مواضيع للحوار

قلة العارفين أم ضعف المؤسسات العربية أم تخلف الرواية أم ندرة المترجمين

قلة العارفين أم ضعف المؤسسات العربية أم تخلف الرواية أم ندرة المترجمين

2054 مشاهدة

قلة العارفين أم ضعف المؤسسات العربية أم تخلف الرواية أم ندرة المترجمين؟

 

يحاول هذا التحقيق أن يتلمس إجابات بعض الروائيين العرب من مصر

وفلسطين وسوريا والمغرب، حول صدى ترجمة روايتنا العربية التي أصبحت

في لغات قومية أخرى من خلال ما ترجم لهم من أعمال، ومعرفة الطريقة التي

ترجمت بها رواياتهم ومفاصل أخرى ستأتي لاحقاً.

 

شارك في هذا التحقيق:

 إبراهيم نصرالله(فلسطين/عمان)،أحمدالمديني(المغرب)، هالة البدري(مصر)، جمال ناجي (فلسطين عمان)، نهاد سيريس (سوريا)

توجهنا لهم أولاً بالسؤال الآتي:

 حدثنا (أو حدثينا) عن تجربتك الخاصة في ترجمة رواية لك إلى لغة قومية

 أخرى، كيف تمّ ذلك ومن الجهة التي نشرتها، وما هو صدى هذه الترجمة؟. وفي رأيك بصراحة لماذا لا نسمع صدى طيباً واسعاً حققته رواية عربية ترجمت للغة قومية أخرى؟

الروائي إبراهيم نصر الله «فلسطين/عمّان» وفي ضوء أنه قد ترجمت له أكثر من رواية يبدأ إجابته بالقول: لا أستطيع أن أتحدث عن رواية بعينها ترجمت لي، فهناك ظروف مختلفة لترجمة كل رواية، ففي الوقت الذي لقيت فيه روايتي الأولى «براري الحمَّى» استحساناً كبيراً من مؤسِّسة « مشروع بروتا» لترجمة الأدب العربي بإشراف الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي، وجدت د. الجيوسي صعوبة في إيجاد دار نشر للرواية، فقد كان الرد دائماً « إنها رواية جميلة ولكنها حديثة جداً وقد تكون صعبة على القراء!» إلى أن نشرتها عام 1993 دار «إنترلينك» في نيويورك. ولا أظن أن الرواية حققت الانتشار المطلوب، لكنها قوبلت باحتفاء كبير من النقاد الناطقين بالانجليزية، وبعد سبع عشرة سنة من نشرها (في العام الماضي)، اختارتها الغارديان البريطانية كواحدة من أهم عشر روايات كتبها عرب أو أجانب عن العالم العربي». وإن كان هذا الاعتراف البارز بالرواية من وجهة «نصر الله» جاء متأخراً، لكن الرواية وفق ما يقول «حققت شيئاً ما، كما حققته أيضاً حينما نشرت في الدانمرك، حيث اختيرت كواحدة من أهم خمس روايات عالمية مترجمة إلى الدنمركية عام صدورها. لكن ترجمتها الإيطالية ظلت في حدود الانتشار العادي، عكس آراء النقاد الممتازة». أمّا بخصوص روايته الثانية «مجرد 2 فقط» التي ترجمت إلى الإنجليزية والتركية والإيطالية تحت عنوان «داخل الليل» يشير نصر الله إلى أن «أفضل انتشار كان لها بالإيطالية، إذ كانت على مدار أسابيع من أفضل الكتب مبيعاً، لكنني لم أتتبع حركتها في الطبعتين الأخريين، أما الطبعة الإنجليزية فقد وصلت إلى القائمة القصيرة قبل عامين، لأفضل كتاب مترجم للإنجليزية من العالم العربي والإسلامي«.

الترجمة بالمصادفة

 

 الروائية هالة البدري «مصر» التي ترجم لها قصص كثيرة قبل أن يترجم لها رواية، وتمت إلى العديد من اللغات، لا تخجل من القول بصراحة أن «معظم تلك الترجمات جاءت بالمصادفة البحتة، كأن تقوم إحدى الباحثات بترجمة قصة إلى لغتها أثناء بحث لها للحصول على الدكتوراه في الأدب العربي المعاصر، أو أن أكون في زيارة لاحد البلدان وان يريدوا تقديمي فيترجموا قصة، أو أتعرّف على إحدى الصحفيات أثناء زيارة لجامعة ما فتطلب ترجمة قصة، كما ترجمت جريدة «الأهرام ابدو» عدداً لا بأس به من القصص لنشرها. وكذلك فعلت جريدة «الميدل ايست». وهكذا ترجمت قصصي إلى الإنجليزية والفرنسية واليونانية والإيطالية والرومانية. وتضيف «كنت أواجه لمدة طويلة بأسئلة عن وجود مسألة الختان في أعمالي أو عنف ضد المرأة المسلمة أو العربية، وحين كنت أقول: لا أنا أكتب مشاكل المجتمع كله ولست متعصبة للنساء، كان المترجمون يذهبون بلا عودة. ثم أعجب المترجم المصري الأمريكي فاروق عبد الوهاب وهو ناقد وأستاذ الأدب العربي بجامعة شيكاجو بروايتي «منتهى» وقرر ترجمتها لدار نشر الجامعة الأميركية بالقاهرة لكن الجامعة كان لديها عدد من الكتاب الذين تحتكر كتاباتهم، التي تقف في طابور انتظار للمترجم فتكرر الإرجاء ثم وافقوا ولكن بشرط أن يترجم روايتي «امرأة ما» أولاًً لأنها حازت على جائزة أفضل رواية في تلك السنة، وحصلوا على حق الترجمة لكل اللغات وفقاً لعقد نجيب محفوظ، وطبعاً قيل لي هكذا فعل محفوظ فوقّعت العقد ثم قامت الأمريكية «نانسي روبرتس» بترجمة روايتي «منتهى» إلى الإنجليزية. ثم لاحت فرصة أخرى في مشروع الهيئة المصرية العامة للكتاب لترجمة الأدب المصري، فأخذوا رواية »منتهى» وترجموها إلى اليونانية ثم وقّعت عقوداً لترجمة «منتهى وامرأة ما» إلى الفرنسية والهنجارية والإيطالية لكنها لم تصدر حتى الآن. «وتأسف الروائية البدري لأننا نحن الكتاب العرب .لا نعترف بأهمية الوكيل، ولا يوجد لدينا هذا النظام الذي يكفل للكاتب أفضل عروض النشر والترجمة» وتعزو البدري ما حظيت به من اهتمام إلى روايتها «امرأة ما» بالإنجليزية، فسببها « أصبحت معروفة عند عدد كبير من المهتمين بالأدب العربي خصوصاً في الجامعات ومراكز دراسات الشرق الأوسط على الأقل وهم يدعونني باستمرار لإلقاء محاضرات عن أعمالي في جامعاتهم كما صدرت العديد من الكتب البحثية تتناول رواياتي المترجمة، بالإضافة إلى تدريسها في العديد من الجامعات حول العالم.

  عالم متمرد واستيهامي

 يبدأ أحمد المديني « المغرب» إجابته بالإشارة إلى أننا «لن نختلف حول أهمية الترجمة ودورها في التعارف والتبادل بين الثقافات، والآداب جزء رئيس منها. وبَدَهي أن يتطلع الأدباء إلى ترجمة أعمالهم إلى لغات ثانية، ولا أقول عالمية، كما يردد ذلك صحفيون ناقصو عقل وهمة وطنية. فاللغة العربية ليست منقرضة، والمفارق أن صغار الكتاب لدينا هم الأشد بحثاً عن ترويج أنفسهم في الخارج، في حين أن بضاعتهم في الداخل بائرة. أمّا أول رواية ترجمت له فقد تمت ، بإيعاز من الكاتب والروائي الإسباني المعروف »خوان غاوتي سولو»، الذي اقتنع بروايتي «الجنازة» التي صدرت عن (دار قرطبة، الدار البيضاء،1987) كنص سردي مجدد في العربية، بناء على توصية قراءة قام بها أديب متخصص، وكتب هو مقدمة للرواية في ضوء اطلاع على فصل مترجم منها، أبدى فيه إعجابه بهذا العمل الذي هو عنده يزاوج بين تطوير آليات السرد والتمثيل والتعبير، والرؤية الناقلة لعالم متمرد واستيهامي ومخترق لحدود الكتابة. هذا التوصيف لرواية عربية تترجم إلى الإسبانية(منشورات القبلة،مدريد،1987) اعتبره المديني «شيئاً رائداً آنئذ، وقد لقي الكتاب صداه في إسبانيا،في الوسط الأدبي، وباعتماد الرواية أكاديمياً، بل فتح الطريق بعد ذلك، لترجمات لاحقة لي ولغيري من أدباء بلادي والعربية. وعموماً ينبغي أن نعلم أن وراء كل عمل منتشر، فضلاً عن قيمته الخاصة، ما يرافقه من أدوات التعريف والتعميم، في الداخل والخارج. إن الموهبة والنبوغ وحدهما لا يكفيان، وكم نجدهما يعوزان كتّاباً تحقق لهم الانتشار، لكنهم وجدوا من حولهم إلى بضاعة نافقة، فيما هي كاسدة!.

