أخبار أدبية

كتبت الأديبة ريما نزيهة مشهد من روايتها لا ملح على الموت

كتبت الأديبة ريما نزيهة مشهد من روايتها لا ملح على الموت

787 مشاهدة

كتبت الأديبة ريما نزيهة مشهد من روايتها لا ملح على الموت

صرحت أن المقطع يُنشر لضرورته ١٤/١/٢٠٢٠

............................................................................ الحب فقط من سيولد بينهما هكذا تدل الدلائل .. يصدف أحيانا أن تتسابق النبضات فلا تهدأ وأن تحاول إنقاذها من الوقوع فتأبى .. هذا هو حال قلبي الغض .. يعشق السقوط الحر في مظلة دمر طرفها أو في طائرة لا تجيد التحليق .. كان أشيباً بعض الشيء لا اتقاد في عينيه ولا خمول لا هزيان في أفكاره ولا ضمور. كانت ملامح الجرأة اللطيفة تتوج ملامح رأسه وله من عزة نفسه الكثير (كما حالي) .. حيث أنه يسرق النظرات خفية عني ويشد طرف قميصه الرمادي المزركش ببعض من الأسود المتداخل عليه بقسوة فيعطيه حس الصلابة. عند النزول من الحافلة كادت أحلامها أن تنهمر على الأرصفة المتراصة الواحدة تلو الأخرى .. أحلام فتاة أثقلها فتات كل شيء حتى الأحلام التي باتت تعطيها الحب في لحظات تتوج بها مسير بضع دقائق .. تحب وتكره ثم تنسى..

دار في مخيلتي كلام جدتي العجوز التي تقول دائما أن النسيان هو أكبر الأوجاع وأخف درجات الحب وأرحمها.. فنحن نتراحم جدا عندما نصفق للوجع .. وبنفس الوقت الخلايا الداخلية تتراقص عندما ننسى .. فالنسيان دواء لا مرض به .. ولكن لا مسكنات له أيضاً..

بخفة وخوف متسارعين .. وأن الدرب المحروق كاد أن يخفف من تواتر خطواتها . ورغم ذلك لم تتأخر عن المنزل .. وأنها وصلت في الموعد الذي لا خوف فيه عليها..

خلعت حذائها كما أحلامها المستحيلة .. ونفضت كل الأفكار التي فكرت بها على مر الدرب التي لن تنفع شيء سوى أنها أخذت حيزاً من الوقت في عقلها وأرهقته بضع الشيء دون أي مردود نفعي ..على الرغم من أن اليوم التالي لن يكون تالي إلا إذا نحن سمحنا بذلك .. ولكن كعادتها صحت من موتها المالح لتواجه حياة مالحة بابتسامة .. القليل من بضع أحمر الشفاه والشعر المنسدل .. وصراخ أم بشر عليها كي تغمد ضفيرتها وتحتشم .. بقولها :الغدارون يعجبون برائحة الشعر وميلانه على كتف طفولي .. والزمن الذي تضيع فيه القيم في أي شارع فوضوي يصبح فيه كل شيء مباح وضمن الحقوق لا القانون..

ربطت ضفيرتها رداً على صراخ أمها الصارم .. من يقف أمام هذا الصراخ يا أمي .. أشعر أنك تودين قتلي في كل يوم أخرج به كي أبتسم .. كل ما حولي ينادي بالبؤس .. كوني ولو لمرة خارج نطاق الصراخ والآلام..

أغلقت الباب بدفعة جنونية ثم غادرت المنزل .. أم بشر ترقبتها من النافذة المطلة على الشارع المحروق لكن شيئاً ما قد أستوقفها .. رجل يمد يده ليصافحها وهي وقفت وابتسمت وبدت وكأنه بادلته أحاديث المعرفة القديمة!! من يكن هذا الرجل العريض المنكبين ذو القامة البهية لكنه ذو عمر متوسط؟

_ كيف تجرأت على ذلك؟ لقاء الأمس كان لطيفاً لكن لم أتوقع ذلك أبداً

_ كانت ابتسامتك في الشارع بعدما نزلتي منه توشي بأن تلك اللحظات قد تركت أثراً خفيفاً ومرحاً عليك؟ هذا ما دعاني لأنزل الموقف الذي تلا نزولك؟؟

_ وماذا حصل بعد ذلك؟

_وقفنا وجها لوجه لكنك كنت غارقة في التخيلات والتلفظ ببضع من الهمسات غير المفهومة .. عندها علمت أنني حصلت على أول حبة ملح.. وهذا ما ذكرني بصديقي المعمار الذي صنع من الطين ديكوراً خشبياً.. طيناً بني اللون .. عندما دخل صاحب المنزل وفي أول التفاتة له جاء للحائط يتلمسه إن كان حقاً خشباً حقيقياً أو طيناً !! عندها قال المعمار .. لقد نجحت .. ههههه ولماذا الملح .. الناس تقول لقد حصلت على طرف الخيط

ستكونين أعتق طعومي .. وأجمل منسوجاتي .. وطيني الخشبي الذي سيطير .. أنا ممدوح وأجمل ألواني هو ما يميل للألوان الأيلولية التي تنم عن التساقط  .. فنحن بكل سقوط نتلون.. نزداد شحوبا إلى أن نموت..

_ قلبي يدق على ما تملك من جرأة لكني لا أعرفك الكثير..

لا تكملي .. سأنتظرك إلى أن تنهي عملك اليوم ولا أعلم ماذا تعملين .. إلا أني في الثالثة كما البارحة سأنتظرك في ذات المكان ونصعد ذات الحافلة .. ونقف ذات الوقفة.. ولكن سنعود على غير الاعتياد قلبان قد ينبضا!!

ابتسمت مريم وهي تنظر إلى رحيله من يكون هذا القوي بكل ما يملك من مؤهلات اجتماعية .. كيف تجرأ على ذلك .. أيكون برجه الفلكي حمل؟ تحسست شعرها ثم أخرجت مرآةً تتفحص فيها ضفيرتها التي لم تكن راضية فيها عن هيئتها وطلتها أمام شاب قد تبعها لمجرد أنه لمحها وتبادلا بعض اللحظات في باص النقل الداخلي..

لا بأس سأكون أجمل عند خروجي وانتهائي من عملي..

هناك بعض اللحظات في العمر تتخللنا دون أي حسبانأ, تخطيط ولا يمكن الدخول بها ولا المغامرة الخفية حتى .. إلا أننا نكون سعيدين وتواقين لفعلها لأنها تمنحنا السعادة .. فنحن نركض وراء السعادة دوماً لأنها أفقر ما تكون من أي لحظات أخرى .. فإن حصلت عليها حاصرها جيداً كي لا تهرب .. وابزخ البسمات فيها. واصرف حقها وتنعم بها لأنها قد لا تعود .. أو تتأخر لتعود....

يتبع..