مواضيع للحوار

قول ما لا يقال 1 ... بقلم محمد بدر حمدان ...

قول ما لا يقال 1 ... بقلم محمد بدر حمدان ...

1993 مشاهدة

منذ وقت و أغنية و بعض كلام ، يطالبني الذين أحبوا حواري بالعودة إلى كتابة زاويتي في الجريدة المحلية. و تحية لهم هاأنذا أفعل .
و منذ مسافة و ألوان و بقايا أحلام قررت كتابة زاويتي المفضلة)لوحة و فنان ( و الذي أعاد ذلك إلى الحضور والاهتمام هو الذين أحبوا حواري في مساحة الفن التشكيلي والذين لم يحبونه أيضا. و تحية لهم دون استثناء. آمل أن يبدأ نشر الزاوية .
إن النقد نصّ مواز للعمل الإبداعي الذي نقوم بنقده و هناك فرق شاسع ما بين النقد و الانتقاد. ذلك أن النقد لا يحتمل مقولات كثيرة يحملها الانتقاد بين جنباته المزاجية و التي تحمل نظرة من زاوية واحدة في كل الحالات .
على العكس يأتي النص النقدي مكتملا و يكشف ضوء جميع الزوايا و يسلّط عينيه على كل احتمالات العمل الإبداعي ولا يتخلله شوائب انتقاديه تكون في أغلبها انطباعا أوليا زائفا و زائل .
لم نكن فيما مضى نكتب نقدا بل كان نوعا من تسليط الضوء على أعمال فنان نعيش معه و يرسم بيننا و كانت الغاية هي إلقاء تحية هنا و سلام هناك و لم نكن نقصد المديح أو الذم و لا أردنا الرفض أو القبول و لم تكن الكتابة عن العمل بقصد إرضاء فلان و تجاهل الآخر إن هذا يندرج في أبواب الانتقاد الضيقة و ليس النقد .
لا يستطيع أحد أن ينصّب نفسه قاضيا على الإبداع. ولا يستطيع أحد أن يحاكم و إذا أراد ذلك فسيكون جالسا في كرسي الانتقاد، لأن الزمن و حوار الحضارة كفيل و متكفل بمحو كل أثر حقيقي و هذا هو عرش النقد. بمعنى أن النقد مثل العمل الإبداعي هو زمن لكل الأزمنة .
و لكن .. ثم و لكن :
كيف لي أن أقرأ في عالم الفن التشكيلي و تجليّاته البصرية و أنا أحمل قلم الناقد و ليس مبضع المنتقد، كما اعتاد الجميع أن يفعلوا، إلى ذلك أيضا يكون الفنان المبدع أقلّ سويّة بكثير من عمله الفني حين يرغب حوارا مادحا طنّابا طنّانا ولا يترك للمحاور سلفا حرية الحوار و القبول و حتى اختيار فنان آخر بمعنى حوار مختلف .
إن أغلب الذين قدمتهم معارض المناسبات و المهرجانات وحتى الأكاديميات في معظم خريجيها، لا علاقة لهم بالفن و ينتحلون صفة فنان ، ذلك إن أقل ما نقوله في الفنان: إنه الحاضر الذي يحتضن الزمن بضفتيه . و هو الذي يحمل رسالة بين كتفيه لم يحمّله إياها أحد. و لا يكون الفنان مزاجيا بمعنى الذات الوقتية إنه اختيار صحيح للزمان .
إن الذي يزيد بلل الطين هذا الحجاب السميك من الجهل البصري و عدم التواصل و التقوقع حول و ضمن مفاهيم تكون بأوسع حالاتها أضيق من ثقب الإبرة و الجهل المجيد بحالاته المتشعبة و يملأ المكان .
لقد ساهم التجاهل وعدم القدرة على حوار الفنون القادمة من مسافات و مساحات مختلفة و أزمنة هي لها إضافة إلى أمية بصرية مزدانة بكل أقانيم التسطيح و الموروث و إشكالاته إضافة إلى أحادية الحلم والرؤيا بتكريس أسماء لا تمت بصلة إلى عالم الإبداع و هي مع مرور الوقت والمهرجانات و التحيات قد أصبحت طبولا تصدر ضجيجا و تثير غبارا يزيد من عمى العين و الأسوأ من هذا بمجمله و تفصيلاته، هو أن هذه الفزاعات الفنية أصبحت تمتلك انتقادا ما نستطيع تشبيهه بالنعيق مع كل الاحترام لجمال الغراب وصوته .
هناك جانب هام يجب أن نتحدث عنه بجدية واهتمام و بكل موضوعية ألا وهو الجانب الإعلامي في هذه المسألة حيث وصلنا إلى عجالة صحفية بالصوت و الصورة والكلمة لا تميز بين تغطية الخبر الذي هو افتتاح المعرض مثلا و بين الحديث عن ما قدمه المعرض من الزاوية النقدية وبين ما يريد الفنان أن يقوله و أصبحت هذه البرقية الإعلامية تشتمل كل ما سبق و تكون بمثابة الضربة القاضية لكل من الحدث المراد تغطيته و للمادة المنشود نشرها و للقارئ المتلقي الذي اعتمد هذه الوسيلة أو تلك .

ولكن .. ثم و لكن :
كيف لي أن أقرأ في عالم القصيدة التي هي شكل من أحوال التشكيل في نظري و على منبر الشعر هذه المرة يتربع المطربون الجدد وهم لا يجيدون فك الحرف و بعد مجموعاتهم الأولى ( إذا كانت تستحق هذه التسمية ) تجد أنهم قد أسقطوا من قواميسهم ( الفارغة أصلا ) أسماء كبار الشعراء الذين أقل ما يقال فيهم أنهم حافظوا على اللغة و أوصلوها إلى كامل أطياف الأرض .
وهم لا يختلفون ( أولئك الندّابين الجدد ) عن أشباههم في الفن التشكيلي الذين يرسمون على صفحات الأثاث المنزلي و ينقلون لوحات تجارية بشكل ببغاوي ينقلونها حتى بأخطائها لأن القادم من هناك مطلق الجمال في نظرهم وهذه أهم متاهات الشعور بالنقص .
إن الفنان التشكيلي مساحة لا حدود لها و كل الأقلام النقدية تأتي بعد أعماله وهو الذي يحرّض قلم الناقد ويكون حريصا على حواره بكل أبعاد الحوار ودلالاته الفكرية. و أود أن أؤكد هنا على أن المزاج الوقتي للفنان وضيق الأفق والثقافة قد ساهم بانحسار النقد وتراجع المسألة إلى زاوية ضيّقة وأحادية الرؤية و لا يمكن أن تساهم في بناء مقولة نقدية صحيحة ألا و هي الوجهان المتشابهان و أقصد المديح واللامديح .
إن ثقافة الفنان مسألة بالغة الأهمية. ذلك إنه الأساس الأول لكل الحضارات و مدنياتها. إذا قلنا بأن كل شيء يبدأ مرسوما بشكل من الأشكال في مدى تطور المعرفة البصرية.

الرابط الذي تم أخذ هذه المادة منه، نتمنى زيارتكم للموقع .

http://ghaith-a.com/archives/50381

 بقلم : محمد بدر حمدان

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية