مواضيع للحوار

قــاســم حســن..الفنان المسرحي منذر حلمي..عاش حالما .. ومات مغيبـــا

قــاســم حســن..الفنان المسرحي منذر حلمي..عاش حالما .. ومات مغيبـــا

1707 مشاهدة

 الفنان المسرحي منذر حلمي
عاشق المسرح ... عاشق العراق
عاش حالما .. ومات مغيبـــا
لقد ارتبط مسرحنا العراقي ومنذ بداياته بالحركة الوطنية العراقيةمسرحنا ساهم في النضال لمقارعة الظلم والقبح والتعسف

في أوائل الخمسينات من القرن الماضى ارتقى خشبة المسرح شاب ، كان اصغر الممثلين عمرا ، صوته كان مميزا عن اقرانه ، حركته وخطواته واثقة على المسرح ، كلماته تنساب بقدرة بالغة ورصينة وسليمه لم يتوقعها من وقف الى جانبه يقاسمه ادوار تلك المسرحية ... التي أعيد عرضها مرتين بأمسية واحده ، هذا ما لم يحدث في عروض المسرح من قبل ولم يتكرر بعد ، حبه وعشقه لخشبة المسرح .. بادله المسرح ذلك الحب حيث لم يخلو عرض مسرحي في تلك الفترة ، الا وكان الفنان منذر حلمي أحد ممثليه ... شموخه على الخشبة ، جعله شامخا ،أبيا، عصاميا ، في حياته ، ومسيرته الفنية .. في السينما العراقية وهو من اوائل العاملين فيها ، والتلفزيون والاذاعة احتضنته وهوايضا من مؤسسي الدراما فيها ، وامتدت تجاريبه وابداعاته بشعار طالما يردده .. بلغة الواثق من قدراته ، المسرح اولا ، ..

 الفنان منذر حلمي الذي وِلِد في بغداد عام 1937 .. طفولته وصباه ونشأته فيها ، المدينة المنفتحة وألوانها الجميلة .. وتنوع ثقافتها ، ووعي وثقافة أهلها ، جعلت منه مثقفا متفتحا واعيا لما يدور حوله ، ومنها كان خياره السليم والثابت في الانتماء الى الصف الوطني الذي مناضلا الى جانب اقرانه من المثقفين والفنانين والنخبة الواعية من السياسيين حيث استخدم قدراته الفنية والابداعبة كداعية وطنية رافعا صوته ضد الظلم والطغيان داعيا الى المحبة والسلام ...
ظهوره الأول على خشبة المسرح عام 1953 في مسرحية " شعلة في الصحراء" التي اخرجها في ذلك الوقت الفنان أسعد عبد الرزاق ... وبعدها توالت مشاركاته في اغلب العروض المسرحية في تلك الفترة التي ازدهر فيها المسرح وكان صوتا عاليا الى جانب الوطنيين والمظطهدين والمظلومين حيث مثل في مسرحية "البخيل " لمولير إخراج الراحل جعفر السعدي ، ومنح جائزة أفضل ممثل عام 1955 ، أسس مع فنانين آخرين فرقة مسرح " الشعلة" واصبح لاحقا مديرا لها عام 1957 ومن خلال هذه الفرقة لعب عدة ادوار وشارك في اكثر مسرحياتها وكان ابرزها مسرحية " السلاسل المحطمة " التي اخرجها الفنان إبراهيم الخطيب ومسرحية " بزوغ السلام " بإخراج الفنان طه سالم عام 1959.


إستمر عطاءه في هذه الفرقة مع الاشارة الى تجربته في السينما ممثلا ومنتجا وفنيا في عدة افلام منها فلم " اللعبة " وفلم " عائد الى حيفا " بنفس الوقت، خاصة وان التجارب السينمائية قليلة ومتباعدة الانتاج في العراق،... حينها أستدعي الى " فرقة المسرح الفني الحديث " أهم الفرق المسرحية في بغداد لتمثيل دوره الأهم في مسرحية " مسرحية في القصر " من اخراج الفنان والاستاذ محسن سعدون عام 1966 ومنها توالت العروض المسرحية التي شارك فيها مع زملاءه من الرواد خيرة فناني العراق ومبدعية والذين تحتفظ الذاكرة العراقية بابداعاتهم على مدى الأجيال .. أسس معهم فرقة " إتحاد الفنانين عام 1967 وأنتجت هذه الفرقة الكثير من الاعمال المسرحية بفترة وجيزة من تاريخ تاسيسها كان منها مسرحية " الكورة" تاليف الفنان طه سالم وإخراج محسن العزاوي ومسرحية " البيت الجديد " تاليف نور الدين فارس وإخراج عبد الوهاب الدايني ... واستمرت عروض هذه الفرقة حتى عام 1971 كان الفنان منذر حلمي العمود الفقري فيها فنيا واداريا... بعدها انتقل الى فرقة مسرح اليوم المعروفة باحترافيتها واعضاءها الذين هم صفوة الفنانين العراقيين في السينما والمسرح في تلك الفترة ، ..
وأنتخب سكرتيرا لفرقة مسرح اليوم عام 1970 .. وقدم من خلال هذه الفرقة عدة اعمال كان أهمها مسرحية " السؤال " لكاتبها محي الدين زنكَنه و" عروس بالمزاد " لكاتبها نور الدين فارس ومسرحية " روح اليانورا "و " حديقة الحيوانات " وكذلك " مواطن بلا إستمارة " وكلها من اخراج الفنان جعفر علي ، إضافة الى مسرحية " العطش والقضية " لكاتبها نور الدين فارس واخراج عبد الوهاب الدايني .. حيث نال جائزة افضل ممثل من المركز العراقي للمسرح عام 1974 .


عام 1975 كان ضيفا على فرقة المسرح الشعبي ليلعب دور البطولة في مسرحية " بهلوان آخر زمان " من تاليف علي سالم واخراج عبد الوهاب الدايني .. هذه المسرحية التي كانت السبب في مضايقته وإستجوابه من قبل السلطات الثقافية آنذاك .. وإستضافته الفرقة القومية للتمثيل ايضا في بعض اعمالها المسرحية .. فكان دوره مميزا في مسرحية " دائرة الفحم البغدادية " التي اعدها عراقيا الكاتب عادل كاظم عن مسرحية " دائرة الطباشير القوقازية " للكاتب الالماني برتولد برخت وباخراج استاذ المسرح العراقي ابراهيم جلال ..
الفنان منذر حلمي من الفنانين الرواد وعطاءه لايعد ولايحصى نذر حياته للمسرح لم ينقطع عنه حتى مغادرته العراق مضطرا ومتضامنا مع اقرانه من الفنانين المبدعين الذين عانوا كثيرا من جلاوزة السلطة الفاشية ، والنظام الديكتاتوري الذي لايسمح لهم في الترويج لثقافة انسانية ، يتوق لها العراقيين ويتعطشون لها من خلال المسرح والسينما والاذاعة والتلفزيون ... زملاءه الذين طالهم الاضطهاد والاعتقال والمطاردات .. حتى سنحت الفرصة لغالبيتهم في الهروب من جحيم الاستبداد والمطاردات والاعتقالات ، وكان من الذين غادروا العراق عام 1979 .

كان مصيره ان يكون في العاصمة اللبنانية " بيروت " التي إحتضنت غالبية المبدعين من الفنانين العراقيين والصحافيين والكتاب والمثقفين لسهولة الوصول اليها والعيش المؤقت فيها ، ولفسحة الحرية في التعبير والنشاط الفني الذي احتضنته، ورعته، المنظمات الفلسطسنية واللبنانية الوطنية ، فكان لتواجد نخبة من المثقفين العراقين الذين نشطوا ، كل باختصاصة ، في العمل على فضح النظام الديكتاتوري في العراق وسلوكياته ، في محاربة الوطنيين من ابناء شعبنا ، ولاتخلو هذه الساحة ايضا من خطورة الملاحقة والاغتيالات ، فكان العمل والنشاط الفني ، بحذر ، هناك في بيروت لم يهدأ له بال ولايريد ان يصمت ، كان شعوره بوجوب العمل ومن خلال المسرح ، في فضح تصرفات النظام امام الرأي العام العربي والعالمي ، حيث كانت الساحة البيروتية ملاذا كبيرا للوطنيين من انصار الحرية الذين تواجدوا في بيروت في تلك الفترة ، ومن كافة انحاء الدول العربية والعالم ، فما كان منه إلا ان يباشر في جمع الشمل العراقي من العاملين في المسرح والفنون الاخرى لتاسيس رابطة الفنانين والكتاب والصحفيين الديمقراطيين العراقيين ومنها انبثق تجمع مسرحي تحت اسم " فرقة مسرح الغد العراقية " التي قدمت العديد من الاعمال المسرحية والتمثيلية الجادة والموجهة للتعريف بمحنة الشعب العراقي ، وفضح ممارسات النظام الديكتاتوري ... كان آخرها مسرحية " حكاية جلاد " المعدة عن مسرحية "القصة المزدوجة للدكتور بالمي" لكاتبها الامريكي "أنطونيو باينجيرو" والتي تتحدث عن افعال الجلادين ودورهم في قمع المناضلين الوطنيين .


