حوار مع مبدع

لقاء الفنانة التشكيلية ناديا الحلواني

لقاء الفنانة التشكيلية ناديا الحلواني

2874 مشاهدة

موقع المهرجانات في سورية

 

لقاء الفنانة التشكيلية ناديا الحلواني

ناديا : بالرسم أفرغ هموم الأنثى الحالمة بالإنعتاق وتحطيم القيد الاجتماعي ...

الشعيبي : على الفنان أن يكتشف نفسه قبل أن يكتشفه الآخر....

ناديا : بالرسم عمقت التجربة بالذات الأنثوية

الشعيبي : مهمة المبدع إقلاق المتلقي ودفعه لطرح الأسئلة ...

 

ناديا الحلواني ... من ريف اللاذقية، تم امتطاء فرس الهواية " الرسم". ضمن بيئة ريفية بسيطة ارتحلت للمدينة منصاعة لوظيفة الوالد، ولم يكن في البيت من يهتم بالرسم لذا جاءت الهواية من داخلي ... شدني الطفل بكل تفاصيله العفوية من لعب وبكاء وضحك، فكان الرسم عندي فسحة للتعبير. 

 أمسكت قلم الرصاص ورحت أرسم ما أراه وما يخطر في البال، أتعرف إلى الخطوط والمواضيع والنور والظل ، وانتقلت بنفس العفوية للرسم بالمائي، وتعاملت مع شفافيته، وانسيابه على الورق / المساحة البيضاء. أفرغ هموم الأنثى الحالمة بالإعتاق وتحطيم القيد الاجتماعي عبر اللون الذي كان يمثل الموضوع في بعض اللوحات وهذا ما قادني للارتقاء بعملي ودخول عالم الألوان الزيتية.

وتعمقت التجربة بالذات الأنثوية مجسدة باللون المنساب على البياض. تأثرت بالطبيعة وأخذتني بخطوطها المنحنية تشعرني بالحنان ولذّة الاحتضان والولادة، توجهت  لرسم الشخوص بمختلف التعبيرات التي هي انعكاس للواقع كموضوع له علاقة بالحواس، والكلمة ،والدلالات الرمزية، و ما يخص الأنثى في واقع يراها سمكة مشتهاة، لتكون على موائد الغريزة وعاء للتلقي فقط. كل ذلك حاولت تجسيده بحالات كالفرح والحزن والشهقة والمفاجأة والصرخة والانعتاق .

وأتذكر بالمدرسة أن معلمة مادة العلوم كانت تطلب منا رسم الحشرات والحيوانات والأعضاء المكونة لتلك الهوام فكنت أرسمها بأناقة ودقة لفتت نظر المعلمة التي كانت تطالب زملائي بأن يكون رسمهم بدقة رسمي النابض بالحركة والحياة للمادة المرسومة، وأذكر مرة رسمت "الصرصار" فأخذت  المعلمة اللوحة ومررتها على زملائي فكان البعض يرتعب معتقدا أن الصرصار على قيد الحياة، ولا زلت أحتفظ بها. وأقامت لي معرضاً في المدرسة مما دفعني للتمسك بالهواية أكثر وأكثر.

وهنا لا يمكن أن أنسى الحسرة التي كانت تنتابني عند حصة الرسم، كانت فراغ وتوضع آخر حصة ليتم صرفنا للبيوت، كنت الجأ للبيت أفرغ هذه الخيبة بالرسم. والمفارقة أنني أصبحت معلمة وأدرس مادة الرسم، ما زال نفس الموقف من مادة الرسم والموسيقا يشرف عليها غير المتخصص ومن هم من الكادر الإداري تحت يافطة تنفيعة كما يقال؟؟؟

ودعني هنا أسوق حكاية تتعلق بمادة الرسم لا حظ المدرس أن الطفل في الصف يرسم امرأة مقتولة وملفوفة بالقماش ، وقد تكرر هذا الرسم لكن بأشكال مختلفة ، بعد التحري تبين أن الطفل متأثر بحادثة قتل والده لأمه والتخلص من الجثة باللف بقطعة من السجاد العتيق، وهكذا بكل بساطة تم اكتشاف الجريمة. ونخلص من ذلك أن الرسام يستمد مواضيعه  الأولى من محيطه.

والاهتمامات التي تشغلني في هذه المرحلة من عمر التجربة ، أعترف أنني لم أصل بعد لما يرضيني ، وأحتاج لتعميق التجربة بالمعرفة والعمل على الذات معرفيا وفنيا، وهذا جزء من طموحي للمستقبل، ولا زلت وحيدة أعتمد البحث والاكتشاف ، وتراكم الخبرة البسيطة ولازلت أعتمد على أحاسيسي ومشاعري، وأعترف أنني بحاجة للمزيد من المعارف التي تساعدني على امتلاك أدواتي التي تميزني عن الآخر. وضمن مسيرة البحث والاكتشاف لازلت أشتغل على الأشخاص أو كما تسمى فنيا على " البور تريه" وبشكل خاص المرأة/الأنثى، لكن لا أخفيك أنني لم أستطع التعبير عنها بحرية وكما أرغب من الناحية الفنية كشكل ومضمون ولا زلت أتحفظ في ذلك أمام المجتمع الذي لا يرحم؟

وللخلاص من هذا الوهم، بدأت بإطلاع زملائي على اللوحات والاستماع لأرائهم  فتعرفت من خلالهم على أدواتي بطريقة جريئة في تناول المواضيع وآلية الربط بين الشكل والمضمون عبر الكتل اللونية كرامز لما أريد الإشارة له بضرورة الانعتاق من قيود المجتمع متأثرة باللون عند الفنان " فان كوخ"  ، وأصبحت اختار المادة/الموضوع في سياق بعد معرفي إنساني بعيدا عن التمييز الاجتماعي بمختلف أشكاله وألوانه ..

الصحفي الأستاذ عكلة محمد علي الشعيبي الذي عرفنا على الفنانة التشكيلية قال :  ناديا فنانة تشكيلية تستحق من يقرأها، و يقف بجانبها، ليس لأنها أنثى فقط، بل لأن تجربتها على أهميتها تحتاج للصقل وامتلاك الأدوات من تكنيك وحرفية في التعامل مع الموضوع واللون. لا أطالب بالأكاديمية بمقدار ما أركز على ضرورة الاشتغال على الذات وذلك كي يكتشف الفنان نفسه قبل أن يكتشفه الآخر.

وأن يكون المتلقي شريكه بأي عمل، وهذا يقودنا للقول مشيرين للمثلث الذي يجمع بأضلاعه وزواياه الفنان والمادة / الموضوع والمتلقي، لذلك لا نستطيع إهمال زاوية أو ضلع في هذا المثلث، فالفنان التشكيلي بحاجة لأن يقرأه الآخر حتى ولو لم يكن فنان، بل مطلق متلقي. وهذا يجعلنا نشير أن مهمة المبدع إقلاق المتلقي ودفعه لطرح الأسئلة على نفسه وعلى محيطه/مجتمعه من خلال اللوحة، دون أن نلعب عليه لعبة المعلم ، بل يجب أن نحترمه ونشاركه ونرتقي معاً بالذائقة الجمالية لنا جميعاً. كي نلامس حلمنا بالكمال الذي هو غاية ومطلب كل فنان. ويمكنني القول أن الفنانة التشكيلية ناديا الحلواني استطاعت أن تلعب على هذا الموضوع وتشتغل عليه، لكن ذلك لا يعفيها من الاشتغال أكثر على الذات. دون التسرع والوقوف تحت دائرة الضوء، لأن الضوء عندما يسلط على المبدع يقلقه حد التعب، لذلك من يعمل لا بد من إشعال الضوء عليه من قبل أحدهم، ولكن أن يكون يستأهل ذلك الضوء. وناديا تستحق هذا الضوء، وأعتقد وكما عرفتها خجولة عندما تطلق عليها اسم فنانة تشكيلية ... تقول لا زال أمامي مسافات من العمل حتى أستحق شرف هذا اللقب/الصفة. وهذا تواضع العارف. أتمنى لها النجاح والتألق .

وعن العلاقة بين الموهبة والمعرفة قال لنا : المعرفة حالة تراكم للمبدع الموهوب، والموهبة موجودة لدى الناس لكن بحاجة للصقل، وهنا يأتي دور المعرفة. ومن ثم يدفع المتلقي للتوقف عند هذا المبدع والعمل على اقتناء عمله. لأنه يمثل الحرفية القائمة على الموهبة والمعرفة. وأحب الإشارة إلى أن الفن/الإبداع لا يقيم بالكم بل بالنوعية، لذا أشجع الفنانة ناديا الحلواني على إقامة معرض شخصي لها حتى باللوحات المتوفرة لديها. ودعني أسوق شاهدا موضوعيا على ماقصدت من كلامي لدي صديق كاتب تشيكي اسمه " ميلان كونديرا" رواياته تعد على أصابع اليد الواحدة، عرفني على بلدته "بيرنو" الذي دفعني لزيارتها من خلال رواياته.

"الساعة الخامسة والعشرون" رواية يتيمة للكاتب" "غونستانس جورجيو" دخل بها  التاريخ من أوسع أبوابه كما يقال. أتمنى من ناديا أن تسمعني أن المعارض تكرس الفنان. وليس الشهادة الدراسية والأكاديمية تخلق الفنان. ومن حقها أن تمثل الغد، لنكن نحن الأمس، لكن هي والمبدعين الغد.

وعن لوحتي " الدهشة والانعتاق" قال : هذا العمل  يؤكد أنها شاغله على نفسها بشكل جيد، محاولة إيصال رسالة من خلالهما... وعلى المبدع/الفنان أن يترك للمتلقي مساحة افتراضية ليدلي برأيه ويضيف ماعنده. لذلك أدعو الفنانة  ناديا إلى ضرورة التوجه للمتلقي/الشريك، بوصفه شريك وليس تلميذ تعطيه محاضرة . وأريد لها أن تستمر بعيدة عن أناها الفني كي لا تتحول هذه الأنا إلى مرض سرطاني يقتل الفنان. طبعا ناديا لازالت تعيش بساطة أبناء القرى ومساحة الأبيض بداخلها كبيرة ولا نريد للأبيض إلا أن يبقى أبيض. ومن حق الفنان أن يقول ويطرح رأيه ، وحقنا عليه أن يعبر من خلالنا، وأن يترك لنا جانب يشاركنا بفنه. والبوكرا لجميع الناس بمختلف شرائحهم وطبقاتهم، ومن الضروري أن نؤمن أن مانسعى له سنصل إليه، ولكل نملة حبة قمح ستصل لها.

ناديا تجربة تستحق القراءة والوقوف عندها والدراسة للإغناء كي تصبح مثل بقية الفنانين وتعرف متى تلملم شتاتها وتسافر مع ألوانها في هذه الحياة وأن يكون لها موقع تحت الشمس وأن يكون لها ظل طويل نقف بظله مع الأيام.

كنعان البني - اللاذقية

 ونذكر أنه سيكون للفنانة ناديا الحلواني مشاركة بالملتقى التشكيلي الذي سيقام في دمشق بتاريخ 31/10/2010 .

 

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية