مواضيع للحوار

لعبة التعرية والسخط عن المسكوت عنه والمؤجل في البحث عن الحرية في عرض  الخادمتان    لجواد الاسدي

لعبة التعرية والسخط عن المسكوت عنه والمؤجل في البحث عن الحرية في عرض الخادمتان لجواد الاسدي

1173 مشاهدة


المسرح العراقي المسرح العربي المسرح المغربي

لعبة التعرية والسخط عن المسكوت عنه والمؤجل في البحث عن الحرية في عرض  الخادمتان    لجواد الاسدي

 

FAWANESALMASRAH

 

الفوانيس المسرحية – الرباط / عبد الرزاق علي.

 

تمتزج صرخات الشقيقتان صولانج وكلير مع ضربات اصوات القطار المسرع الذي يمر يوميا ليخترق الرتابة والطاعة الزائفة التي فرضتها قواعد العمل في بيت ” السيدة ” المتعجرفة التي تغيب عن العرض لتحضر في الطقس الادائي لممثلتين شابتين في لعبة من التلاشي والاضمحلال، ما ان تنتهي حتى تبدأ بشكل دوراني مكثف، حيث تنبجس كل انواع الكراهيات والاحقاد الدفينة، في لعبد التعرية والسخط والنبش عن المسكوت عنه والمؤجل المزمن الذي حول انوثة وحياة الخادمتان الى درجة عالية من الهتك اليومي. فالخادمتان يوميا يسخران من خزانة السيدة التي تحوي ملابسها واكسسواراتها وعفتها، ويبدأن في لعبة تبادل النبش والحفر في جوفيهما ( ماضيهما ) ليعبران بوهمهما / حقيقتهما الى توق تجسده الحركة المتسارعة الى الاطاحة بموروث طويل من الانسحاق والاستبداد والعجرفة التي عليها سيدتهما.

لعبة تبادل الادوار بين الاختين التي يقوم عليها العرض وحواراتهما التي تفوح منها الكراهية والحقد على ” السيدة الشيطانة الشريرة ” وبالتالي جل وجودهما ومصيرهما مرتهن الى الاستلاب القسري في دوري الخادمتين هي لعبة تشريح ثاقبة للسلطة والقوة التي تتحكم بمصير البشر واغترابه المستديم ( السيد والخادم، المالك وغير المالك، السائد والمسود، الرابح والخاسر, الحر والعبد ) تلاعب بفضائها جواد الاسدي ومزج إيقاعاتها المتنوعة والمتنافرة، نصاً وممثلا وجمهوراً ولغة ( حيث مازج النص بين العربية الفصيحة والدارجة المغربية والفرنسية لغة المسرحية الاولى)! ووحدها في حفره الشغوف في اسئلة كبرى حول الوجود والمصير والمآلات.

وقدم نص جان جنيه الان وليس قبل عقود غابرة في متن تاريخ المسرح وتأويلاته، العمل الذي اثثه بسينوغرافيا بعمق الخشبة تحيل الى مجاهيل الانسان وغموضه وفزعه من الاستلاب، وصرخته المجيدة للخلاص، التوثب والتحفيز الخلاق للألوان والتأثيث الأنيق للإضاءة، الابهار صنعه اشتغال حثيث مع ممثلتين اخرجت افضل ما لديهما من طاقة، احال النص نحو راهنية حرارة الأسئلة وجدواها.

جواد الأسدي الذي اطل على متابعيه في فضاء جديد من التجريب في مكان وزمان مغايرين هذه المرة في تجربة هي جزء من روح المغايرة المغامرة التي تملأ تفكيره وتؤسس لعمله وكفاحه الدؤوب لمسرح يقود لفهم افضل وأرحب للعالم وللوجود ولإنسانه، وتجربته المسرحية هذه واشتغاله المضني هي للفرار من السكون والموت الى ديناميكية الحياة وانبثاقاتها الجديدة هو بحث مجسد في لغة وفعل مسرحي عن المستديم والمخبوء والغامض في روح الكائن، وهو اختبار اختار ان يضع نفسه  امام تحدي العمل مع فريق من المسرحيين والفنانين المغاربة، بعد ان اخرج ذات العمل وبتقنيات ورؤى مختلفة في كل من لبنان وسورية في السنوات الماضية، وهي تجربة مسرحية قدم فيها نص جان جنيه الذي يقول عنه ( انه أحد أهم وأكبر الكتاب الفرنسيين المناصرين للحرية، حيث وقف ضد التمييز العنصري وناصر فكرة الإنسان الحر في الدفاع عن أرضه وموروثه الإنساني لذلك فهو صاحب نصوص أصيلة وعميقة تؤسس لمجتمعات مدنية حرة ).

العرض الاول لمسرحية ” الخادمتان ” قدم في المسرح الوطني بالرباط مساء يوم الاثنين 31 / تموز يوليو 2017 وحضره جمهور غفير من المشتغلين في فضاءات المسرح ( مخرجون، وممثلون، ونقاد، اكاديميون في مجال الفن، واعلاميون ) وكذلك جمهور عريض من المثقفين والمهتمين بالعمل الثقافي لاقى اصداء كبيرة حيث يقول الكاتب عدنان ياسين عن العمل ( جواد الاسدي الذي اشتغل على اعداد النص رجل متحكم في لغة المسرح، اشتغل على جان جنيه وقدم لنا الليلة عملا تحكم بقوة بالإيقاع العنيف في النص الاصلي والذي ينحو نحو العنف وهو يعبر عن النظرة الشمولية في توظيف كل العناصر والدفع بهذه العناصر لأقصى ما تمتلكها من حضور وقدم نصا تحكم بقوة بإيقاع العمل واجاد في توظيف العناصر من تدريج النص وتفصيح الدارجة المغربية وتوظيف كل العناصر من الموسيقى والمؤثرات المختلفة وابراز طاقة الممثلتين الرئيسيتين في العمل حد الادهاش). فيما قال احمد حمودة مخرج مسرحي ( ان هذا العمل يحمل طاقة جديدة للمسرح المغربي وبهذه الحركة فوق الخشبة واداء الممثلتين وفي الكثير من عناصر العمل فهي تجربة جديدة في المسرح المغربي اعطت قوة وديناميكية وحضور للعرض).  الممثل حاتم عبد الغفور قال عن العمل ان ( لمسة الادهاش في الاخراج كانت جلية وحاضرة في العرض وبالرغم من ان مسرحية ” الخادمتان ” قد قدمت عديد المرات هنا في المغرب او في دول مختلفة الا ان جواد الاسدي قد برع في تقديم رؤية جد معاصرة ومغايرة حفزت الممثلتين  جليلة التلمسي ورجاء خرماز على تقديم افضل ما لديهم من حركة جسد وحضور على الخشبة).

واشارت فاطمة مقداد الاستاذة في المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي ( هو عرض وتجربة جديدة على المسرح المغربي في تجلياتها ومضامينها واحداثها فهذا العمل يستجيب بشكل واضح لراهنية الاسئلة المطروحة على الواقع العربي، انا لم اشاهد عرض جان جنيه المعروف والذي ولعب وشخص اكثر من مرة في المغرب، بل شاهدت هذه المرة نص يستجيب لراهنية الاسئلة المطروحة على ساحة المجتمع المغربي والعربي وما شاهدته هو ليس السيدة والخادمة بل هو الحاكم والمحكوم، فشكرا لجواد الاسدي وللفرقة التي ادت عمل رائع). فيما اشار الفنان محمد ليحدر كل ما في العرض كان يصل لحد الابهار وهي المرة الاولى التي اشاهد فيها عملا للمخرج لجواد الاسدي.

ويقول عبد الجبار خمران المدير الفني لفرقة “دوز تمسرح” المغربية التي تحتضن هذه التجربة الفنية، بأن عمل فريق من الفنانين المحترفين المغاربة مع اسم مسرحي عربي وازن بحجم وأهمية المخرج العراقي القدير جواد الأسدي إضافة متميزة للمشهد المسرحي المغربي، إنها تجربة مسرحية مختلفة وسيكون لها الاثر المهم داخل الحركة المسرحية المغربية.

العمل من إنتاج فرقة “دوز تمسرح” بدعم من المسرح الوطني محمد الخامس. ادى أدوار مسرحية “الخادمتان” الممثلتين جليلة تلمسي و رجاء خرماز – مساعد مخرج عبد الجبار خمران – سينوغرافيا وملابس يوسف العرقوبي – موسيقى رشيد برومي. المدير الإداري رضوان خمران – العلاقات العامة غزلان الادريسي.

 

عبد الرزاق علي