في كلمته كمخرج كتب الفنان منذر حلمي بروشور العرض المسرحي (إن فرقتنا " فرقة مسرح الغد" إمتداداً عضوياً للمسرح العراقي التقدمي الذي فرضت عليه سلطة الإرهاب والقمع في بغداد، بعد إعتقال وتشريد البعض الآخر، ومن ثم تفضيل العديد من أبرز وجوهه خشونة العيش ومرارة الغربة، على الإسهام مع خونة الشعب من مثقفي السلطة أو من القلة التي ارتضت أن تتنازل عن شرف كلمتها وتدنس ماضيها الوطني طمعاً في غنيمة أو خوفاً من بطش في تبني فكر السلطة الفاشي، وتجميل وجهها القبيح، وإدارة الظهر لقضايانا المقدسة.. لقد ارتبط مسرحنا العراقي ومنذ بداياته في الثلاثينات من القرن الماضي، بالحركة الوطنية العراقية وانخرط معها في النضال لمقارعة الظلم والقبح والتعسف، وتحولت خشبة المسرح من موقع للترفيه المحض، واللذة المجردة، إلى مرآة تعكس هموم شعبنا وطموحاته في حياة إنسانية كريمة، دون أن يعني ذلك الإخلال بالمستوى الفني الرفيع للعرض المسرحي. فلقد اغتنت حركتنا المسرحية بعطاء مخرجيها وفنانيها المبدعين عبر أساليبهم المتنوعة وانفتاحهم على تجارب المسرحين العربي والعالمي.)
وهنا لابد من الاشارة الى ان الفنان منذر حلمي يخوض تجربة الاخراج لأول مرة وهي الاخيرة ايضا حيث لم يعرف الوسط المسرحي والفني انه خاض تجربة الاخراج من قبل والذي هو قادر عليها ولكنه يفضٌل ان يكون ممثلا ، لثقته ومحبته ان يكون في صلب العمل ، ولكن ظروف العمل والنضال معا تطلبت ذلك ، شاركه في هذا العمل نخبة من المبدعين والفنانين ، منهم الفنان المبدع حازم كمال الدين والفنان الفقيد كاظم الخالدي ( الذي لازال مصيره مجهولا منذ ذلك الحين ) والفنانة ايمان خضر وشاكر سلامة وقاسم حسن وغيرهم ... هذه التجربة التي لم ولن يكتب لها أن ترى النور حيث قصف المكان وفي يوم العرض الأول بغارة اسرائيلية كنا فيها من المحظوظين حيث ان توقيتها ظهيرة استراحتنا ...
وللعلم ان اسماء جميع الممثلين والمخرج مستعارة ... عمار سالم وماهر نصار وصائب سلامة وسناء ووسن والخ.. خوفا على حياة عوائلهم واهلهم في العراق .. بعد هذا التجربة غادرنا لبنان مجبرين وكل الى بلد ... وهناك من فُقِد ومن إستشهد ومن إتجه الى بلد دون ارادته .. وكان من نصيب الفنان منذر حلمي أن يكون في دمشق ،
في دمشق لم يجد الفرصة المناسبة في مجال المسرح بالرغم من كثرة العروض والطلبات ، لكنه فضٌل ان يكون متابعا جيدا ونقابيا شخٌر كل إمكانياته في خدنة المثقفين والمبدعين من خلال عمله كرئيس لرابطة الفنانين والكتاب مدافعا عن حقوقهم مزيلا لهمومهم موحدا لصفوفهم .. وكان صنام امان قريبا من هموم الجنيع دون إستثناء .. حتى مغادرته الى منفاه الأخير في برلين ، المانيا ، صعوبة المنفى والبيئة والمجتمع الذي لم يعتد ... كانت ثقيلة جدا.. خاصة الغربة وفراق الاهل والاصدقاء... صعبة ، ولكن سرعان ما أُحيط بمجموعة طيبة من محبيه ومجايليه كي يكون عونا لهم في النادي الثقافي العراقي الاول في العاصمة الالمانية ، برلين ، الكل يؤوم اليه لما لرأيه وافكاره المنصفة والناضجة والمحترمة والمسموعة من الجميع ..أنتخب رئيسا للنادي وكان أبا لمجموعة من الشباب حيث أصبح النادي من النوادي الاجتماعية والثقافية التي يحسب لها الحساب من خلال مهرجانه الثقافي السنوي الذي يدعو فية خيرة المبدعين من الشعراء والفنانين والعلماء من كافة البلدان ولكنه لم يبتعد عن عشقه للمسرح، ناقداً ، فاعلًا ، ناصحًا ، ومقوماً للأعمال التي قُدمَت ضمن فعاليات المهرجان ...


