أخبار أدبية

كتب الياس الحاج سنونو أبيض‏

كتب الياس الحاج سنونو أبيض‏

520 مشاهدة

كتب الياس الحاج سنونو أبيض‏

أيام ...

الحبيب #بسام كوسا ( سنونو أبيض ) ج 3

البورتري للمبدع الدكتور #سمير ظاظا

الفنان الأستاذ #لياس _الحاج  

أكثر ما لفنتني بشخصيته ، كثرت لحظات تأمله .. شروده العميق الذي جعلني أنتظر مراراً وبشغف ما كان يود التعبير عنه ... وفي كل مرة أستمع إليه أشعر وكأني قرأت خلاصة رواية من الأدب الرفيع .... وصورة ذلك المجسم البدائي لا يزال يتشكل في مخيلتي - ذاكرتي الانفعالية – عبر حركة أصابعه التي صنعته يوماً من عجينة الرمل .. متزامنة مع جسده يتشكل في حركات إيمائية تعبيرية لمشهد اختراق الجدران ... والذي استقيته منه ليكون المشهد الإيمائي ( الجسد ) المعتمد تقديمه باختبارات نقابة الفنانين سنة 1985 أمام لجنة مؤلفة من نخبة الأساتذة الاختصاصين بالفنون الدرامية، ومنهم المخرج الإذاعي الراحل مروان عبد الحميد ، الذي بقيت سيجارته عالقة بشفته السفلى طوال مدة الاختبار وفي كل الأيام التي التقيته بها أو عملت خلالها ممثلاً بإدارته ، إلى أن جاءت الفاجعة بخسارة مبدع مفكر صدمته سيارة يقودها سائقها برعونة فرمته جثة هامدة على رصيف بداية شارع بغداد ، أي بين ساحة السبع بحرات مقر نقابة الفنانين المركزية ..

يومها مج سيجارته فسقط منها رمادها على الطاولة التي تحلق حولها أعضاء اللجنة .. وسألني :

- مروان : من وين مخترع هالمشهد ؟! .

- أنا : عفواً أستاذ .. المشهد مو اختراع ..

- مروان : لكان من وين جايبه .. من عقلك .. أنت كاتبه .

- أنا : الحقيقة من صاحبي ؟ .

- مروان : فنان ؟ .,

- أنا : أي .. بسام كوسا .

وعلى الفور أشار المخرج الكبير الراحل الدكتور "فواز الساجر" بيده مقاطعاً .. وكأن أمراً هاماً حدث .

- فواز : لحظة لحظة .. بتعرف بسام منيح ؟..

- أنا : ( بقلق ) طبعاً بعرفه ..

- فواز : كتير منيح .. وشو بتعرف عنه ؟...

- أنا : ممثل ألو حضور مختلف .. وقارئ مهم جداً ..

- فواز : وكيف عرفت أنو قارئ مهم ؟ .

- أنا : من حواراتي معه .

وكان من بين أعضاء اللجنة ممثل فظ من حلب ..

- العضو: كني بتقصد خاي ، قررت من الحكي معه أنه قارئ مهم ..

- أنا : مو من الحكي بس ..

- عضو لجنة : أيش لكان ؟

- أنا : من أفكاره .. مناقشاته للمسرح والفنون .. من عناوين الكتب اللي دلني عليها لأشتريها من قبل ما أستقر بالشام ؟ .

- فواز : لحظة .. بتتذكر هالعناوين ..

- أنا : طبعاً .. وأغلبها اشتريتها من ميسلون والجاحظ ومعارض الكتب .

- فواز : معناها عندك مكتبة ..

- أنا : طبعاً ...

- فواز : هتلك كام عنوان منها ..

- أنا : مذاهب الفنون المسرحية ، المدخل إلى الفنون المسرحية ... مبادئ ...

- عضو لجنة : ( مقاطعاً ) وبتتذكر خيو مين كاتبهن ..

- أنا : أكيد بتذكر ..

- العضو : أي هاتهن خلصنا لسا في غيرك كتار .. أش قصتك بدنا نسحب الحكي سحب منك .

- أنا : ديريني خشبة ..

- العضو : تاريك بتعرف يا ضرصان ..

- أنا : وبعرف أحكي عنهن ..

- فواز : خليني أنا أسأله .. كمل أسماء الكتب ..

- أنا : تاريخ المسرح ، مسرح التغيير .

- العضو : أيش هاد الكتاب خيو ؟!.

- أنا : لبريخت .. بيحكي عنة التغريب .. استخدام المألوف بطرق غير مألوفة .. وبيبدا بعبارة ( ليس المهم تفسير العالم .. بل تغييره ) ..

- العضو : اسماع خيو .. هاد الحكي ما بيعبي الراس .. جاوبني لشوف ..

لحظتها .. وبعد صمت طويل ... تدخل بلطفه المعهود وبلهجته الأرمنية المحببة المكسرة المخرج الكبير استاذنا مانويل جيجي ، الذي عملت معه ممثلاً في عدد من المسرحيات ، داعماً حضوري أمام اللجنة ..

- مانويل : أخ الياس بيعرف شو بيحكي .. وأنا بعرف أنو قريانه إعداد ممثل وغيرها كتب كتير .. وبتعرف كتير معلومات ..

- العضو : كتير منيح .. إذا قريان إعداد ممثل ، لازم يعرف شو هنن ( العصا السحرية ) عند استنسلافسكي .. هات لشوف خيو ؟ .

- فواز : مو مطلوب يعرف كلشي .. خف عنه شوي ..

- أنا : بس أنا بقدر جاوبه أستاذ ..

