قصة قصيرة

كتب الدكتور جبار خماط حسن كمامة كهرمانة

كتب الدكتور جبار خماط حسن كمامة كهرمانة

598 مشاهدة

كتب الدكتور جبار خماط  حسن‏  ‏كمامة  كهرمانة

#قصص_في_زمن_كورونا

#كمامة_كهرمانة

#تعودت الجلوس بقربها ... تسرد حكايتها عن زوجها المفقود في الحرب، لا هو شهيد، تقرا الفاتحة سور من الكتاب على روحه، ولا أسيرا تنتظر عودته!

صديقتها الواقفة ليل نهار في ساحة المدينة تصغي بصمت، تشعل سيجارتها ، متوترة، كيف له ان يتركها بهذه البساطة ؟

 لا اعرف الى اين ؟

 فقط قالوا زوجك مفقود .. الله يعينك ؟

قالوا ... ورحلوا !

هل تعلمين يا صديقتي ماذا يعني ان يغيب عني ولا يأتي !

تصغي صامتة، لا يقطع تواصلي معها سوى المارة وتعليقاتهم، أصوات السيارات، ومواء قطتها البيضاء، طبعا لا تقدم لي سيجارة، تعلم كرهي للتدخين؛ تسرد وتدخن، قطتها البيضاء، تنظر الى السيدة وقد سرحت بعيدا في حكايتها، تنفلت من يدها راكضة نحو هر أسود ينتظرها بالقرب من بائع الأحذية !

تعودت توزيع الماء على الجرار الفخارية، دون كلل او ملل، اتقن عملي اليومي، اصغي اصدقائي، يجلسون تحتي، يلتقطون لي الصور، يروني جميلة في عملي اليومي، الاربعون حرامي في الجرار، كهرمانة تصب الزيت الحار عليهم، هذا قراته في الحكايات القديمة !

 بالطبع لا يستطيعون الخروج خوفا من العسس الذين ينتشرون في المدينة ، تعودت على العشاق والسياح والسكارى الجلوس بقربي، الاغتسال من مائي البارد المنساب من جرتي الصغيرة، يتوزع الماء بالتساوي على الجرار الأربعين. لكنها اليوم استيقظت على مدينة مقفرة، فقط صفارات الاسعاف وسيارات محملة بالجنود تتجول مسرعة، محذرة الأهالي بمكبرات الصوت : يمنع الخروج من البيت، خوفا على حياتكم. ومن يتخطى بابه لأكثر من خمسين مترا يعتقل!!

لم تتعود كهرمانه على هذا المشهد، مدينة خالية من المارة، الحمام غادر اعشاشه، يبحث عن كمامات بحجم المناقير، مفقودة في الصيدليات، قررت الطيور الهجرة، وصلها خبر من كبير الطيور؛ ان الطيران ممنوع، الكل يلزم اعشاشه، وتتكفل وزارة الحروب تأمين حصص غذائية مع كفوف مناسبة، المشكلة بالكمامات لان الطيور بلا آذان !

داهمت الحيرة كهرمانة، المدينة مهجورة ؟ !

 تعودت النوم متأخرة، تفضي ليلها مستيقظة بسبب أصوات المطربين النشاز المنبعثة من الحانات والملاهي القريبة، تنام مع غلق أبوابها عند صلاة الفج، تصلي كهرمانة واقفة، تنام واقفة، تصغي واقفة، هذا الصباح تريد ترك المكان، تذهب الى الزقاق المجاور، لعلها تجد من يجيبها عن حال المدينة وغياب أهلها! هل ماتوا ؟ هل هاجروا جميعا ؟

 رفضت فكرة الذهاب، لأنها تخشى بغيابها الاضطراري، خروج الحرامية من الجرار ونهب المدينة!

ماذا أفعل يالهي ؟

رأت في الاتجاه الاخر من الشارع القطة البيضاء.. نادتها؟

تعالي يا بياض، اسم القطة التي تناديها به صديقتها حين تأتي يوميا لسرد قصتها عن مغامرات زوجها المفقود، وقصة حبها قبل الزواج !

جاءت القطة مسرعة، ما الذي يحدث يا قطتي ؟

التفت إليها متحيرة، لا تتكلم، فقط نظراتها إلى أعلى الشرفة المقابلة لكهرمانة، كانت السيدة تشرب قهوتها في الشرفة وتنظر إلى صديقتها الخائفة وسط الساحة الفارغة، أشارت بيدها، الشرفة عالية، الصوت لا يصل واضحا، صنعت طائرا ورقيا كتبت عليها كلمات؟

قذفته باتجاه المرأة ، نزل يمشي طائرا، اقترب من الساحة، التقطته، وسط نظرات القطة البيضاء .. كوني بخير كهرمانة .

صمت طويل يقطعه أصوات سيارات الإسعاف.