حوار مع مبدع

ماهر هربش ابتكار اللحظة الضوئية

ماهر هربش ابتكار اللحظة الضوئية

2564 مشاهدة

ماهر هربش ابتكار  اللحظة الضوئية



عبد الناصر حسو

ملحق الثورة الثقافي 728

الثلاثاء 15/2/2011 

تساهم التكنولوجيا الحديثة في إنتاج عروض  مسرحية لها الأثر الكبير على مسيرة الحركة المسرحية في سورية والوطن العربي، ويرى البعض أن  استخدامها المتطور في العروض إنقاذ للمسرح من أدواته التقليدية فيما إذا وظفت وفق  رؤية المخرج وحافظت على جوهر المسرح، لكن يخشى البعض أن تحل هذه التكنولوجيا مكان  الكلمة، وتتقاسم دور الممثل إن لم نقل تهدد دوره، هل يمكن توظيف هذه التقنية  الساحرة في عروضنا المسرحية بشكل ينسجم مع رؤية المخرج؟‏

 "ماهر هربش" فنان  الإضاءة المبدع ورئيس قسم "تكنولوجيا المسرح وإدارته" في المعهد العالي للفنون  المسرحية، صمم العديد من إضاءة العروض المسرحية والراقصة وافتتاحيات المهرجانات  المسرحية والسينمائية والأيام الثقافية في سورية وخارجها.‏

يبتكر المشاهد  بإحساسه العالي في تشكيل الألوان من خلال مشاهداته الدرامية مازجاً في بوتقة واحدة،  ليخرج ضوءاً لا يضيء عتمة الخشبة، فحسب بل يبدّد عتمة النفوس ويجعل الشخصيات تنطق  بلسان الإضاءة. نال العديد من الجوائز وشهادات التقدير واكتسب شهرة عربية بامتياز.‏

 هل يمكن أن  تعرّف لنا الإضاءة الدرامية؟‏

••  بداية يجب  التمييز بين ثلاث حالات أو وظائف، فهناك الإضاءة الخدمية التي سادت فترة طويلة على  عروضنا المسرحية، والتي يمكن تسميتها بالإنارة، حيث كانت تقتصر على إنارة عتمة  الخشبة من دون الاهتمام بالدور الدرامي الذي يرتبط ببينة العمل المسرحي، وهناك  الإضاءة الجمالية التي كانت تبحث عن جماليات العروض من دون دراسة واعية لمدى  توافقها مع مقولة العرض، وهناك الإضاءة الدرامية التي تكون هي جوهر السؤال الذي  طرحته، فهي التي تجعل المتلقي يستقبل الضوء بجمالياته ووظيفته الخدمية والدرامية  والجمالية، وتحقق الراحة لديه، وفي الوقت نفسه تشاركه في إيصال جوهر العمل ورسالته،  للوصول إلى ذلك من خلال تقنية وخطة لابد من إتباعها، وتبدأ من قراءة النص وفهم  حالاته وإشكالياته الدرامية، وهذا يتم عبر الانطلاق من مؤشرات النص ورؤية المخرج  وطريقة معالجته للشخصيات، حينما يكون التركيز على دواخل الشخصيات، فلكل حالة من  حالات الأداء التمثيلي مرافقاتها الضوئية تشارك في صياغة الشخصية ورؤاها، فالظل  والنور هما مبادئ أسس علم الجمال.‏

 في العمل  الدرامي كما في الحياة نجد أن لكل شخصية ظلالها، فالشخصية الإنسانية هي مزيج من  الظل والنور، ولابد من أن يراعى ذلك أثناء خلق الشخصية الدرامية على خشبة المسرح،  وأن تكون الإضاءة واعية بمدى أهمية الظل في التركيب الدرامي للشخصية المسرحية.‏

