مواضيع للحوار

مسرح الشارع  ارتجال فني يحاكي الحياة اليومية

مسرح الشارع ارتجال فني يحاكي الحياة اليومية

983 مشاهدة

 مسرح الشارع  ارتجال فني يحاكي الحياة اليومية

علاء كريم

المصدر: موقع الخشبة

وجد مسرح الشارع منذ أن عرف الإنسان المسرح، وقد ارتبط ارتباطا وثيقا بالعقيدة الدينية، وتجارب الإغريق، والمسرح المصري القديم الفرعوني، وفترة عصر النهضة الأوروبية، شأنه شأن أي نمط فني، يسعى إلى طرح مواضيع هادفة للنقاش في لقاءات مباشرة ودون قيود مع الناس في الشارع، يهدف إلى تكسير الأشكال التقليدية التي ارتبطت عند الناس بالقاعات الكبرى ثم تغيير الأفكار السلبية المرتبطة بالشارع ليجعل منها فضاء ينطلق منه نقاش حقيقي حول المواضيع التي تهم الناس وتخفف من همومهم، ليست بالتجربة السهلة لكنها جد ممكنة، كما يرتبط مسرح الشارع بالمهرجانات والكرنفالات والمرح والاجتماعات الشعبية، التي تعبر عن احتجاج التجمعات السكانية عن الظروف الاقتصادية والسياسية السيئة في البلاد، ويعمل أيضا على تغيير الروتين بالأفعال والطرح الجريء.

من المهم تحديد أي «مسرح شارع» نريد، فليست كل المسارح المفتوحة مسرح شارع، فعناصر المسرح وفقا لتعريف الكاتب البريطاني «بيتر بروك» هي: الممثل والجمهور والمكان، فإذا توافرت هذه العناصر فنحن بصدد عمل مسرحي، أما مسرح الشارع فهو مفهوم خلافي، ليس كل عرض في الشارع هو عرض شارع، فهناك شروط يجب أن يكسبها كي يتحقق هذا النوع من المسرح، ويجب أن يرتبط هذا المسرح بالجمهور الذي يقدم له، كما يجب أن تكون المضامين قابلة للتأويل وفك رموزها بسهولة وسرعة، وأن ارتباط هذا المسرح بالمجتمع والبيئة يفرز أشكالا مختلفة وجديدة تستحق الانتباه قد تكون مؤثرة وربما تشكل ظاهرة فنية أكبر مما هي عليه الآن.

لماذا يقدم مسرح الشارع في الشارع وليس على خشبة المسرح؟ وهل يتقبل الجمهور عروض مسرح الشارع، لأنها تقدم نوعا من النقد السياسي والاجتماعي أم ماذا؟ والأهم هو هل نحن في حاجة إلى مسرح الشارع في العراق؟ الإجابة عن هذه الأسئلة ستتم عبر ما سنتناوله، لأن طبيعة الواقع الذي يعيشه المسرحي، ونوعية الجماهير التي يتعاطى معها فرضت عليه نوعا من المسرح الذي يقدمه، فمسارح الدولة لا تعطي الفرصة الكاملة لتقديم أي عرض عليها، إضافة إلى أن الجمهور لا يتقبل ولا يهتم في أي مسرح، لذا يجب البحث عنه والذهاب إليه.

يقدم هذا المسرح في الشارع: لأنه يهدف إلى الخروج عن الشكل التقليدي للمسرح، وبشروط محددة مثل الصدق في طرح مشكلات الواقع، واختيار النصوص التي تلائم الجمهور الذي تتوجه إليه، كما أنه عرض يتحرر من الديكورات ويعتمد أساسا على الممثل في جذب الجمهور الذي يمثل بجسده الديكور، هو بعكس المسرح العادي لأنه يعتمد المباشرة التي تخلق الحميمية، من يقدموا هذا المسرح يجب أن لا يتعدوا عن بيئة مسرح الشارع في تقديم العروض، وهي بيئة متنقلة بمعنى أن العروض تقدم في أماكن مختلفة غير المباني التقليدية للفن المسرحي، كما يحمل هذا المسرح تسليات الشارع في مهارات ألعاب الشعوذة والألعاب السحرية أو الأكروبات، والتي تبعد الجمهور عن مشاغل الحياة اليومية بوسائل بسيطة، مسرح الشارع قديم، حيث قدم أداء متغايراً متعدد الأفعال والأفكار، ويمكن أن يكون مضحكاً ومتسامياً في آن واحد وأن يكون متكلفاً ومصقولاً ومحرضاً أحياناً، كما أنه يبحث المسرة في نفوس الكثيرين من البشر الموجودين في الشوارع.

لماذا لا يكون لدينا مسرح الشارع؟ خاصة أننا نملك تراثا هائلا في هذا المجال، فلدينا الحكواتي، والأراجوز… إلخ وكلها أشكال ملتحمة التحاما كاملا بالشارع، يعتبر هذا المسرح ظاهرة غير منفصلة عن الواقع السياسي والحراك الدائر منذ زمن، فهو مسرح غير خاضع للرقابة، ويعتمد على الارتجال والحيوية والشباب باستمرار، كما أنه لو فعل العمل به على ضوء ما يمر به العراق من تحديات، سنشاهد تفاعلات على الساحة العراقية مع هذا الفن، والتي هي جزء من حالة الحراك والمطالبة بالإصلاح والاستقلالية، كون أن هذا المسرح يمثل صوت المهمشين في الشارع والمجتمع عامة، وأيضا يعبر عما وصل إليه الوضع المسرحي من ضعف عام وإهمال كبير للمبدعين.

مسرح الشارع تحريضي لأنه الذي يقدم عروضه في الشارع أو على أحد الأرصفة، ويشاهد المارة هذه العروض التي تحمل هموم ومعاناة هم جزء منها، وقد يتفاعلون ويبتسمون مع العرض، بتكرار العروض وكثرة المشاهدين ينتقل إلى أماكن أخرى ومختلفة غير مرتبطة بخشبة المسرح، يهتم المسرح التحريضي بالواقع الذي يعيشه المجتمع عامة والشباب خاصة، وتتحدث موضوعة هذه العروض احياناً عن ثقافة الجنس وثقافة الحرب التي تشاهد عبر الانترنيت والفضائيات، كما تتحدث عن الفقر والظلم.

هذا المسرح يقدم رسالة ثقافية تحمل ارتجالا فنيا يحاكي الحياة اليومية، عندما نسير على الشارع ونحتك بعديد من الأشخاص وفي كثير من الأماكن، سنستمع ونشاهد الكثير من القصص والحكايات. الشارع طريق ومساحة تحدد للأشخاص مسلك العبور والوصول من دون حواجز أو معوقات، ولكن عند الغوص في عمق الفكرة نجد أن الشارع وسيلة تثقيفية وتعليمية، خرجت منها العديد من العروض الإنسانية التي تمس خلفيات المجتمع وأسس تكوينه، ويقودنا الحديث هنا لاستعراض أهمية الشارع في إبداع فن المسرح الارتجالي، فمسرح الشارع رسالة فنية ثقافية بتوليف ارتجالي وأزياء بسيطة تشكل مساحة إبداعية غير محددة. كما أنه يلعب دورا تفاعليا في استثمار الأماكن المفتوحة، لخلق رسالة مباشرة تحمل إشكاليات ومعالجات كثيرة، وفق رؤى فلسفية وبشكل فني متقن تعطي معنى واضحاً للجمهور.

لعروض الشارع ملامح خاصة لها متطلبات أهمها: دراسة القضية المفترض طرحها دراسة متأنية، كما يجب أن تكون هناك إجابات واضحة لأسئلة قد يسوقها الشارع، والكشف عن زيف كل ما يطرح بعيد عن الحقيقة، لذا يحتاج هذا المسرح إلى تدريب عناصره البشرية تدريبا خاصا، أهم خطواته كيفية التعامل مع الطارئ من الأمور مع تمرينات شاقة ومستمرة (بدنية وذهنية) ليكون الممثل في حالة حضور دائم يمكنه السيطرة على جمهوره المتنوع المكون من فئات عمرية وفكرية مختلفة.