قالت الصحف

لعنة الطين .. ثنائية الضحية - الجلاد

لعنة الطين .. ثنائية الضحية - الجلاد

4146 مشاهدة

                          لعنة الطين .. ثنائية الضحية - الجلاد

 
جريدة النهضة العدد : 527

الكاتب : أحمد الخليل   

 
أعادت قناة إنفنيتي عرض المسلسل السوري لعنة الطين والمسلسل الذي لاقى صدى كبيراً حين عرضه في رمضان الفائت، سأحاول هنا تقديم قراءة للعمل بعد مشاهدته للمرة الثانية، حيث يستجد الكثير من الأمور حين التعمق والتدقيق أكثر في عمل فني ما:

في أغلب أفلام الأكشن يتعرض البطل في نصف الفيلم الأول للظلم والاضطهاد والعذاب والفقر... نراه ضعيفاً طيباً بسيطاً لا يقوى على مواجهة ظلاّمه أو محيطه الذي يحاصره... وبانعطافة درامية تكون عبارة عن حدث أو مصادفة ما أو لقاء بصديق قديم يحدث تحولاً لهذه الشخصية الطيبة النقية، والتحول يكون إما من خلال المال أو السلطة... فيبدأ البطل بالتخطيط للانتقام من الجميع بمنتهى الوحشية وبدم بارد مع تعاطفنا الشديد معه وتشجيعنا له لسفح المزيد من الدماء على إسفلت الشوارع... فاللعبة الفنية تقتضي إشراكنا عاطفياً مع هذا الشخص المغلوب على أمره المحب للآخرين والذي تنهال عليه الضربات الموجعة من كل حدب وصوب، وما دمنا اندمجنا مع بطلنا المعذب فلابد من المضي معه حتى النهاية في انتقامه من الآخرين، فهنا تتدغدغ مشاعرنا عبر لعبة المحاكاة بين البطل وبيننا، حيث نتبادل الأدوار، فكل منها لديه ما يكفي من الأشخاص لينتقم منهم لكن الفرصة المناسبة لا تأتي أبداً في الحياة كما في الفيلم..

عامر عمارة في مسلسل لعنة الطين طالب ثانوي طيب مهذب، مطيع لأهله يحب ابنة الجيران نيرمين، عالمه بسيط وأحلامه متواضعة، مجتهد في دراسته يحلم بدخول الجامعة ودراسة الهندسة، نراه يلتقي فوق السطح مع نيرمين بشكل خاطف، هو شخص ناعم رقيق العود لا يستطيع مجابهة أحد... يتعرض مع أسرته في البداية لابتزاز (أبو بدر) الذي ألّف قصة تقمص ابنه الصغير بدر وحلول روح شقيق أبي عامر في جسده لذلك لابد من مقاسمة أبي عامر على الميراث!! ونظراً للحبكة المتقنة في خطة أبي بدر المعتمدة على المعتقدات الدينية في المنطقة يحقق مبتغاه ويحصل على الأرض رغم اعتراض عامر وأمه، حيث (لا يورث الميت) ويواجه عامر شلل والده وفيما بعد موته، أحداث مأساوية تلاحق عامر الضعيف ابن القرية الساذج...

عند دخوله الجامعة تعمل الحمية الريفية عملها، ويدافع عامر عن إحدى بنات الجامعة التي يتسلط عليها شلة شبيحة فيتعرض للضرب والشحط والإهانة من هؤلاء الأشخاص، وهنا تكون صدمة المدينة الأولى لعامر ثم يأتي لقاؤه مع خال جواد والعالم الذي اكتشفه من خلال الخال الواسع الاطلاع والصحفي المشتغل في الحقل العام...

والمفصل الذي يقلب حياة عامر رأساً على عقب التقاؤه بأبي نزار المسؤول الكبير النافذ والباحث عن مريدين له في مؤسسات الدولة لينفذوا سياساته وأوامره وتشكيل أذرع أخطبوطية تنهب المال العام..

وبتشجيع منه يترك عامر الجامعة ويلتحق بالكلية العسكرية هو وصديقه جواد وبعد التخرج يفرز إلى الشرطة.. فيكون ضابطاً ملتزماً بالقانون إنسانياً في تعامله مع الجميع، وهنا تأتي الانعطافة الثانية درامياً فيتحول عامر إلى رجل متوحش متعطش للانتقام والسلطة، فهو يتعرض للخطف من عصابة إجرام ويتم إخصاؤه والقضاء على رجولته (بالمعنى الشرقي)، الحدث المفصل في المسلسل ينقلنا إلى عالم معاكس لعالم عامر الرومانسي، حيث الصدق والإخلاص والحب.. فتبدأ سلسلة الانتقام التي بدأها عامر بالعصابة التي خطفته فنرى اقتحاماً وحشياً للبيوت وضرب الموقوفين بعنف من أجل الاعتراف وتهديدهم بالسلاح دون أي سند قانوني، لكونه شخصاً مدعوماً من أبي نزار.. وعندما ينهي حلقة الانتقام الأولى يتجه صوب ضيعته فينتقم من جميع الذين ظلموه وظلموا أهله، فيبدأ بشقيق نيرمين الذي كان يضربه ويهدده ويشتمه دون أن يرد عامر، تجلده الشرطة أمام جميع أهل الضيعة ثم ينتقل إلى أبي بدر صاحب المقصف الذي بناه على أرض عامر، يتم تكسير المقصف وضرب صاحبه ضرباً مبرحاً.. نحن هنا نتعاطف مع عامر ابن الضيعة ونصفق لتوحشه وانتقامه فهو المظلوم صاحب القيم الأخلاقية النبيلة والتي تسحق يومياً لذلك لا بد من هجرها والدخول في حروب صراع البقاء..

ولا يقف انتقامه عند أهل ضيعته، بل يمتد ليشمل الجميع فهو قد أصبح حاقداً على المجتمع فحتى نيرمين حبه القديم النقي يسحقه ببذاءته حين يرد على اتصال نيرمين التي لجأت إليه للتخلص من عريس الأهل، لقد حرق عامر مراكبه وبدأ ببناء عالم جديد اعتماداً على السلطة والقوة، مستفيداً من ظروف الثمانينيات، فتمتد بمساعدة المعلم علاقاته مع الطبقة المخملية ويجبر صديقة جواد ضابط الجمارك الفاسد على تمويل مصروفات علاقاته وعالمه الجديد من خلال ابتزازه بكشف ملفاته الفاسدة وتهديده بها... ورغم النهاية المأسوية لعامر ضابط الأمن القوي كدلالة على وجود من يحاسب في نهاية المطاف!! إلا أن هذه الشخصية تحمّل المدينة خسارته لرجولته ولكل قيمه النبيلة، ففي المدينة يتحول عامر وينسى عالم القرية الوادع الجميل... أي هناك إدانة للمدينة التي تسحق الطيبة وبنفس الوقت يتبرأ عامر وما يمثله من كل ما فعلوه بالمدن نتيجة هروبهم من الفقر والاضطهاد ولجوئهم للمدينة التي نقلوا إليها قيمهم وعاداتهم فشوهوا المدن وشوهتم المدن، الأمر الذي نتج عنه مجتمع هجين مليء بالمتناقضات فلا المدينة تطورت كمدينة ولا الصفاء والطيبة بقيت من صفات القرى التي احتلها كما المدن الخراب... 

 

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية