أخبار أدبية

كتب الدكتور جبار خماط حسن الزي والسلطة

كتب الدكتور جبار خماط حسن الزي والسلطة

530 مشاهدة

كتب الدكتور جبار خماط حسن الزي والسلطة

#الدكتور _جبار _خماط _حسن

#بوردا

#مدينتي

#الزي_والسلطة

مدينتي ( الثورة او الصدر ) تتصدر المدن في الازياء وقصات الشعر، معروف عنهم تواصلهم مع آخر موضات الزي وفنون قص الشعر وتنسيقه، ومن أشهر موضات الزي في مدينتي التي انتشرت في نهاية الثمانيات وبداية التسعينيات من القرن الماضي، كالنار في الهشيم (( بوردا )) او بورده بالمتداول اليومي، بنطال عريض من الأعلى الى الاسفل، على طول الأفخاذ والساقين، وأعتقد هو تطوير لموضة (( الجالرس)) التي اشتهرت في سبعينيات القرن الماضي، كنت انظر إلى أعمامي وبعض أصدقائهم في صور أسود وأبيض ، كيف لهذا الزي الذي يبدأ بقميص ضيق جدا، الذي يبدأ ضيقا على الأفخاذ ثم يأخذ العرض حتى يغطي الحذاء، إذ كلما نجح البنطال في تغطية الحذاء وكنس الطرقات بسبب خطوات الشباب السعداء، كلما زاد إحساسهم بالكشخة، شعور طويلة، زلف على شكل مسدس، تطور الحال الموضة في مدينتي، إذ مع انتشار الحروب ورتابة الحال، ظهرت موضة زي لافت للانتباه، بنطلون( بوردا ) بألوان صارخة، اصفر او احمر او اخضر، يتمايل الشاب البوردوي، وكأنه حالة من رفض الواقع المعاش المتخم بالحروب، كان زيا معربا لكل الشباب الكسبة والعاطلين، إذ قليل ما نجد طالب جامعي يرتدي زيا بوردويا، لسبب بسيط ان طلبة الجامعات كان يفرض عليهم ارتداء الزي الجامعي، وحمل الليفكيس، الذي هو علامة دالة لتمييز لطالب والطالبة، يعرفهم القاصي والداني، انهم طلبة جامعات، تراهم في الباصات الحمراء التي تجوب بغداد، او الكوسترات الزرقاء، طبعا السلطة آنذاك ما تريد اي حركة خارج سياق قبضتها، تراقب هذا الزي الغريب على ذائقة المجتمع العراقي زمن الحرب والسلطة الأحادية الشمولية. انتشر على نحو غريب ، مع حالة من حمل المسجل في بعض الأحيان وفتح أصوات الكاسيتات، المطربين الريفيين، الذين يحققون معادلة الشجن والانكسار لدى شباب تائه او ضاعت بوصلته، بسبب الحرب وطغيان السلطة!

 وبين ليلة وضحاها ، انتشر خبر نزول دوريات الشرطة ومراقبة الشارع والقبض على كل شاب بوردوي، إذ يقومون بتمزيق البنطال، وكم دونكية، أو ما يعرف بالهراوة، انتشر الخبر ان وزير الداخلية سمير الشيخلي، ينزل شخصيا ويزين كل واحد يلبس بورده، زيان صفر، واعتقاله، طبعا انعكس هذا الخبر على الشباب، فجأة توقفت هذا الزي الذي كان مثيرا في فصاله وألوانه الصارخة، وتشكيل الجسد الذي يبدأ بقميص ضيق ( لازك) على الصدر والبطن، لينتهي ببنطلون عريض جدا وكأنه كيس مفتوح بانتظار الطيران.

اللافت ان تحليل النسق الثقافي للزي، وتمثلات في وعي السلطة والوعي الجماهيري المضاد، بالزي و تسريحة الشعر. فالبناء السلطة نعرفهم بالسفاري البيج والرمادي، مع تسريحة شعر تحرص على دفع الشعر الى اليمين، و لهذا دائما تجد مشط اسود صغير في جيب الصدر، كذلك الزي الزيتوني والبوط الاحمر من علامات السلطة وانتشارها في الشارع العراقي آنذاك!.

اما الوعي المضاد فأزياء مبتكرة تخرج عن المألوف او مقاسات السلطة، تتنفس الحرية لوقت محدود ثم تطاردها السلطة بوحشية وعنف، لأنها أفعال خارج النسق، وهي أفعال عدائية تهدد كيان السلطة!

 ولهذا مثلما كان الصوت مقموعا في زمن السلطة الشمولية، كذلك نجد الجسد مقموعا أيضا، لأنه آلة تعبير الجسم، الذي ينبغي أن يكون متوافقا وظلا لجسد السلطة الرسمي!