قصة قصيرة

كتب الدكتور جبار خماط حسن   مات السيد   تعجب الناس كيف سيكون موته

كتب الدكتور جبار خماط حسن مات السيد تعجب الناس كيف سيكون موته

513 مشاهدة

كتب الدكتور جبار خماط حسن   مات السيد   تعجب الناس كيف سيكون موته !

#مدينتي

#السيد

1978

مرر أصابعه على رأسي وسط نظرات ابي وامي، كلماته نجاة من المرض! ! ردد آيات من القرآن وأدعية بصوت مكتوم، رجائهما ان تنتهي أصابعه وكلمات دعائه، بإيقاف فكرة أجراء عملية جراحية، أوصى بها الطبيب، لازم عملية قالها الجراح طلال منصور، عيادته بالقرب من اورزدي بك، في شارع الجوادر، شبه بدين مع استدارة وجه، تجعلك تطمئن، لا يتكلم كثيرا، ابي ينظر له، فحصني، مرر أصابعه على بطني، مع شهيق وزفير مني، نزل قريبا من الحالبين، عندها توقف، ذهب إلى طاولته، سحب كرسيه .. جلس، كتب على ورقة، أبي ينظر أليه صامتا، يترقب كلمات الطبيب، نظر الى ابي، عمي ابنك عنده فتق سريري، أجابه ابي يعني شنو دكتور ؟

رد عليه يعني فتق ريح، بقي صامتا، امسك بي أبي قائلا : يعني شنو علاج لو شنسوي ؟

أجابه الطبيب، لا عمي ما يحتاج دواء، أردف الطبيب، لازم عملية وبسرعة، رأيت ابي تغير لونه، لم يستطع الوقوف، جلس قليلا، يقلب أفكاره، دكتور يعني علاج ما يرهم ؟

 أجابه الطبيب بنبره هادئة، لا عمي ؛ لازم عملية، هي عملية مو صعبة، وابنك لازم يصير سبع، لم اجبه، بقيت صامتا، رجعنا وكأننا في تشييع، دخلنا البيت، قابلتنا امي، ها، شكال الطبيب؟

 رد عليها ابي بصوت تخالطه رغبة بالبكاء، يكول لازم عملية، صاحت امي باكية، يمه منين اجتك، طرقات على باب بيتنا، لم يكن سواي وسط بكاء ابي وامي الا ان اذهب لفتح الباب، فتحت الباب، وإذا برجل جليل، مهيب، شلونك عمي؟

ابوك موجود ؟

تفضل سيد، دخل إلى غرفة الضيوف، ذهبت مسرعا إلى ابي، بوية سيد جابر اجه، قام ابي فرحا وكان منقذا جاء في الوقت المناسب!

كان ضيفنا المقدس، شكله المنير وصمته المهيب، يجلس يقلب ناظريه في أرجاء الغرفة، ابتسامه يلازمها خجل وثقة العارفين، شبيكم؟

 شو تبجون؟

صاير شي ؟

 رد عليه ابي، سيد ابني اخذناه للطبيب وكال عنده فتك ولازم عملية، وأحنه نخاف عليه، تدري بس هو، امي تبكي، أخبرها ابي كومي سوي جاي للسيد ؟

 متغدي سيد؟

 احابه نعم الحمد لله .. خرجت امي من غرفة الضيوف باتجاه المطبخ، طلب ابي من السيد ان يقرأ على رأسي، سيد بلكي بخت جدك، وانت بخيت وتشور، يطيب ابني ؟

 وما يسووله عملية ؟

قال السيد جا اذا كال الطبيب عملية، اني شبيدي؟

جاءت امي بالشاي، سيد رحمه لوالديك اقرأ عليه، بيك البركة سيد، قام وضع أصابعه على رأسي، ردد كلمات الدعاء والشفاء وسط ترقب ابي وامي. سيدنا يسمى سيد جابر رغم ان له ابنا يدعى حسن، يسميه الناس رمضان لاستقامته وصيامه عن الكلام .. على كل ما يعكر مزاج السلوك الحسن الممزوج بالفضيلة، لا يتكلم كثيرا مثل ابيه، سيق إلى حرب الشمال، عاد قتيلا، وسط هدوء نظرات السيد، نظر الى ولده مرددا لا حول ولا قوة الا بالله.

كنت اتردد كثيرا مع ابي على محله أو وكالته للمواد الغذائية، لتوزيع الطحين والتمن والدهن والشكر والحمص والماش، والصابون، معروف عن السيد أنه لا يملك سجلا لتدوين ديون الزبائن، يكتفي فقط بذاكرته، وتأكده من دفع الزبون ما عليه من ديون، لديه وصفة سحرية لمعرفة من سدد دينه او لا، فقط يقول .. كول وجدي انطيتك؟

 وطبعا يعرف أن الزبائن لا تتجرأ عليه بالكذب لان شارة السيد معروفة، الناس تخشى هيبته، في عينيه التماعه صافية شابة تتجاوز شيخوخته !

من طرائف ما حدث مع سيد جابر، حماره الأبيض الكبير الذي يربطه بالعربة لنقل المواد التموينية، طحين وسكر وتمن، كان بجوار معلفه، في الساحة الكبيرة التي تواجه دكان السيد، يستيقظ صباحا، يأتيه، الأطفال، مرددين سيد .. سيد، تراه مشغول برفع كبنك المحل، تتقدمه مسطبة من الخشبة والمعدن، بحدود متر على عرض المحل، يرفع الكبنك الأول، يدخل إلى محله لرفع الكبنك الثاني، الأطفال .. باكو المطي؟

 شوف ما موجود ؟

 نظر الى مكان الحمار، فعلا .. لم يجده، عاد إلى بترتيب محله، يجيبهم بهدوء، يرجع بوية !

يالله روحوا المدرسة، يردون عليه .. اي سيد ، يقبلون واحدا واحد يده اليمنى، فعلا بعد ثلاثة أيام او أربعة، يعود حماره، يمشي وسط معرفة الجميع في قطاع 47، يذهب بثقة إلى معلفه، يتناول افطاره ..

لم تنفع كلمات الدعاء امام ضرورة إجراء العملية، أخبر ابي حين ذهبنا اليه في محله، هاي عملية، يعني ما بيدي بس ادعو له يطلع سالم من العملية .. ادعو له بالشفاء، اجابه والدي اي سيد رحمة لوالديك .. ان شاء الله العملية سهلة..

ادخلوني مستشفى الجوادر، غرفة العمليات .. أتذكرها، نظيفة جدا، اضواء لامعة، تحيطني جدران من أدوات العملية الاستيل، تشعر بالارتياح لنظافة لمكان، طبيب التخدير، مازحني، خايف لو سبع؟ لا .. بصوت خافت، امسك بيدي اليسرى، جاء بإبرة التخدير، لسعتها الخفيفة في وريدي، مرددا يالله .. احسب للعشرة، بدأت بالعد، واحد .. اثنين، ثلاثة.. توقف كل شيء، وجدت نفسي في سريري، ردهة المرضى ، يحيطني ابي وامي عمي، واهلي، بعد ساعة دخل سيد جابر، مرددا الشفاء العاجل ان شاء الله..

في بداية تسعينيات القرن الماض .. مات السيد .. تعجب الناس كيف سيكون موته !

هل تحضر الملائكة، كلها أسئلة الناس البسطاء الذين عرفوه واقتربوا من حياته ويومياته، مازال الجيران يحلفون بالسيد، مرددين ( وسيد جابر) بقي مع الناس مهيبا وطيبا ومات تحيطه هالة القداسة في ذاكرة الناس، قبل أيام تذكرته امي على مائدة الطعام مع اخوتي، سالت أيامه أمامي، نبعا صافيا من الحكايات والمواقف !