عدم اهتمام

 

 ويوصف نهاد سيريس «سوريا» المسألة قائلاً « ببساطة اتصلت بي إحدى دور النشر السويسرية وهي بالتحديد دار نشر «لينوس فيرلاغ» وهي الدار نفسها التي نشرت ترجمات إلى الألمانية للعديد من الكتاب العرب، أمثال «نجيب محفوظ، الطيب صالح، علاء الأسواني، وغيرهم». وطلبت مني الدار شراء حقوق نشر روايتي «الصمت والصخب» باللغة الألمانية وهكذا تم الأمر حيث أنهم قاموا بالاتفاق مع المترجمة وصدرت الترجمة قبل ثلاثة أعوام. ويضيف «إنهم يقومون الآن بترجمة الرواية نفسها إلى الفرنسية والايطالية». وبالنسبة للصدى يعتقد الروائي سيريس «إنه متوسط. فقد زرت الدار في بازل بسويسرا في الصيف الماضي وكانوا مرتاحين نوعاً ما للمبيعات، وعندما سألتهم عن المؤلف العربي الأكثر مبيعاً عندهم فأعلموني إنه علاء الأسواني». وعن عدم تحقيق رواية عربية صدى طيباً يشبه ما تحققه الروايات المترجمة للعربية يجيب باستغراب «أنا أيضاً لا أعلم بالضبط لماذا وكنت أطرح على نفسي مثل هذا السؤال، فقد أدهشني أن غارسيا ماركيز يبيع أضعاف مضاعفة لما يبيعه نجيب محفوظ في العالم رغم أن الاثنين حصلا على جائزة نوبل، وأكثر من ذلك فان رواية «عدّاء الطائرة الورقية» للأفغاني »خالد الحسيني» قد باعت أضعاف ما باعه كل الروائيين العرب المترجمين إلى اللغات الأخرى حتى الآن. ربما يكمن السبب في أسلوب كتابتنا للرواية نحن الروائيين العرب أو ربما في عدم اهتمام القارئ غير العربي بعوالمنا أو بثقافتنا بشكل عام.