إشترك في تلك الفترة في مسرحية " السيد والعبد " مع الفنان الكبير خليل شوقي التي جمعهم فيها الفنان الراحل عوني كرومي الذي أخرج هذه المسرحية بالرغم من قلة الأمكانيات عام 1999.
وكانت مساهمته الأخيرة مع الفنان الراحل الدكتور عوني كرومي " دراماتورغ" في مسرحية " مسافر الليل " من تأليف الكاتب صلاح عبد الصبور .
توفي الفنان منذر حلمي في اواخر نوفمبر عام 2010 بعد معاناة مع المرض دامت اكثر من عامين وشيعه أصدقاءه ومحبيه ومجايليه ودفن في برلين وجرى تأبينه بأربعينية مميزة حضر فيها أصدقاءه من عدة بلدان ووفاء له تم عرف فلم لم يكتمل بعد ( باخراج رفيق دربه الفنان علي رفيق)عن حياته ومسيرته الفنية والنضالية الزاخرة بالعطاء وألقيت الكلمات بأصوات أصدقاءه ومن رافقه في هذه المسيرة واجمل الكلمات تلك التي ألقاها صديق دربه الشاعر والكاتب حميد الخاني حيث قال :-
(
آه كم يشَـقّ عليّ وعلينا أن نلوّحَ بالوداع له وقد اعتدنا صحبته عقودا طويلة. كنا نراه فيها بيننا، ومعنا، حتى لو كانت الأمكنة تأخـذنا بعيدا عن بعضنا، في هـذا الحين أو ذاك. وقد عرفنا معه أن لحياتنا، ولما اخترناه فيها، أحوالَُها التي لا تستقر على حال، ولا تعرف هدأةً غير هدأة الروح لخياراتها، ولعله كان الأكثرَ، ممن عرفت، استئناسا بمثل هـذه الهدأة واطمئنانا لها، أعني هدأة الروح لخياراتها.منـذر حلمي من بين الأحبة الأثيرين لدى روحي، فهو رفيق درب وصديق وأهل بمعنىً ما، خاصة وقد تزامنت لي، أيام عرفته، أو قبلها بقليل ربما، صلةٌ ببعض أهله : أبي زياد وأم زياد. وهي صلة فيها غير القليل من صلة الأهل بالأهل. ثم حدث أنْ جمعتنا جيرة ومعرفة تمتد طويلا، في ظروف وأحوال عمقت، بمرور الأزمان، من آصرة القرب بيننا، وأرتني معدن أبي سلام الحقيقي: روحا رائعة، أبيةً، آسرة لا تنكسر، ولا تغادرها سماتها هـذه حتى في أحوال الضيق والجور، وهي كثيرة، وكأن هـذه الروح تقول بأنها لا يمكن أن تكون مثلما يريد لها الآخرون، من أهل السلطان خاصة، أن تكون. وهي روح تزخر بالحب لمن تحب، وتفيض ثباتا في الحفاظ على من تحب وما تحب، ولا تبخل بالتضحية لمن تحب ولما تحب : أشخاصا وفنونا، أفكارا ومشاريع، أحلاما قريبةَ المنال أو عصيّتَه.ولقد جعلت هـذه الروح منه انسانا يقتفي في فنه وحياته آثار من يحب وما يحب، ويرسم، في الوقت نفسه، لخطوه هو آثارا عميقة في مسالك المحبة تلك، يقتفيها كثيرون بعده، فيصبحَ هو نفسه أثرا يُقتَفى.لمنـذر حلمي، مثلما عرفته، غيرَ بيت العائلة وقد اضطُرَ لفراقه طويلا، بيتان : بيت روحي وفني هو المسرح ظلا يسكننان بعضهما البعضَ منذ أواسط خمسينات القرن الماضي وحتى رحيله. ولم يُغير من علاقة السكنى المتبادلة هذه، أن ظروف المنافي لم تُسعفه على تجسيدها، دائما، من على خشبة المسرح، مكانه السحري. عشقه العميق لهـذا البيت أخذه، في ظروف الضغوط والملاحقة، إلى أن يذهب برفقة صاحبه علي فوزي، قبل مغادرتهما العراق مطلع 1979 ، ليلقي، كما كتب مرة، نظرة وداع على بناية مسرح وطني لم يُفتتح بعدُ.، وليدرك، بمرارة، فيما بعد، أنه لن يراه. وفي مشوار وداعه ذاك لما يحب ظلت تستغرقه لحظات صمت موجعة وهو يلقي نظرة أخيرة على غرف وصالات فرقته، فرقة (مسرح اليوم)، أو عندما عرج، في المشوار نفسه، على مسرح بغداد ليرى تمارين كانت تقوم بها فرقة (المسرح الشعبي)، على مسرحية (رقصة الأقنعة) لشاعرنا (شاكر السماوي)، وباشراف المخرج وأستاذ المسرح الراحل (جعفر السعدي). كان غيرُ القليل من فناني الفرقة والفرق الأخرى قد شرعوا، آنذاك، بالاختفاء أو مغادرة البلاد. وقد أخذه أستاذه السعدي، جانبا، ليهمس له مُشيراً إلى طاغية الأمس : "إنه يحرق العراقَ، والمؤلم يا منذر أننا لا نستطيع إطفاء الحرائق". هل نستطيع نحن أن نطفئ ما قد يأتي من حرائقَ، ربما؟.هذا البيت الروحي ـ الفني، المسرح، الذي يظل فيه لمنذر حلمي، ممثلا، أثرٌ ومكانة، ثابر الراحل على حمله معه في المنافي المختلفة، يجد فيه سكينتَه وسكنَه.هل كانت تتراءى له صورة ذلك الحمال النحيل الذي شاهده في سوق (الشورجة)، وهو طفل، ينوء تحت أعباء ما يحمل، ويكاد ينكسر تحتها؟. مشهد الحمال ذاك كان أول دور يرتجله الطفل حالَ عودته إلى منزل العائلة.قلت في تكريم (منذر حلمي) قبل أكثر من عامين، في برلين، أنه ممثل يمتلئ بدوره ويمتلئ دوره به. وهو امتلاء يصعُب تحققُه دون اشتغال الفنان، مثلما ذكرهو مرة، على الشخصية التي يجسدها لاكتشاف دلالاتها، تناقضاتها ومستوياتها المتعددة، نفسيا وثقافيا واجتماعيا، مستدرجا إياها كي تغادر النص وتذهب معه إلى الحياة. كان منذر ، فيما شاهدته له من أدوار، يأخذ شخصياته، ويأخذنا معها، إلى الحياة حقا، الحياة الواقعية، حتى لو كانت تلك الشخصيات من عوالم وثقافات وأزمنة أخرى.بيته الآخر فكري ـ سياسي ، وقد ذهب أبو سلام إليه منذ منتصف الخمسينات أيضا، ولم يجده في غير اليسار، والحزب الشيوعي تحديدا. لم تأخذه الأيديولوجيا إليه وإنما رأى فيه ما لم يره في غيره من اقتراب لحلم الفنان فيه ولمشروعه الثقافي ـ الاجتماعي، والحضاري. لقد رأى في وقوفه مع الحزب، حتى دون انتماء له، وقوفاً مع النفس وحلمها هذا. وهكذا صاحبه، وهو ما يزال فتىً، وظل وفيا لصحبته معه، حتى وهو يختلف معه في أمر هنا وشيئ هناك، أو يتعرض لحيف، مرة، من هذا أو ذاك. ولم يُغير عنده من هـذه الصحبة أن الأحوال قد تغيرت طوال سني اغترابه التي زادت على الثلاثين)


توفي منذر حلمي وبقي تراثه الفني وتاريخه الابداعي وسلوكه الاخلاقي ، دروسا ، في الوطنية والانسانية ، والفنية ، فقدناه زميلا ، ومعلما ، وعراقيا شهما ، ومتاضلا صلبا ضد الدكتاتورية والظلم والاستبداد ، الذكر الطيب لفقيد المسرح العراقي ....

قــاســم حســن
فنــان وإعلامي - هولندا

http://www.sotaliraq.com/

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية