أخبار فنية

كتب الفنان الياس الحاج‏ الحبيب بسام كوسا الجز1

كتب الفنان الياس الحاج‏ الحبيب بسام كوسا الجز1

634 مشاهدة

‏كتب الفنان الياس الحاج‏ الحبيب بسام كوسا الجز1

#أيام ...

الحبيب #بسام كوسا ج 1 .

اللوحة مختارة من معرض التشكيلي المبدع الدكتور #نزار صابور ( نوواويس سورية ) في المركز الوطني للفنون البصرية بدمشق 2019 .

** #عند البحر ...

وعلى الشاطئ القريب من قلعة المرقب .. راح يصنع من عجينة الرمل مجسماً .. ورحت أراقب بدهشة مهارة حنين أصابعه في تشكيل جسد إنسان بدائي ... وبين العمل على كتلة الرأس .. والجسد .. واليدين .. والقدمين .. كان يدقق في التفاصيل ، مجيباً بهدوء المتأمل على أسئلتي .. حول علاقة رموز الحياة بالفنون .. وتقاطعات الفنون .. التمثيل .. الموسيقا .. النحت .. الألوان .. زرقة البحر .. السماء .. الماء .... الأصوات .. المدى .. الصمت .. التأمل ... وأكثر ما توقف عنده .. الإجابة على سؤال : كيف يكون كل منا ضرورياً ؟!..

هناك .. ومع اكتمال المجسم الرملي ، أيقنت أنه يشبه البحر الذي أحب ... الماتعِ .. الجميل .. المتباهي بمداه .. المتلوّن بألوان الهوى .. وأيقنت أنه يشبه كنوزه وأسراره .. وعمق حكاياه .

ورغم أني نسيت تماماً كيف وصلنا يومها إلى ذلك الشاطئ .. لكنني لم أنسى ملامح بيت في قرية مطلة على البحر تابعة لمدينة بانياس .. كنا قد قضينا فيها ليلتنا السابقة مع عائلة أحد أصدقائه تلبية لدعوته .. ثم انتقلنا في اليوم الثاني إلى اللاذقية حيث حط بنا المطاف في بيت مرتفع مطل على السهل والوادي في قرية " الشلفاطية " التابعة لمنطقة الحفة ، وبعد أن تجولنا في المكان وقطفنا بعض ثمار الفاكهة الصيفية وارتوينا من بيارة البرتقال ، تحلقنا مساءاً على مائدة عشاء غني بأطباقه الشهية الريفية ، التي صنعت معظمها عائلة الحبيب التشكيلي ( الدكتور نزار صابور ) المقرب جداً لقلبينا ...

وبعد أن اختمرنا من أحاديث تشبه روعة ذلك المكان وعمق وبساطة وتواضع أهله .. رغبت أن أتحدث بحماسة الفتى الهاوي عن علاقتي بالمبدع بسام وكيف وقع نظري عليه على خشبة المسرح لأول مرة ، يوم كنت مشاركاً في نهايات سبعينيات القرن الماضي بمهرجان مسرح العمال بدمشق .. وقد سحرني عرض مسرحية الافتتاح ( الحفارة ) للمخرج العراقي المبدع ( جواد الأسدي ) وكيف أني ، ورغم الدهشة بأداء الممثلين ، فقد بقيت عينايا معلقتان على أثنين .. الحبيب بسام كوسا ، والحبيبة الراحلة نجاح العبد الله .. وكم كنت سعيداً بتعرفي عليه عن قرب ، أثناء جلسة مناقشة العرض في اليوم الثاني... بعدها سألته ما إذا كان قد درس الفن .. فأجاب بنعم .. وتوقعت أن يكون قد درس المسرح في القاهرة مثل أسعد فضة وجهاد سعد ، لذلك عقبت بسؤال آخر حول ما إذا كان قد اختص بفن التمثيل .. فابتسم موضحاً أن الفنون تتقاطع ، وأنه لا يزال يدرس في كلية الفنون الجميلة ( قسم النحت ) ....

وبعد أيام وفي إحدى أماسي السهرات التي كانت تقام في بهو فندق العباسيين مكان إقامة الفرق المشاركة في المهرجان ، عرفت منه أنه بدأ بدور صغير في المسرح الجامعي مع المخرج الدكتور الراحل فواز الساجر ..

ولم تنتهي علاقتنا بعد المهرجان ، بل توطدت أكثر لإيمان كل منا بأهمية الاعتراف بالآخر ، وأن البساطة أحد أشكال الجمال ، فسعينا معاً لتقرب ، بل لتتناغم روحينا أكثر فأكثر ، ولنلتقي معاً بمفاهيم قيمية أضافت لي في تلك المرحلة ما كنت أبحث عنه في التجربة الحياتية والفنية ، بعيداً عن الكتب التي تنص على قواعد الفن ، وقد شدني كثيراً تركيزه في أحاديثنا على على أهمية الحوار المفتوح .. وضرورة العمل بعمق على تفاصيل الحياة كبديل عن التفكير الساذج في ببث الرسائل المدرسية ، وتلقيم الناس الحلول المباشرة بالملعقة ، وكان بيننا موعد لتلك الرحلة التي وصلنا فيها إلى مسطبة بيت أبي ناجي ، معترفاً أمامهم كيف كنت أشعر بلهفة له وأنا أصغي لأحاديثه ، مدركاً من وحيه معنى أن يكون لك شريكاً في الحياة .. له الأثر الإنساني الطيب في وجدانك .. ممعناً التأمل في سر إدماني السريع عليه .. أسلوب تعامل أصابعه مع عجينة الرمل وامتداد العلاقة بيننا .. فروى لنا الراحل عنا جسداً والد الدكتور نزار ( العم أبو ناجي ) بنبرة وقورة دافئة كقلبه وفكره ، حكاية " الكتابة على الرمل ".

أبو ناجي : بتعرف إنك بحكياتك ذكرتني بقصة قديمة فيها شوية زبدة بلدي مع شوية مرارة بتمنى تسمعوها .. ما رح تخسره شي ..

أنا : ياريت .. أصلاً أنا هوايتي الحكايات ..

أبو ناجي : هاد يا سيدي وباختصار .. في تنين أصحاب كانوا ماشيين مره بالصحرا .. وهنن وماشيين اختلفوا على موضوع.. وبسبب الخلاف صفع الأول التاني .. ومع هيك ما رد عليه بأي كلام .. فراح وكتب عبارة عالرمل .. اليوم أعز أصحابي صفعني على وجهي .. وكمل طريقه ..

أنا : معناها بقي رفيقه وحده ؟!

أبو ناجي : لا تستعجل وتخطف الكباية من راس الماعون .. خليني كمل ..

أنا : حقك على راسي عم أبو ناجي .. عم نسمع ؟ .

أبو ناجي : وهيك مشي رفيقه معه حتى وصلوا لبحيرة .. ومن شدة الشوب والعطش .. نط بسرعه بالمي ..

أنا : مين اللي نط عم أبو ناجي ؟ .

أبو ناجي : اللي نلطش كف من رفيقه .. وبلش يسبح .. وفجأة انتبه اللي صفعه أنو عم يغرق .. فرمى حاله بالمي وأنقذه ..

أنا : أي هه .. هيك حلو ..

أبو ناجي : الحلو أكتر .. أنو لما صحي من الغرق .. نحت عالصخر .. اليوم أعز أصحابي أنقذ حياتي ..

أنا : أحلى الكلام ..

أبو ناجي : ولهيك سأله رفيقه ليش لمن صفعتك كتبت ع الرمل .. ولمن انقذت حياتك من الغرق كتبت ع الصخر .. شو بتتوقعوا جاوبه ؟ .

أنا : ( ضاحكاً ) أي شو كنا معهن بالصحرا ولا عضفاف البحيرة لنعرف عم أبو ناجي ؟..

أبو ناجي : ابتسم وقلله .. لمن بيجرحنا الأصحاب لازم نكتب اللي بيصير معنا عالرمل حتى تمحيها رياح التسامح والغفران .. ولمن بيعمل الصاحب شي رائع متل اللي عملته لازم ننحته عالصخر حتى يبقى بذاكرة القلب اللي ما بتمحيه رياح ..

ومن يومها تعلمت من العم أبي ناجي الإجابة على سؤال : كيف نستطيع الكتابة على الرمل .. كم نحن بحاجة لتلك الكتابة في أيامنا ..

ومرت الأيام في مسيرة امتدت إلى أكثر من أربعين سنة .. أي منذ نهايات سبعينيات القرن الماضي .. وإلى اليوم .. وأنا أقرأ أسماءً كثيرة يكتبها على الرمل ...... ذلك كان سر إيماني بنقاء سريرته ، وحاجتي دائماً للعودة إلى كل ما مر من ذاكرة الأيام بيننا .. أي مع الحبيب الدائم بسام كوسا المحفور اسمه في قلبي .. في قلب الصخر ..

وبعد مرور كل تلك السنوات التي منحت خلالها معظم شركاء الفن ألقاباً في أفلام تحكي سيرة حياتهم ، فقد وقفت حائراً في منحه اللقب الذي ينصفه ، فلجأت للصديق المشترك التشكيلي المبدع الدكتور نزار صابور ، الذي أجاب على الفور ، أنه الأميز بين كل الأجيال التي عرفناها ... وبعد مناقشة حول العنوان .. أي اللقب ( الجوكر .. الرقم الصعب ... المخرز .. الحدعشري ..... ) . طلب أن أمنحه الوقت للإجابة ... وها نحن ننتظر إلى الجزء الثاني من ( أيام الحبيب بسام ... ) حتى يصلني العنوان ، اللقب ( .............. ) .

يتبع ....