أخبار أدبية

كانت اول زيارة لي الى دمشق قبل عشرين عاما بالضبط

كانت اول زيارة لي الى دمشق قبل عشرين عاما بالضبط

501 مشاهدة

كانت اول زيارة لي الى دمشق قبل عشرين عاما بالضبط

الفنان #كاظم _نصار

ح1

#حافظ القاضي

كانت اول زيارة لي الى دمشق قبل عشرين عاما بالضبط

استغرقت الرحلة على الطريق البري  اكثر من عشرين ساعة

كانت دمشق قد فتحت حدودها للتوأ فتوجهنا عصرا انا مع رفيقي في الرحلة وصديقي الفنان (#سعد محسن) الى

تجمع سيارات (حافظ القاضي) واستقلنا سيارة  كابرس

كانت الكابرس سيدة الجولات الطويلة والبعيدة

و كان سعدا يعيش اجواء نجوميته في مسلسل مناوي باشا الذي يعرض حديثا عدا عن خلقه ومرحه وحضوره واريحيته

لكننا وحدنا و( قليلو خبرة) ومذعورين والحصار ضرب في عمق  مفاصلنا وامامنا السائق الغامض  قليل الكلام والصامت مثل تمثال

عبرنا حدود مدينة الرمادي و المطر يهطل  والكابرس تتمايل   يمينا ويسارا

تماما مثل المشهد الاخير  للعاشق العجوز في نهاية فلم لوليتا بعد مغامرته العاطفية الفاجعة

ضغطنا على السائق العنيد الصامت الغامض ليقف

لكن المطر والصحراء والعناد واصوات الريح والزمهرير

زادت من عناده ...........و اخيرا توقف

والمطر مازال يهطل

لنكتشف في الظلام اننا كنا نسير بقدرة الواحد الاحد الذي لا اله سواه

 فبراغي التاير الامامي لم يبق منها الاواحدا او اثنين ويبدو انها تسربت في الطريق فالتة ومذعورة

وقفنا للبحث عن حل ولم نجد لكنه عالج هذا الطاريء وظل يمشي رويدا

الى ان وصلنا للمطعم بعد ساعات 

وكل هذا وسعد مستمر بالضحك

يقول كدنا نموت ياكاظم  ثم يضحك 

بعد كيلو مترات اخرى

دخلت على المشهد اصوات جديدة  بعد توقف صوت الريح

وهذه المرة اصوات غريبة لم نألفها

وفي الذروة الدرامية وقبل سقوط البطل التراجيدي

وامام اصرارنا لمعرفة مصدر هذه الاصوات توقف  السائق من جديد

وكشف لنا

عن ( صخلتين سود )

كان يضعهما في الصندوق الخلفي للكابرس

 يريد تقديمهما لصديق له هناك

وينفجر سعد بالضحك من جديد

ينظر للصخلتين المخطوفتين ويضحك

يضحك يضحك حتى 

نزلنا عند موقف السيارات بعد رحلة مرهقة  قرب مقام السيدة زينب

وبعد ان وضعنا حقائبنا عند اقرب اوتيل

هرعنا لملاقاة السيدة وزيارتها

فانفجر سعد الضاحك طيلة العشرين  ساعة الماضية ببكاء عنيف

سعد النجم الرقيق كنسمة والمهذب

يثير انتباه الزوار  المتواجدين ببكاءه المر

ذهبنا الى الروضة ولم نكن نعرف احدا هنا

انذاك لم يكن هناك  موبايل ولانت ولاتواصل اجتماعي ولاستلايت ولا اي وسيلة للتواصل

وعن طريق ابو حالوب التقينا الصديق الشاعر محمد مظلوم بعد غياب طويل

وبكرم وجمال احتفى بنا محمد ايما احتفاء كانه يشم فينا رائحة بغداد التي غادرها منذ سنوات وسرب لنا بعد ذلك قناعاته ورؤاه التي تشكلت في تجربته هنا ثقافيا واجتماعيا

ومن خلاله تعرفنا على جزء من دمشق وجبل قاسيون عدا هذا فمن الصعب ان تتجول اكثر في هذه الزيارة القصيرة

 كانت بغداد تعيش عزلة كونية

وبلغت بغداد ذروة الحصار حتى ادمنته وصار الحصار جزءا من ملامح سكانها

اما معرفتنا بما يجري حولنا فتتركز بالمعارف التي اطلق عليها لاحقا بثقافة الاستنساخ وبعض مما يصلنا من هنا وهناك

حتى ان معرفتي بسوريا وجغرافيتها لاتتعدى الخرائط المدرسية لكن الركيزة التي اعرفها ومتاكد منها تاريخيا هي العلاقة بين الشعبين وعمقها وحميميتها الاسرة

قبل ان اعرف ان اربع هجرات كبرى عراقية كانت وجهتها ومحطتها سوريا ومدنها عاش الناس هناك بوئام وعمق وصار لكل من هذه الهجرات تاريخ قصير وطويل من الاحداث والوقائع والعيش الاجتماعي والثقافي والسياسي  وتحولاته

وقبل ان اعرف ان العلاقة بين الشعبين انتجت مأثر ووقفات ...... كان الاهالي في مدينة دير الزور يضعون المؤونة الغذائية في الزورق ويدفعونها في النهر عسى ان تصل الى العوائل العراقية في الضفة الاخرى اثناء الحصار الاقتصادي الطويل

وقبل ان اعرف ان الطرب العراقي كان ماركة مسجلة في المدن السورية وكان مطربون مثل ناظم الغزالي و فؤاد سالم وياس خضر يغنون في هذه المدن والناس تستقبلهم مثلما تستقبل ابناءها العائدين من الغربة او الحرب

حتى ان شاعرا كبيرا مثل الماغوط ظل يضع اشرطة سعدون جابر في غرفته  ويستمع لها بشغف كلما احس بالوحدة واجتاحه الحزن

وقبل ان اعرف ان شاعرا  صديقا عاش تائها في عمان ودمشق لكنه قرر في يوم صباحي مشرق ان يزور اللاذقية التي يسمع عنها من رفاقه الجوابون للمدن

فرجاهم ان يذهب معهم للزيارة لساعتين ثم يعود الى دمشق

لكنه عندما نزل من الباص سحرته المدينة وتفاصيلها

فترك رفاقه

وظل هناك احدى عشر عاما بالتمام والكمال

البقية في البوست القادم