لا امتياز في الترجمة

الروائي جمال ناجي «فلسطين / عمّان»: لم يترجم لي سوى رواية واحدة في العام 1983 وهي رواية «الطريق إلى بلحارث» التي ترجمت إلى اللغة الروسية، عنها يقول «لقد تم ذلك إثر مشاركتي في مؤتمر اتحاد الكتاب الأفرو آسيوي الذي عقد في كل من موسكو ومدينة «فرونزه» في «قرغيزيا»، ولا أدري منذ ذلك الحين ما إذا أعيدت طباعة الرواية المترجمة مرة أخرى أم لا. أمّا على صعيد القصص القصيرة فقد ترجمت لي عدد من هذه القصص إلى اللغة الإنجليزية وهي «حوار، النباح، السترة السوداء، العلبة» وجميعها نشرت ضمن مجموعة «رجل خالي الذهن» التي صدرت العام 1989، كما ترجمت إلى الإنجليزية أربع قصص قصيرة من مجموعة «رجل بلا تفاصيل» وهي «الديك الآخر، المنذور، حب، وشوط الخطأ»، ثم ترجمت قصص «السترة السوداء والمنذور» إلى الألمانية، وسمعت دون أن أتأكد بأن عدداً من قصص مجموعتي «ما جرى يوم الخميس» قد ترجمت إلى الإيطالية» واللافت في ترجمة قصص جمال ناجي القصيرة أنها كما يقول «قد تمت من دون الرجوع إلي ومن دون إذني كمؤلف، على الرغم من أنني لا أمانع في تلك الترجمات، أما عن رأيي في مسألة ترجمة الأعمال الروائية والقصصية العربية إلى اللغات الأجنبية فيمكنني القول بأنها قائمة في غالبيتها على العلاقات، كما أن الترجمة لا تمنح الكتاب المترجم أي امتياز إلا إذا كان ذا قيمة فنية وأدبية عالية بلغته الأصلية ولا أخفيك أن صدى الترجمة ليس بالشكل المطلوب وربما يعود ذلك إلى ضيق مساحة توزيع الكتاب المترجم في البلدان الأجنبية، وبالنسبة لروايتي الوحيدة التي ترجمت إلى الروسية «الطريق إلى بلحارث» لا أدري ما الذي حدث بشأن توزيعها، فقد انهار الاتحاد السوفياتي، وربما اختفت الترجمات التي تمت في تلك المرحلة.

القارئ الغربي لا يختار

 

 ومن في رأيكم المسؤول عن عدم حضور الرواية العربية المترجمة كما يحدث لدينا مثلاً لما يترجم من آثار أدبية من أمريكا اللاتينية أو غيرها؟ وما دور وزارتي الثقافة والإعلام في تحفيز ترجمة الأدب العربي للغات قومية أخرى؟ لا يرى سيريس أن أحداً مسؤولاً عن ذلك غير الكتّاب أنفسهم، «فالكاتب العربي يحشو روايته بكلام كثير وزائد ولا يهتم بالحبكة الروائية وبالمعارف الضرورية وغيرها. الرواية كما يحبها الغربي اليوم يبنيها كتّابها بالمعارف المختلفة والمعمار الجيد وليس بالبلاغة. القارئ العالمي اليوم يقرأ «ثلاثية الألفية» للكاتب السويدي «ستيج لارسون» بنهم ترجم الجزء الأول منها إلى العربية بعنوان: (امرأة لا يحبها الرجال) رغم أن عدد صفحاتها يتجاوز الألفي صفحة وقد ترجمت إلى معظم اللغات العالمية».

 وهل ستنجح هذه الوزارات في جلب القارئ العالمي إلى أدبنا المترجم؟

يشك الروائي سيريس في ذلك ويرى أن «هناك تجربة في الخليج حيث أنهم يقومون بترجمة أهم أعمالهم العربية إلى اللغات الأوروبية ولكن التجربة غير ناجحة حتى الآن. القضية محصورة بالكتّاب وليس بالوزارات فالقارئ الغربي مثلاً لا يختار الكتاب الذي سيقرؤه إلا وفق ذوقه.

تمويل شركات السيارات

 دور النشر العربية تبخل في نظر الروائي «المديني» حتى على الإعلام بنسخة مما تصدر، ولذلك يتساءل «كيف ستسعى إلى تخصيص ميزانية للإغراء بترجمة أعمال كتّاب هي من يساومهم على الدفع للنشر، فأي مهزلة؟!

كل عمل يُعرف خارج الحدود ليس وراءه اليوم الصدفة ولا الإعجاب، ولكن ماكنة من المعاملات والملابسات، أقول إنها أحياناً ضرورية، لأنها تدبير مؤسسات، وأقول، أيضاً، أحياناً يندى لها الجبين، طبعاً لمن له جبين».

 والمديني يجد من السهل هنا توجيه العتاب إلى وزارة الثقافة في أي قطر عربي، وإن كان يفضل «أن تنصرف هذه الوزارات أساساً إلى رعاية الشأن الثقافي الوطني، وأن تقوم هي بما في وسعها لدعم الجهات أو المؤسسات التي ينبغي أن تبادر إلى فعل الترجمة، إلى التعريف بآدابنا، وإلى تشجيع دور النشر الأجنبية، التي لا تتلقى تعليمات من الدول، بوسائل شتى، على استقبال منتوج الثقافة العربية. وللقطاعات الوطنية الخاصة أن تسهم في هذا المجهود، فهل تعلمون أن كثيراً من الأعمال الإبداعية العالية، والأنطولوجيات، ألمانية ويابانية، تمول ترجمتها من قبل شركات سيارات وغيرها من هذه البلدان، وهي ذاتها التي ترصد ميزانيات للجوائز والمهرجانات، وبالطبع لدعم الكتاب، يا أولي الألباب! ».

عدم اعتراف بالرواية  المسؤول في نظر الروائي جمال ناجي هو «المؤسسة الرسمية العربية المعنية بالثقافة أولاً لأنها لم تتعامل مع الرواية العربية بالجدية اللائقة حتى الآن، وثانياً المؤسسات العربية الثقافية الأخرى التي أخذت على عاتقها ترجمة الأعمال الأجنبية إلى العربية من دون أن تقوم بالمقابل بترجمة الأعمال العربية إلى اللغات الأخرى وكأنها بهذا تعلن عدم اعترافها بالرواية العربية». كما يعتقد ناجي أن «ترجمة الأدب العربي يفترض أن تكون من مهام وزارة الثقافة في كل بلد عربي إلى جانب المؤسسات الأخرى، لكن وزارات الثقافة العربية لم توسع آفاقها حتى الآن ولم تتجاوز حدودها المحلية أو العربية في أفضل الأحوال، مع أننا نعيش في عالم منفتح متصل، والأدب العربي يستحق التفاتة نوعية مختلفة من قبل الجهات المسؤولة التي تدير حوارات فكرية وحضارية مع الشرق والغرب من دون أن يقرأ أو يعرف هذا الغرب أو ذاك الشرق ما لدى ثقافتنا العربية من نتاجات أدبية أو فكرية، لا أدري على ماذا يتحاورون؟.

 الروائية البدري ترى أن الاهتمام الذي يقصده السؤال «يحتاج إلى جهد آخر غير متوافر، لأنه لكي يتم توزيع كتبنا بشكل عالمي لابد أن تطبع دار النشر 60000 نسخة كحد أدنى وما يحدث هو طباعة بين 2000 و3000 نسخة في الطبعة الواحدة مما يجعلها شديدة المحلية. كما ترى أن صناعة النشر خارج الدول العربية «عملية كبرى، نحن لا نملك منها إلا صناعة هزيلة لا تقوم بالدعاية الكافية كما أن الإعلام لا يساهم في تقديم الكاتب باعتباره رمزاً بل يهمشه تماماً، فكيف تنتظر من الآخرين أن يلعبوا دورك؟. ومع هذا حين أرى عدد الطبعات التي نالتها روايتي »امرأة ما» بالإنجليزية وأقارن بعدد طبعاتها بالعربية أتحسر على لغتنا الجميلة ومعدلات القراءة عندنا، لأنني أريد أن أُقرأ في عالمي أولا؟.

مظلة اللغة الأخرى

ويسجل الروائي نصر الله ملاحظة أساسية في قوله «الكتب المترجمة من العربية للإنجليزية أو للغات الأخرى لم تحقق الانتشار الذي يمكن أن تحققه رواية كتبها عربي بالفرنسية مباشرة أو الإنجليزية، مهما كان حجم توزيع الرواية المترجمة. ويبدو أن الانضمام للغة والكتابة تحت مظلتها أمر مختلف تماماً» والمشكلة الأساسية للرواية العربية في اعتقاده من الصعب الحكم عليها من دور النشر الأجنبية «لأن اللغة العربية لغة غير منتشرة كالإنجليزية، في حين أن كتاباًً بالإنجليزية يمكن أن يُرسل مباشرة لدار النشر وتعطي رأيها فيه. في حين لا يستطيع الكاتب العربي أن يعتمد ويطمئن لآراء بعض (الخبراء) العرب أو الأجانب الذين تستشيرهم دور النشر الأجنبية أحياناً، فهناك شللية قاتلة، وهناك استبعاد تام لكثير من الأدب المكتوب في بعض البلدان العربية وتركيز على أدب بلدان أخرى. وهذا الأمر يمكن أن نلمسه بوضوح في دور نشر أجنبية للعرب علاقة مباشرة فيها. في ظني أن الترجمة لم تتفوق على الطبعات العربية من الكتب التي تترجم إلا نادراً. أما الملاحظة الأخيرة، فهي أن الكاتب العربي وحيد في هذه المعادلة، ومن الصعب أن نعول على وزارات الثقافة لأن الجانب الرسمي يعمل على إقصاء وخنق الكاتب المختلف عنه أو المعارض له داخل البلد نفسه، فكيف سيروِّجه.

واختتم نصر الله كلامه برسم إشارة تعجب تضاهي أصغر نخلة «حين ولد مشروع ذاكرة المتوسط كان يهدف إلى ترجمة الكتب المختارة إلى ست لغات أوروبية في الوقت نفسه، لكن المشروع توقف، وأعرف هذا من بعض المشرفين عليه، لأن أي وزارة أو سفارة عربية لم تتقدم لشراء حتى نسخة واحدة من كتاب لأحد رعاياها الكُتّاب.

 الترجمة تواصل معنا

لماذا تغيب هذه المسألة عن شواغل كل مؤتمر ومهرجان عربي يقام للرواية العربية؟

وفي المحصلة ما أهمية أن يترجم أدبنا العربي للغات قومية أخرى شرقاً وغرباً؟

سيريس يقول باختصار عن الشق الأول من السؤال «بصراحة لا أعلم»، وعن الشق الثاني يجيب «الترجمة طبعاً عملية هامة جداً، فكل من قرأ نجيب محفوظ من القراء غير العرب، استطاع أن يفهم عالمنا وثقافتنا وتواصل معنا بشكل أفضل. إنها العولمة ويجب أن يكون لنا مكاننا فيها وإلا انقرضنا«.

تنفي هالة البدري غياب هذه المسألة عن المؤتمرات وتدلل على ذلك بـ «وجودها في مؤتمر الرواية 2010 في القاهرة، وفي مؤتمر الترجمة 2009 في القاهرة ومؤتمر الترجمة 2009 في بغداد، هذا على حد علمي البسيط في الفترة الأخيرة فحسب. وربما تكون هنالك مؤتمرات أخرى كثيرة لم أسمع بها والموضوع على أهميته يحتاج إلى مواجهة حقيقية مع المشكلة في صناعة النشر وتطويرها وإيجاد جيل من المترجمين يقود هذه المهمة. فلقد سمعت عشرات الحكايات عن ندرة المترجمين الجيدين فما فائدة أن تترجم أعمالنا بلغة ركيكة يرفضها الآخرون عند نشرها؟ وقد لاح بعض الأمل بعد أحداث سبتمبر إذ أقبل عدد كبير من الشباب الأمريكي على دراسة اللغة العربية بعد أن لوحظ اتساع الطلب على المترجم إلى العربية لفهم ما يحدث من تطورات في العالم العربي والإسلامي ودراسة القرآن لمعرفة ما يتصورونه عن جذور الإرهاب بعد أن خلقوا بعباً جديداً بديلاً عن الإتحاد السوفيتي. وقد شاهدت بنفسي أعداداً وفيرة في الجامعات الأميركية وأخبرني أصدقائي في لندن وباريس بالمعلومات نفسها عن الدول الأوروبية». أما أهمية الترجمة من وجهة نظرها، (رغم تعصبها للرواية) فهي «وسيلتنا الحقيقية ليقرأ العالم منتج من أهم المنتجات التي ينتجها الآن العرب بعد أن تراجعت العديد من المنتجات الزراعية والصناعية والفكرية والفلسفية والرياضية وباقي المنتجات عموماً. نحن الآن تقريباً لا ننتج بتفوق إلا الإبداع الأدبي خصوصاً في الرواية. والرواية تعكس صورة لمجتمعاتنا الحقيقية من دون زيف وتعكس حضارتنا العظيمة بكل تناقضاتها وبؤسها أيضاً كما أنها تعكس الصورة الشعبية بقلم ناسها وتكتب التاريخ الحاضر وليس التاريخ المزيف أو بقلم السلطات والحكومات، أي أن الرواية تقدم صورة صادقة لشعوبنا بأقلام فنانين ولغة بديعة حتى لو ترجمت وضاع بعض آثارها يبقى الأدب أهم منتج فكرى. كما أن ترجمة الأدب تثبت أن الإنسانية هي الرابط بين كل الشعوب وليس المصالح أو محاولات الاحتكار فحين ينزوي إنسان صيني برواية عربية ليشارك أبطالها حياتهم فهذا معناه أنك خلقت بينه وبين هذا الإنسان رابطة أقوى من كل ما تفعله الدبلوماسية التي تختفي وراء مداهناتها المصالح الخفية وإن صدقت«.

وإن كان جمال ناجي ينفي غيابها عن المؤتمرات، لكنه يرى «ان المشاركين في المؤتمرات والمهرجانات يوصون بضرورة ترجمة الأدب العربي إلى اللغات الأخرى» وبسخرية يتابع «كثيراً ما(أوصى المشاركون) ثم انفض سامرهم ولم يتذكر أحد ما أوصى به. لم أعد مقتنعاً بجدوى توصيات المؤتمرات والمهرجانات لأنها تحولت إلى مكملات بروتوكولية لا تحظى بأي نوع من المتابعة أو الاهتمام بعد اختتام المؤتمر أو المهرجان» وهو يعتبر أن «الترجمة وما تحتويه جزءاً من الهوية الثقافية العربية التي تشتمل على الآداب والفنون والمعارف والأفكار وأساليب العيش… الخ، وهي الضمانة التي تسمح للثقافة العربية بالجلوس على مائدة الثقافة العالمية والتأثير فيها«.

ويؤكد نصر الله أيضاً أن توصيات المؤتمرات «ليست أكثر من حبر على ورق، ليست في المؤتمرات الأدبية فقط بل وحتى العلمية، وكل ما له هذه الصفة أيضاً. ومن المؤكد أننا جميعاً كتّاباً وقراء نتمنى أن تأخذ التوصيات طريقها إلى حيز التنفيذ. أما أن يترجم أدبنا، فهذا يعني أن يُقدِّم الصورة الحقيقة لبشر يحبون ويحلمون ويتوقون للحرية، بعيداً عن الصورة النمطية التي هي بالتأكيد جزء من عدم الإقبال على كتبنا

  سمسرة

ويتقاطع معهم د. المديني بأن شاغل الترجمة غير غائب عن الملتقيات الأدبية العربية. ويسجل المفارقة الآتية «إنه يكاد يصبح الشاغل الأول للحضور، فأنت لو حضرت مؤتمر القاهرة للرواية لوجدت الروائيين، ومن في حكمهم، يهتمون أول شيء بملاحقة بضعة أجانب من دارسين ونقاد ومترجمين أجانب، من المدعوين، هم أنفسهم دائماً وأبداً، ولرأيت مشاهد مفرطة، في القاهرة وعواصم أخرى، تثير الشفقة على كتابنا الذين يتمسحون بهؤلاء ويزجلون لهم في المديح، ويحملونهم ما لا طاقة لهم به من الكتب، وما لا يستحقونه في الغالب. أما المترجم لهم فهم يمشون في أبهاء المؤتمر كالطواويس، ولا يسأل الواحد منهم هل قُرئت روايته، أو دُرست في أي بلد عربي، وإنما هل ترجمت أو ستترجم، ما هَمَّ أنها من َسقْط المتاع؟!

دعني أختم بما هو أليق، فأقول إن الترجمة عملية جدية، يحلو لي أن أمارسها أحيانا، تتطلب الأهلية، والاختصاص، والمسؤولية، وتوافر المؤسسات المحترفة، والمبادرات الخلاقة، وأن تعمد الجهات القادرة، المؤهلة، باعتماد معايير ثقافية إبداعية ونزيهة، وأن تؤمن خاصة بقيمة الثقافات واللغة الوطنية وأهمية حضورها في المجال العالمي بندّية كاملة . وما عداه، شغل هواة، وسمسرة، وفرط نرجسية وزيف،هو غُثاء السيل.

 

عن المحلق الثقافي - جريدة السفير 29/4/2011

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية