تحملنا جميعها إلى البكاء ، إنها ذاكرة حياة ممتدّة حتى نتمكّن من أن نكتبها ونحن بريئين من الجراح والصدمات ...
2- تــصـوّف
في التصوف نسدّد كل الديون ، حتى ديون عواطفنا ، ونخوض معارك شرسة مع ذواتنا ، في التصوف لن نعود نحن بتاتا ، ومن كثرة طقوسه نبحث عن منفذ عتيق وحزن أنيق ونحن ننجب طقوسا غير التي ورثناها ، وبتلكم الطقوس نتحوّل إلى طريدة وديعة وهي تترصّدنا خناجر الصمت والتأمل ، وفخاخ الزمن ...
اللوحة ههنا بصمة موسيقى وتغريدة ربيع أصفر ، وفي منتصف الغوص بالموضوع لابدّ من اختراع همسة موازية لحديث داخليّ وصوت شجيّ من وراء نوافذ الذاكرة ، مثل أن نقترض الشوق ونستدين غواية الحضور ، لنمنح للون وللمساحة معنى ليس ككل ّ المعاني المعلّبة .
للتصوف مخادع ومخابئ تمتدّ على طول قبلة وعلى مقاس بهاء ، وفي تصوّف حواء زهد كان تخلع رداء الحب وتستبدله بتعويذة الرجاء ، حتى توقظ جنين الحياة الغافي منذ فصول ولّت ، في ذلكم ترقب فؤادها الحافي ، تزرع بذرة من شرفات روحها لتسند ما تبقى منها من دهشة وورع .