قصة قصيرة

قصة اليوم  بعنوان على المحك

قصة اليوم بعنوان على المحك

601 مشاهدة

 قصة اليوم  بعنوان على المحك ...

الأديبة القاصة #أسحار _شهير _الزير

#على _المحك

انتفض يحيى من بين أصدقائه المتسامرين في مزرعة أحدهم، وقد بدا في أواخر العقد الرابع من عمره, مطلقاً العنان لنفسه بإعلان سخطه على القوى والمؤسسات والقيم والعادات والتقاليد وضرورة تحطيم الأسوار والرغبة في حياة إنسانية لائقة، وقد احمر وجهه الأبيض، واكتست نظرات عينيه الواسعتين الغضب.

 بينما يداه ترتجفان وتتحركان بين الحين والآخر، وكأنهما تقودان أوركسترا للعزف، ثم تعودا لتهدآ من جديد.

بدت أحاسيسه مشوشة بين الوضوح والغموض، بين آلاف المتناقضات في الحياة.

عاجزاً عن التلاؤم، ونبرات الأسى تبجس من كلامه يضاعفها اليأس،

ففي انتظار الأمل مات في داخله الشيء الكثير.

حتى امتزج في فمه طعم المرارة، وكأنه لم يستطع تقبل سواد الواقع فاعتكف في محراب مثاليته، يدور حول فلكه بجناحين من نور سقطا من السماء مستأثراً بأحلامه الوردية.

هو لا يتخيل كيف أن الشر يصول ويجول متلذذاً بآلام المستضعفين، ويتحكم بمصائرهم، يدوس زهر الياسمين بأقدام تلوثها الدماء.

وكأن عقارب ساعة الحائط لسعته حين اصطدم نظره بها، انتفض واقفاً فقد تجاوز الوقت  الثالثة ليلاً.

اعتذر عن متابعة السهرة وانصرف.

أسرع في مشيته يُعد نفسه لمواجهة سيل العتاب من زوجته كعادتها.

وكعادته سينتظر أن تُسقط عن كاهلها فيض مشاعر القهر ليتدخل حينها في تقديم الوعود، ويرسم ابتسامة رضا على وجهها الحزين.

لم يزل يتابع سيره بحذر, متلمساً طريقه في الظلام الدامس, حتى تناهى إلى سمعه صوت قريب.

التفت نحوه ليرى شبح سيدة نحيلة متشحة بالسواد تعتلي حاوية قمامة، وتبعثر ما بداخلها باحثةً عن شيء ما تضعه في كيس أسود كبير بجانبها.

شعر بأن بركاناً من النقمة على العالم الصامت يغلي بداخله، وانتابته رغبة في الغثيان.

توارى خلف سيارة ليراقبها بصمتٍ لاهث دون أن تلاخظه كي لا يزيد من هوانها.

 في هذه الأثناء تعالى صوت استغاثة من مبنى قريب, ثم ارتفع الصراخ يمزق سكون الليل.

 خرج بعدها رجل ضخم عريض الأكتاف حليق الرأس بلحية طويلة يهرول محاولاً الفرار.

مرّ الرجل بقربه كسهم تحرر من قوسه  إلى الطرف الآخر من الشارع مختفياً بين البيوت المتناثرة.

لم يكد يصدق عينيه فأغمضمهما وفتحهما، وقد شحب وجهه، و أصابه الذهول، فالرجل لم يكن سوى جعفر عامل بناء يعرفه جيداً.

 ظهر عندها جمع من الرجال من المبنى يبحثون عن الهارب, ولم ينتبه أحدهم للمرأة المختبئة خجلاً خلف الحاوية.

كانت انفاس يحيى المتسارعة تكاد تتوقف وكان حمى الضياع أصابته.

كان عليه التقدم لفعل شيء ما.

ولكن عاصفة داخلية من الخوف والحذر،

وسلسلة من النواهي شدت إرادته ليواجه ذاته العارية.

وقد وُضعت وجهاً لوجه أمام اختبارها.

مُعلّق بين السماء والأرض ينظر إلى ما وراء اللحظة.

والصور تتوارى خلف ظلمات حيرتهِ الصماء.

كانت تتنامى اليقظة داخله، ليخوض أعنف معاركه مع ذاته أولاً حيث البداية.