في الواقع، إن  فنان الإضاءة هو ذلك الذي يعرف متى يضيء الظل، ومتى يظلّل المضيء حسب الحالة  الشخصية للعالم الداخلي والتركيب النفسي لها ومواقفها لإبرازه في اللحظة الضوئية،  وحينما نأخذ في الحسبان، بأن الظل في أحد أبعاده هو الضوء ذاته، سنعرف مدى أهمية  الجدلية القائمة بين الظل والنور.‏

 يبدو أن  العروض الراقصة تمنحك الحرية في التعامل مع الإضاءة أكثر مما تمنحه عروض المسرح  الدرامي، ما هو السبب في رأيك؟‏

 •• فعلاً في  العروض الراقصة يكون اهتمامي منصباً على تقديم صورة بصرية مدهشة وملفتة للنظر،  لأنني هنا أحاول أن أهتم باللون والكادر العام المطلوب إضاءته، فالتنوع الحركي  والأزياء التي تمتلكه العروض الراقصة، يفرض نفسه علي، وبالتالي فالهدف هنا يكون هو  التنوع والتغير الدائم في الإضاءة، لنصل في النهاية إلى خلق جو سحري خاص يعنى برسم  صورة بصرية جميلة، بمعنى آخر، لا يجد مصمم الإضاءة في العروض الراقصة أو عروض  «show» بشكل عام حرجاً أو أي قيود درامية كبيرة في تصميمه للإضاءة، لأنه يتجه باتجاه  الجمالية البحتة، لأن هذه العروض لا تعتمد على الدراما بقوة، وإنما تعتمد على تقديم  صورة بصرية ملفتة ومدروسة في كيفية التعامل مع اللون ومزجه ومع الحالة الحركية  الراقصة وللأجواء العامة، وهذا تقديم مشهدية بصرية بالاتفاق مع مصمم الرقص.‏

 في حين أن  العروض الدرامية، فهي عروض تحتاج إلى دقة أكثر في التعامل مع الإضاءة، لأنها تتبع  بالضرورة إلى ما يطرح النص أو العرض، وبالتالي تركيبة الشخصية المضاءة، فنحن في  الإضاءة الدرامية لا يمكن لنا إلا أن ندخل إلى أعماق الشخصية ليتم التوافق مع  الهارموني بين هذه الشخصيات والإضاءة، أي أننا نتجه بالإضاءة أو نهتم بالجانب  الدرامي الذي يحقق الوظيفة الدرامية للإضاءة.‏

 تعاملت مع  العديد من المخرجين، ويبدو أن العلاقة بين المخرج والمصمم عادة ما توصف  بالديكتاتورية أو الديمقراطية، أي نوع من المخرجين ترغب أن تتعامل معهم، وما  السبب؟‏

 •• سأقول لك ومن  البداية أنني أكره التعامل مع المخرجين الذين يعتبرون أنفسهم  "كالزبدية الصيني " ،  وقد تعرضت في حياتي المهنية لهذا النوع من المخرجين، واكتشفت آنذاك أنهم مخرجون لا  يتمتعون برؤية فنية واضحة للعرض الذين يتصدون لإخراجه، مما يضطرون لمحاولة إقناع  الآخرين بأنهم يفهمون عن طريق التدخل بالعناصر الأخرى من دون أن يمتلكوا أي مرجعية  أو فهم حقيقي للمساحات الفنية التي تقدمها العناصر المسرحية الأخرى، وهذا في حد  ذاته تهميش وتحجيم ومسخ لهذه العناصر إن لم أقل قتلها، لهذا يخرج العرض برؤية  أحادية الجانب تطغى على جميع العناصر الفنية الأخرى.‏

أما المخرجون  الحقيقيون الذين يمتلكون رؤية فنية واضحة للعرض والذين أحب التعامل معهم هم  المخرجون الحقيقيون الذين يعرفون تماماً بأنهم قادرون على أن يجيّروا كل الرؤى  الفنية لصالح رؤيتهم، ومن هنا يتركون للأعضاء الآخرين حرية التفكير والعمل ويتركون  لهم أيضاً حرية المشاركة، لأن هذه المشاركة في الرؤى الفنية، تعني التطور والغنى  الفني الذي يطمح إليه أي مخرج وأي عرض مسرحي.‏

 بمعنى آخر لا  أحبذ أن يتعامل المخرج مع مصمم الإضاءة على أنه كهربائي، ومع مصمم الديكور على أنه  نجار، ومع مصمم الأزياء على أنه خياط.‏ 

 ما هو تأثير  الإضاءة على الممثل؟‏

 •• الإضاءة تقدم  العديد من التكوينات للشخصية الواحدة، وبمجرد تغير زوايا الضوء، تتغير الشخصية من  ناحية الشكل، وهذه من الأمور التي يجب أن يلحظها المصمم عندما يقوم بتصميم إضاءة  لوحة ما، أو مشهد ما، ومن خلال ملاحظاته، يستطيع أن يختار الزاوية الصحيحة التي يجد  من خلالها ترابطاً مع الحالة الدرامية للشخصية، ومنها ينطلق لخلق لوحة بصرية، وبعد  سينوغرافي للمكان، وذلك بخلقه للظل والنور وإيجاد هارمونية «تكاملية» واضحة في  المشهد المسرحي.‏

 هل يمكن حل  القضايا العالقة في العرض المسرحي بواسطة الإضاءة، بمعنى يمكن أن تحل الإضاءة مكان  الشخصية/ الممثل في بعض المشاهد؟‏

 •• إن إمكانيات  الإضاءة سمحت للمصمم التعامل مع الضوء بأشكال مختلفة، فقد أصبح بالإمكان خلق صور  وفضاءات وكتل ديكورية أو سينوغرافية عن طريق ما يسمى بـ «الكوبو»، وهو صورة ضوئية  يتم رسمها وصناعتها، وتتوضع داخل مصدر الضوء، من هنا استطعنا أن نضيف أشكالاً  ورسومات تضيف للديكور أو القطع الديكورية ما يغنيها ويعمق جانبها البصري، وهذا  ينطبق على إضاءة الأزياء أيضاً.‏

إن مصمم الإضاءة  قادر الآن على خلق سينوغرافيا في فضاء مفتوح، خالِ من الديكور، ويمكن رسمه عن طريق  الإضاءة بالاتفاق مع السينوغرافي والمخرج، لكن بالنسبة للشطر الثاني من السؤال، أن  تحل مكان الشخصية/ الممثل، فهذا يعود إلى طبيعة العرض المسرحي وطبيعة الشخصية،  وتوجه العرض.‏

أخيراً، إن  الإضاءة هي الصورة الثانية لأي عرض مسرحي، ولأي عنصر من عناصر هذا العرض، مادامت هي  التي تشكل هذه الصورة، فهي تضيف إذاً ثراءً وغنىً إلى العرض المسرحي.‏

 أولاً، أنت  خريج قسم الدراسات المسرحية، وصممت العديد من العروض الدرامية منذ عشرين سنة، ما  رأيك بالمسرح السوري الآن، وإلى أين يسير؟‏

••  هل تصدق أنني  حتى الآن لم أستطع أن أفكر كيف لي أن أقيّم عروض المسرح السوري في ظل غياب  استراتيجية واضحة للمواسم المسرحية، بمعنى آخر، إن عملية التقييم تتم عادة عندما  نجد عملاً ما بمستوى جيد في موسم ما، ونأمل أو نعمل على تطوير أعمال أخرى في الموسم  القادم، بمعنى أن نتجاوز الأخطاء ونكرّس المستويات الجيدة، لكن للأسف لا نجد تقييماً  جدياً لعروض المواسم ليتم تطويرها في ما بعد.‏

المشكلة هنا، هل  هي في طريقة التعامل مع العرض، أم هي الرغبة في تطوير المسرح السوري؟ أحياناً يكون  التصدي مبنياً على أن نخرج موسماً أو نسجل لأنفسنا موسماً بغض النظر عن سويته  الفنية، وأحياناً تكمن المشكلة في المخرجين أنفسهم، بمعنى أن المخرج يصرّ على أن  يخرج عملاً في هذا الموسم، ليثبت حضوراً فنياً وإخراجياً فقط، من دون البحث عن  السوية التي يقارن بها عروضه السابقة، هذا بالإضافة إلى الشللية المتنامية والتعامل  مع الفن المسرحي كسلعة استهلاكية إلى حد الاستسهال.‏

 من هنا أقول  بصدق إنني أتحدى أي شخص يستطيع أن يسبر واقع المسرح السوري منذ عشر سنوات وحتى  الآن، أو أن يعطي رأياً تقييمياً فيه، مع العلم أن هناك بعض التجارب حققت نجاحاً،  أنا أعتبرها طفرات، والطفرات لا تعني مسرحاً سورياً، ولا يمكن أن يشكل الارتجال  حركة مسرحية كون معظم العروض تنتج ارتجالياً من دون تنظيم أو إستراتيجية من قبل  المخرج والمؤسسة المنتجة للعروض.‏

 باعتبارك رئيس  قسم تكنولوجيا المسرح وإدارته في المعهد العالي للفنون المسرحية، وهو قسم أحدث  مؤخراً إلى جانب أقسام المعهد الأخرى، ما الهدف برأيك من افتتاح هذا القسم، وإلى أي  درجة هي خطوة عملية باتجاه تطور الحركة المسرحية في سورية؟‏

 •• بعد  التغييرات وثورة التكنولوجيا والاكتشافات العلمية التي حدثت في العالم في الألفية  الثالثة، وطالت المنطقة العربية وثقافاتها الحداثوية وما بعدها، كان لابد من إعادة  النظر في المناهج التعليمية في المعاهد والجامعات العربية، وفي أشكال إنتاج الثقافة  العربية الفنية والمسرحية والتوجه إلى سوق العمل الفني وجعلها ضرورة إبداعية، ومن  ثم افتتاح أقسام جديدة واختصاصات فنية تلبي احتياجات هذا السوق، لذلك جاء إحداث قسم  تكنولوجيا المسرح وإدارته إلى جانب أقسام التمثيل والدراسات المسرحية والرقص  التعبيري والتصميم المسرحي تلبية لمتطلبات سوق العمل الفني في المسارح القومية  السورية التي تم افتتاحها في معظم المحافظات في السنوات الماضية، وأيضاً العمل في  الفضائيات التي ازدادت بكثرة منذ منتصف التسعينيات وحتى الآن إلى جانب شركات  الإنتاج الفني الخاصة بدبلجة الأفلام والمسلسلات الأجنبية.‏

يعتبر قسم  تكنولوجيا المسرح وإدارته، أول قسم في الوطن العربي، يتضمن اختصاصين هما:
الأول،  تقنيات الإضاءة المسرحية، والثاني، تقنيات الصوت، يختص فيهما الطالب في مجالات  الإضاءة والصوت، ويتطرق في دراسته إلى مفاهيم في الإدارة المسرحية والتصوير الضوئي  والتلفزيوني والسينمائي، وقد استقطب القسم خيرة المدرسين للتدريس والتدريب عملياً  ونظرياً، والإطلاع على أحدث ما توصل إليه سوق العمل في مجال التخصص، خاصة أن  التكنولوجيا تتطور بسرعة مذهلة وهو نتاج هذا العصر المتسارع في أجهزة الكومبيوتر  وبرامجها، وبالتالي يكون الخريج فناناً مثقفاً إلى جانب أن يكون تقنياً أكاديمياً  يدرك أهمية العمل الفني.‏

 

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية