أخبار الهيئة العربية للمسرح

لمخرج حاتم السيد و القاء الفنان .. عزيز خيون .. في افتتاح مهرجان المسرح العربي 2017 الدورة التاسعة .. عز الدين مجوبي.. الجزائر

لمخرج حاتم السيد و القاء الفنان .. عزيز خيون .. في افتتاح مهرجان المسرح العربي 2017 الدورة التاسعة .. عز الدين مجوبي.. الجزائر

1347 مشاهدة

 نشر : محمد سامي

السلامُ على أَدِيمُ هذه الأَرضِ الذي تشكّل من رفات الشهداء..

والسلام من قبلُ على شهداءِ الأمة أجمعين..

السلامُ على الحلمِ الذي لم يكتملْ بعد..

السلامُ على الكبارِ الذين أفنَوا أعمارَهم لتبقى خشبةُ الحياةِ تنبضُ بالحياة..

السلامُ على الأجيالِ الإبداعيةِ التي احترقتْ ليسودَ السلامُ على خشباتِ السلام..

السلامُ على الذين ما يزالون يخطّون الحرفَ على جدرانِ الوعيِ كيْ يستقيموا مسرحيين..

السلامُ عليكمْ وعلى أحلامِكم وعلى خشباتِكُم التي تحملونها في قلوبِكم..

والسلام من قبلُ ومن بعد على العتمةِ التي نستنيرُ منها الدربَ..

حين يحضُرُ المسرحُ يحضُرُ الحلمُ، وحين يكبُر المسرحُ يكبرُ الحلمُ وتستقيمُ الحياة، فلماذا لم تكبُرْ أحلامُنا مع المسرحِ رغمَ اتساعِها، ولماذا لم تستقمْ حياتُنا رغمَ كَثرةِ خشباتِنا؟

سؤالٌ بحجمِ الأمة التي ما تزالُ تبحثُ عن خشبةٍ يعُمُّ عليها السلام، فسلامٌ لكم، وسلامٌ عليكم، وسلامٌ على الله الذي غيّبناه لنحلَّ مكانَه..

كبيرةٌ أسئلتُنا، وكبيرةٌ أحلامُنا، وكبيرةٌ قضايانا، لن تقفَ عليها كلمةٌ مقتضَبةٌ كهذه، لكنّكم مَن يُحصيها عدداً، ويعيها وعياً، ويعيدُ إنتاجَها لتكونَ نهجاً، ليس لنا فقط، وإنّما لأمةٍ نريدُ أن ندرّبَ أبناءَها ليقفوا على بواباتِ المسارحِ ليشاهدوا كيفَ تكونُ الحياة..

ولأنّ رحلتَنا تأبى أن تُسدَل الستارةُ عليها، ولأنّ آمالَنا كما هي آمالُ “ونوس” الذي حكمَ وحكَمنا معه بالأمل، فإنَّ علينا أن نعيدَ تشكيلَ أرواحِنا وحضارتِنا وثقافتِنا من جديد، وأن ننفُضَ عنها العفونةَ التي تفشّتْ عليها، وأن نزيلَ الترهلَ الذي جعلَ أوصالَها ترتخي، وأن نزرعَ الحياةَ في أحلامِها التي بدأت تشحَبُ.

دعونا نواجِهِ الحقيقةَ أيها القابضون على جمرِها..

كيف يمكنُ أن تصنعوا البهجةَ في ظلِّ هذا الدمار، ووسطِ هذه القتامة؟ في أجواءِ هذا الموتِ الذي يكرّسُ نفسَه بديلاً للحياة.. كيف لكم أن تعيدونا إلى الزمنِ الجميل، زمنِ الوحدة، زمنِ التفاؤل، زمنِ الإبداع والمسرح المبهِج؟

هي أسئلةٌ كبيرة كما تَرَون..

كيفَ يمكنُ أن تنتزعوا الرداءةَ من جَنَبات هذه الحياةِ، ومن جنَبات هذه المسارح في واقعِنا؟ كيف يمكنُ أن تصنعوا الإجاباتِ المقنعةِ لأجيالٍ وُلدت في لجّةِ الأسئلةِ الكبيرة؟ كيفَ تنبجسُ من وراءِ ستائِرِكُم حياةٌ تعيدُنا للحياةِ وتأخُذُنا من لحظةِ الإسفافِ القاتمةِ والقاتلة؟

هيَ أسئلةٌ بحجمِ هذه الأرضِ الممتدةِ منَ المحيطِ الهادرِ إلى الخليجِ الذي يزْبُدُ غضباً..

أسئلةٌ عليكم أن تصنعوا إجاباتِها، وإلا ستتجاوزُكُم الحياةُ إن لم……!

كيفَ لنا كفنانين ومثقفين أن نقفَ في وجهِ هؤلاءِ الأوصياءِ على الحياةِ.. هؤلاءِ الذين ينْصُبون أنفسَهم مكانَ الله، يحلّلون ويحرّمون والأمةُ تنقسِمُ عليهِم وبسببِهم؟

كيف لنا كفنانين ومثقفين أن نجعلَ الأمةَ تلتقي على الأفكارِ الكبيرة والأحلامِ العظيمة، لا أن تنقسمَ على السفاهةِ والانحطاط؟

كيف لنا كفنانين ومثقفين أن نربأَ بأنفسِنا أن نكونَ أبواقاً لأفكارٍ قميئةٍ تدعونا للاصطفافِ خلفَها دونَ الوعيِ بها؟

كيف يمكنُنا أن نقبلَ الآخَرَ، وأن نطلبَ من الآخرِ القَبولَ بنا، إذا لم نقدّمْ ما هو إنسانيٌّ جمعيٌّ يسمو فوقَ كلِّ أنانية؟

كيف لنا أن نصنعَ منَ المسرحِ حريةً للنفْس، وحريةً للفكر، وحريةً للخيال، وحريةً للحلم.. نعم؛ أحلُمُ كما أشاء، أحلُمُ كما أشاء لا كما تشاءُ لي..

ليكُنْ مسرحُنا مسرحَ الحقيقةِ لا مسرحَ الخداع، مسرحَ الوعيِ لا مسرحَ التضليل، مسرحَ الكبارِ لا مسرحَ الإسفاف، مسرحَ الحياةِ لا مسرحَ الموت.. أُعيدُها: مسرحَ الحياةِ لا مسرحَ الموت.

كبُرْتُ مع هذه الخشبة، وكبُرَ معي الحلمُ وشاخ كما شاختْ أوصالي، وها أنا اليومَ أرقبُ هذه الخشبةَ بخوفٍ كما يرقُبها أيُّ محِبٍّ للحياة.. لا أُريدُها للنخبة، أريدُها لكلّ الحالمين بالحبّ، أريدُها لكلّ العاشقينَ للهروبِ من نَيْرِ الفقرِ والجوع والحرمان، أريدُها وطناً واحداً، أريدُها قصيدةً تتغنّى بالأرضِ والإنسان، أريدُها وسيلةً لمقاومةِ الشِّقاقِ والنزاعِ والموت، أريدُها قصةً تُروى لطفلٍ كي ينامَ فيحْلُم بحياةٍ أكثرَ أمناً وصفاء..

أقف اليومَ لأقدّم اعتذاري الشديد إلى الذين حملوا مشاعلَ الريادة، وما زالتْ أرواحُهُم ترفرفُ حولَنا، وآثارهُم تبعثُ فينا العزيمة والإصرارَ على مواصلةِ الدربِ بجِدٍّ وإبداع.

إلى كلِّ المسرحيين العربِ الذين يحملونَ الرايةَ على امتدادِ الترابِ العربي، ويعاندون مرارةَ التهميشِ والإقصاءِ في زمنِ الانكسار، زمنِ الظلاميين، زمنِ محوِ الهويةِ واغتيالِها وطمْسِ التراث.

أقدمُ اعتذاري لنفسي ولوطني ولعروبتي، ولكلِّ الذين لم نستطعْ أن نحميَ أحلامَهُم ونصْعدَ بوعيهِم، لأنّ غيرَنا كان الأقوى بإمكاناتِه فخطفهُمْ إلى مكانٍ مظْلم.

وها أنا أيضا أقدّمُ اعتذاري في هذا اليوم إلى روحِ أمّي، لأنني خيّبتُ ظنَّها بأن تصبحَ أمَّ الدكتور، لا أمَّ الفنان، وأشكرها لأنها عادت لتفتخر بأنها أم الفنان المسرحي.

سيداتي وسادتي

علينا كمسرحيين ومبدعين أن نحميَ ثغورَنا وحصونَنا وقلاعَنا الثقافيةَ والإبداعية، رُغم ما نعانيه من ضيقِ ذاتِ اليدِ وشُحِّ الدعمِ وتبدُّلِ الأولوياتِ في ظلِّ سطوةِ العولمةِ ومشاهِدِ الانكسار، فلا بدّ لـ “سيزيف العربي” أن ينهضَ من جديدٍ ويحملَ “الصّخرة” ويصعَدَ بها قمةَ الجبلِ غيرَ آبهٍ بقيودِه وأغلالِه.

ولأنّ هذه الخشبةَ جزءٌ أصيلٌ من ثقافةِ الأمة، فإنّ التهميشَ الذي طال الثقافةَ قد طالَها هي أيضاً، فما زالت في أدنى سُلّمِ الاهتمامات بالنسبةِ إلى الحكوماتِ العربية،  وما زالتْ في دائرةِ التهميشِ والإقصاءِ وغيابِ الرعاية الحقيقية. فموازناتُ وِزاراتِ الثقافةِ في الوطنِ العربي شحيحةٌ، وهي في مجموعِها لا تعادلُ أجرةَ “نجمٍ” في كرةِ القدم أو مكافأةَ مدربٍ رياضّي في أحسنِ الأحوال.

فكيفَ للثقافةِ أن تنهضَ من كبوتِها دونَ أن تمتدَّ اليدُ الحانيةُ لها، وكيفَ بمقدورِها أن تتجاوزَ أزماتِ العصرِ من إرهابٍ وتطرّفٍ استشرى في كلّ الأرجاء، حيثُ أصبحتِ الأرضُ العربية مسرحاً للفتنِ والاحترابِ والتدميرِ والقتلِ وسفكِ الدماء.

إننا اليومَ بحاجةٍ إلى رؤيةٍ جديدةٍ لمسرحِنا العربي، تجمعُ بين الأصالةِ والمعاصرة، وأن ننفتحَ على تجاربِ الشعوبِ الحيّة.

لن أُبْحِرَ في وصفِ حياةٍ طويلةٍ أنجزتُ فيها عشراتِ الأعمالِ في ثنائيةِ العَتَمَةِ والنُّور، لكنني أكتفي بثلاثِ كلماتٍ؛ هي رحلةُ الإصرارِ، والعزيمةِ، والمعاناة.

فمنذُ اخترتُ هذه الطريقَ، عانيتُ كثيراً، من اختياري دراسةَ الفنونِ مروراَ بالتحاقي بالمعهدِ العالي للفنون المسرحيةِ بالقاهرة، وكأنه بمثابةِ الدخولِ إلى جنّةِ الأحلام التي كنتُ أُمَنّي النّفسَ بها، مروراً بكلِّ ما انتهجناهُ وقدمناهُ من رؤى لصياغةِ ماضينا وتراثِنا ليكونَ مستقبلاً مشرِقاً، فهل أنحزنا ما حلُمنا به؟

أيها المسرحيّون، كلُّ هذه المعاناةِ كانتِ الدرسَ الأولَ في دراما الحياةِ والإبداع، فكونوا كما كنا، قاتلوا وراءَ الكواليس لتشُقَّ الأضواءُ عَتَمَة الحياة..

أيها المسرحيون الشباب، كونوا كما كنا، فأنتم الأمل الذي نعيش لنحققه.

وفي الختام..

علينا جميعا أن نرفع القبعة احتراماً للهيئة العربية للمسرح، فهي التي قدمت الكثير لتحمل رسالة المسرح العربي في ظل غياب وزارات الثقافة العربية..

شكراً للشيخ المسرحي سلطان القاسمي الذي أسهم ويسهم في تمتين بناء الفضاء المسرحي العربي .

والسلامُ ختام!

موقع المهرجانات في سورية

يتمنى التوفيق والنجاح للمهرجان

كنعان البني

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية