أخبار أدبية

كتب الدكتور جبار خماط حسن مدينتي التشابيه

كتب الدكتور جبار خماط حسن مدينتي التشابيه

526 مشاهدة

كتب الدكتور جبار خماط حسن مدينتي التشابيه

#مدينتي

#التشابيه

#الدكتور _جبار _خماط _حسن

 

#ألبسوني الأخضر وقالوا لا تغادر مكانك حتى تهجم الخيل عليكم، كنت انظر الى رفاقي من أبناء منطقتي، تقريبا نفس العمر، نرتدي الأخضر، لا نعرف مصيرنا، هل نموت؟

هل نهرب؟

إلى أين ؟

 كل الطرقات مغلقة بالأعداء !

الافضل ان تبقى في مكاننا، اشتد القتال، سقط ابي، بكيت عليه، ركض نحوه من يرتدي السواد، احتضنه .. دموعه تنهمر على صدره، بعدها بعشرة دقائق مات عمي الاصغر بين اعمامي، أردت أن انهض لمساعدته، منعوني، ممنوع علينا الحركة الا بعد أن تأتي الإشارة !

 سقط عمي الثاني من أعلى جواده بعد أن ضربوه بعمود على رأسه، صاح .. اخي ادركني، جاء مسرعا كالصقر، احتضنه، احسست، انهما يبكيان، الشمس حارقة، لساني تيبس من العطش، لا فرصة للذهاب الى بيت عمتي، القريب منا، ارتوي من ماء الحنفية البارد، يتوسط حديقتها سياج من القصب، كنا ننظر صاحب الثياب السوداء .. ماذا يفعل ؟

 وحيدا، محني الظهر، نظراته مشتتة بين أهله وإخوته وأصحابه القتلى، الأعداء فرحون شامتين، شعورهم طويلة كثة، صرخاتهم مجلجلة، معهم زوج عمتي الصغرى، يتبختر بسيفه، تقدم نحو الرجل الذي اعياه القتال والجراح، اقترب منه، صاحت الناس، لك ابو نصير اذا تكتله، لا نعرفك ولا تعرفنه، والله نهدم بيتك على راسك !

 لكنه كان مصرا على قتله، رفسه، استل خنجره، الجمهور هاج وماج غضبا، احكم خنجره على رقبته، ذبحه من الوريد الى الوريد، هجمت الناس، ينابيع الغضب تتفجر صياحا وعويلا، طبعا ابو نصير، من شاف الناس الغاضبة، تجي عليه، هرب منهم بعيدا .. ابو نصير تبقى الناس مقاطعته أكثر من ثلاثة أشهر، كانه مصادر بلاء في مدينتهم ..

الناس متفرجون، ينظرون إلى بطلهم، كيف ذبحوه، .. هجمت الرجال على الخيام، تفر النساء، يبدأ دورنا، تأتي الإشارة من ابي الذي مات قبل قليل، لكنه يأخذ دور منسق بعد نهاية دوره، ينهض، يشير لنا من بعيد، بيده، الحركات لمجموعة الصبية الذين يهربون من الأعداء..

ابي بدور حبيب بن مظاهر الاسدي، يرتدي البياض، عمامته وملابسه، يرتب زيه قبل شهر من الواقعة، أخبرني قبل بداية القتال، بوية انت وربعك، تكونون أولاد مسلم، من يهجمون على الخيام، اشردوا، أ، كنا ننتظر هذه اللحظة، وها هي لاحت ودنت، نهرب، إلى القرى القريبة من نهر الفرات ،اكيد لا مكان سوى حديقة بيت عمتي، كأنها تدل على بساتين الكوفة، دخلت للحديقة، مباشر على الحنفية، فتحت الماء، شربت، شربت حتى ارتويت، عندها، جاء عمي وأبي وعمي الاصغر إلى بيت اختهم، لتبديل الازياء، وارتداء دشاديشهم السوداء حزنا على أمامهم، ما زلت أتذكر - مجسد شخصية الإمام - شكله المهيب، صوته الرخيم، اكمل الدكتوراه في علوم اللغة العربية، حافظا للقرآن والشعر، للأسف قتلوه ظلما بعد 2003, عند عودته من الجامعة !

بيت جدي كان كبيرا، باحتة واسعة يتوسطها درج ينتهي إلى السطح، مبني من الطابوق الجمهوري، أرى السيوف والرماح والرايات وبقايا من كتاب، أوراقه صفراء، اسأل والدي، ما هذه السيوف ؟

 يقول تكبر وتعرف، وفعلا كبرت، تسع سنوات وكنت في المعركة بدور أولاد مسلم !

مع حكم صدام، منعت طقوس عاشوراء، اللطم، ممنوع البكاء، اختفت السيوف والرماح، لكني احتفظت بالكتاب، أوراقه الصفراء،، يسرد اجزاء من واقعة الطف .. اقرأ بين ساعات النهار بعض أوراقه !

انتهت المعركة، النساء يأخذن من تراب المعركة، مراد لهن، يمسحن رؤوسهن وسط الدعاء بالأمان والسلامة، كبرت وانا تقريبا احفظ أجزاء من واقعة الطف، دخلت الجامعة، هادي المهدي رحمه الله كان يعجبه ترديدي للمقتل وكأنه يسمع عبد الزهرة الكعبي، اقرأ له خلسة، خوفا من رجال الأمن ووكلائهم، المنتشرين في تسعينيات القرن الماضي . هادي يقول والله مال اخليك تمثل بفلم الرسالة .. نضحك ونحلم وسط قسوة الواقع وحروبه !

 كان يقول انت أمير ولازم تمثل ميكافيلي ، فعلا قدم مسرحية الأمير مع حاتم عودة وصالح حسن فارس وبيات مرعي وعصام حسين ولقاء سرسم، كان عرضا جميلا تفاعل معه الجمهور، مكان العرض، قاعة اللياقة، حاليا بناية التسجيل في كلية الفنون الجميلة.

2012, مثلت شخصية (( الحسين )) في قسم المسرح وسط ترحيب الجمهور وتفاعلهم، ترتدي البياض، أخرجها  د. عقيل مهدي يوسف، حضرها أنداك د. موسى الموسوي رئيس جامعة بغداد، شاهد المسرحية متأثرا؛ انتهى العرض ، صفق طويلا، ذهب الى غرفة رئيس القسم، ينتظرني، نزعت ثياب الشخصية، ارتديت ملابسي، دخلت على غرفة رئيس القسم، قام لي رئيس الجامعة، صاح متأثرا؛ ليش نزعت ملابسك ؟ . تدري انت تشبه الحسين !

صافحني وسط ضحكات الجميع. كبرت والمسرح مازال معي تلك اللحظة الصادقة التي تسميها امي تشابيه، وليس تمثيلا !.