أخبار أدبية

كتب الدكتور جبار خماط حسن   حيرة أم

كتب الدكتور جبار خماط حسن حيرة أم

506 مشاهدة

كتب الدكتور جبار خماط حسن   حيرة أم ...

#حيرة_أم

#نصوص_كورونية

#هربوا من شرها، قالوا اذا كنت خارج المدينة، لا تدخلها إذا حل بها وباء، احتاروا، نشرات الأخبار قراها أحدهم في موبايله، تؤكد أن الجثث في الطرقات، المستشفيات انتفخت بالمصابين، الأمهات خفن على اولادهن الذين خرجوا من المدينة للمشاركة في سباق الملاعب الخماسية، يتقنون كرة القدم، عادة ما يخرجون بأمتعة خفيفة وبعض الأطعمة الي تفيد سد جوعهم عند الضرورة، صاروا بين مدينتين، لا يدخلوها بسبب الوباء، متعبين بعد إعلان حظر التجوال والتنقل، اضطروا الانتقال بين طرقات الغاية الموحشة والقاسية؛ حذرين من هجوم الحيوانات المفترسة، ينظرون أعتاب مدينتهم المطوقة بناقلات الجند، مروحيات تجوب فضاء المدينة. ماذا نفعل ؟

قال نحيلهم الذي يشرف على التدريب، ينبغي أن نرتاح قليلا ؟

 ننتظر فتح الطرقات، رد عليه كابتن الفريق، صدقت، اللاعبون متعبون، ينبغي أن نرتاح، نظر الى الدفاع، اذهب واستطلع الأمر، لعلك تجد مكانا ننام فيه ليلتنا هذه؟

 ذهب وتلاشى بين الأدغال، الصمت يعلو بينهم، عيونهم قلقة؛ رن هاتف المدرب ،، أجاب مسرعا، نعم .. هل وجدت مكانا ؟

 جيد، قريب ام بعيد عنا ؟

 ممتاز نصف ساعة مشي بالخطوة السريعة؟

جيد ،اغلق الهاتف، نظر الى زملائه فرحا، وجد دفاعنا كهفا قديما، سننام فيه ؟

 اتصل المهاجم بأمه، اجابته بلهفة.. اين انت يا ولدي ؟

 في الغاية المجاورة، هل انت جائع ؟

 اكيد جوعان، تتكلم وحشرجة صوتها تقول انها تبكي، ولدي كلبك .. مشتاق لك، قريت سماعة الموبايل من إذن الكلب، كان يسمع كلام صديقه اللاعب العالق في الغابة، لا تقلق يا كلبي سنكون معكم قريبا، فتحوا حقائبهم، لم يجدوا سوى جبنا وبعض الخبز، وقنينة ماء صغيرة، لم تكفي للجميع، ناموا جميعا من فرط التعب، المهاجم، لم يتعود النوم على الحجر المغارة البارد، رائحة بقايا فضلات حيوانات كانت في المغارة قبل أن نحل ضيوفا، من تكون هذه الحيوانات؛ دببة، قرود، أو ماعز جبلي، أم نمر مرقط بالجوع!

 مع بقايا كلمة جوع، نام نوما عميقا، عطشانا، اقتربت منه، قالت خذ اشرب من حليبي، انا زوجة الدب، مات قبل ثلاثة أيام، كنت بجوار قبره، نشرت الزهور والدموع عليه، لم يبق منه سوى ذكريات ميتة، تعود إلى الحياة كلما تذكرت ايامنا السعيدة، دبي العزيز كان زوجا مثاليا!

 اشرب من حليبي، شربت بأفراط، ساخنا وحلوا، لكني شعرت أن وبرا اسودا بدأ ينتشر في جسمي، اسناني طالت، مع حاسة شم قوية، تشبه كلبي العزيز، خرج من حلمه متعرقا، نظر الى جسده، ما زال بشريا، حمد الله وأثنى عليه، وصلى شكرا لله، كانوا نائمين، في المغارة يصلي، اقترب الفجر من زقزقة العصافير، الغريب أن لحيته طالت فجأة، تذكر انثى الدب في حلمه، خرج إلى باب المغارة، كم لبثنا؟

 يوم او بعض يوم ؟

 قطع تساؤله، نباح كلبه، جاء يشم خطوات الطريق حتى وصل المغارة، استبشر خيرا، اقترب منه، ضمه إلى صدره، وجد وجبه طعام ساخنه ملفوفة على رقبته، أيقظ زملائه، نظروا كلب المهاجم، فرحوا، لنعد إلى البيت؛ قادهم كلبهم إلى طريق آخر، بعيدا عن دوريات الشرطة، تحولوا في الشوارع خائفين، المحلات مغلقة، السيارات نسيت حركتها، مركونة، تنتظر اصحابها، اقتربوا من بيوتهم، رائحة الشواء تخرج من النوافذ، التفت حولهم ، تفرقوا، امه تنتظر عند باب الدار، لمحته مع كلبه، ركضت نحوه، أرادت تقبليه، تذكرت ممنوع الملامسة والتقليل والمصافحة!

ظلت حائرة، اكتفت بالدموع والصمت وهي تتقدم ابنها وكلبه، نحو بيتها، خطواتها تشعرها بالخذلان، اي زمان هذا ؟

 تخاف الام ولدها، ويهرب الولدان من صاحبته وبنيه، لم يكن في الافق الضيق، سوى كلمات فيروز (( تعال ولا تجي، الكذبة مش خطية، تعال .. ولا تجي)) ما زالت المدينة ساكنة، رتيبة، وما زالت الام تقشر البطاطا، بانتظار يوم تستطيع احتضان ولدها !