- فواز : أنت جاوبت بالأسئلة السابقة عن الأهم ..

وتدخل المخرج السينمائي الراحل محمد شاهين ..

- محمد : يجاوب وين المشكلة ؟! .

- أنا : مافي مشكلة .. العصا السحرية ( لو .. إذا .. ) وعلى سبيل المثال ..

وتدخل مقاطعاً الراحل يوسف حنا داعماً أيضاً موقعي أمام اللجنة .

- يوسف : لك لاااااااا تكمل شرح ..

- أنا : بس أنا ما عندي مشكل أستاذ ..

- يوسف : مشكل شو .. أنك أخد معلومات من بسام كوسا شغلة كتير منيحة .. خلينا هلأ نشوف شو محضر مشهد ..

- أنا : بتحبه .. من المسرح المحلي .. العربي .. العالمي ..

وأشار الفنان الراحل محمود جبر بسؤاله .

محمود : محضر مشهد كوميدي ..

أنا : فودفيل ( مغالطة ) .. وتراجيدي كمان .

العضو : ومختارلك هنن كمان بسام ؟!..

يوسف : ( على الفور ) خلينا بالمشهد .. تفضل الياس ..

أنا ( إلى محمود جبر ) كوميدي أستاذ ؟!..

محمود : اللي محضره ..

ورحت أقدم وبقوة كل ما يخطر ببالي من مشاهد متلاحقة .. وكأنني في حلبة رومانية .. منتقلاً من ( سهرة مع أبي خليل القباني لسعد الله ونوس .. إلى مهاجر بريسبان لجورج شخادة .. إلى الرجال لهم رؤو لمحمود دياب ... إلى ............ ) .. إلى أن أشار الدكتور فواز بيده لأتوقف ..... ثم دعاني لشرب جرعة من كأس ماء وضع أمامي في استراحة محارب ..

في ذلك اليوم المقلق رغم نشوته من عام 1985 ، والذي أعتقدت أنه يحدد مصيري في المجال الفني ، كان بسام حاضراً معي وبقوة في ذلك الاختبار ، بل ولم يغيب عن ذاكرتي في كل المشاهد المتتالية التي حاولت أن اكثفها تباعاً ودون توقف ....

والأهم من ذلك أنني كنت فخوراً بأنني أستقيت منه الكثير من المعلومات العامة والمسرحية التي مررتها بطريقتي على مسامع أعضاء اللجنة ، فلاقت الاستحسان والدفاع عنها من قبل من جعلوني أشعر بمكانته الرفيعة عندهم ..

وما أن خرجت إلى بهو النقابة .. سألتني الحبيبة الفنانة الكبيرة الراحلة نجاح العبد الله التي كانت تنتظر دور دخولها إلى ذلك الاختبار :

- نجاح : شو قصتك طولت كتير ؟.

- أنا : بس كنت على كيفك ..

- نجاح : يعني تمام ..

- أنا : مو بس تمام .. مبسوط كتير ..

- نجاح : كانت صواتك مملاية النقابة ..

- أنا : أي هاد اختبار مو حيالله ..

- نجاح : هات ألي .. شو سألولك ..

- أنا : عن بسام كوسا .

- نجاح : هلأ بلا غلاظتك .. ألي عن شو ؟. ..

- أنا : وحياتك عن بسام .. بتتذكري المشهد الإيمائي تبع الجدران اللي بيعملوه بسام .

- نجاح : مو كتير .. شو دخله المشهد ؟.

- أنا : عملته جوا .. وبلشوا فيي لمن قلتلهن آخده من بسام .

- نجاح : شو يعني؟! ..

- أنا : ولا شي ..

- نجاح : المهم .. حسيت حالك منيح .

- أنا : كتير .. لولا هالغليظ الحلبي اللي بيجي كل تنين بياخد معنا جملة بحكم العدالة ..

- نجاح : ولي عغلاظته وسآلته .. ما كان ناقص غيره ..

- أنا : بس الباقيين كانوا غير شكل ..

- نجاح : نشالله تكون نفدت وتطلع من الناجحين ..

وفي ذات اليوم وقع نظري على بسام وبصحبته الحبيب جهاد سعد في مسرح الحمراء.. وما أن وصلت إليهما ..

جهاد : مبروك .

أنا : على شو ؟!..

جهاد : قالوا كنت منيح كتير ..

أنا : مين قالوا .. وبشوا منيح ؟ .

جهاد : حدا من اللجنة تبع النقابة ولا تسألني أسمه .. قال أحسن تنين دخلوا الاختبار اليوم أنت ونجاح العبد الله .

بسام : كان عندكن اختبارات نقابة ؟.

أنا : وكنت معي جوا وبرا الاختبار وما بتعرف ؟!!...

بسام : كيف كيف كنت معك ؟! ..

أنا : كنت .. ويمكن لولاك ما كنت عرفت سوق منيح ..

بسام : ما فهمت ؟! ..

أنا : كنت مستمد منك قوة ..

بسام : ( ضاحكاً ) أكلنا هوا .. بكرا بترسب وبتقول أنا السبب ..

وبعد أيام .. التقيته في مكان عملي بمبنى التلفزيون ( مديرية الانتاج التلفزيوني ) ، وسألني عن النتيجة .. فأخبرته بأنني من الناجحين .. فقال :

- بسام : لكان شد الهمة ووصيلنا عتنين شاي حلوان من عند عمك أبو خليل ..

- أنا : وأحلى شاي عكيفك .. لعيونك .

- بسام : بس على حسابي .. هاد حلوان مو حيالله ...

يتبع ...