أخبار أدبية

مسرحية  25سم  تأليف علي عبد النبي الزيدي

مسرحية 25سم تأليف علي عبد النبي الزيدي

807 مشاهدة

مسرحية  25سم  تأليف علي عبد النبي الزيدي

المصدر: مجلة الفرجة

(مسرح ما بعد الخراب أو نصوص المدينة الفاسدة)

 ( تحذير )

هذا النص غير صالح (الآن) لخشبات مسرحنا العراقي والعربي، وأومن تماما بأنه سيقدم من قبل جيل مسرحي قادم أكثر ثورية واختلافا عن جيلنا، الجيل الذي سيقر أني بهدوء ودون انفعال أو تُهمٍ جاهزة.. أكون لحظتها قد غادرت الحياة، الحياة التي لم أحبّها ولو لساعة واحدة!! هذا النص هو ضمن مشروع نصوص اطلقت عليها بـالديستوبيا (نصوص ما بعد الخراب أو نصوص المدينة الفاسدة) سيظهر ضمن كتاب يضم العديد من هذه الأعمال المسرحية.

الشخصيات

  • شاب1 : في الخامسة والعشرين من عمره.

 

  • شاب2 : في الخامسة والعشرين من عمره.

 

  • أبو درب : في الخمسين من عمره.

 

1 ـ (استهلال سخيف وغير محترم)

 

المكان: غرفة (رقم 155) في فندق من الدرجة العاشرة، فيها سرير واحد مغطى بشرشف أبيض ناصع البياض…نرى الكثير من الجمهور يدخل الى الغرفة، أو هكذا يتخيّل (الشخص) الذي سنعرفه لاحقاً بأن هؤلاء يدخلون الى غرفته في الفندق! هذا (الشخص) يقف على سجادة الصلاة، يصلي بعمق، بعدها ينتهي من صلاته…

الشخص: (يتحدث مع الجمهور بهدوء جدا، أو هكذا نتخيّل ذلك) أستغفر الله، ما الذي يحدث هنا؟ ومن أنتم؟ أو ما الذي جعلكم تدخلون الى هذه الغرفة؟! عجيب. هناك الكثير من الغرف الفارغة في هذا الفندق، لماذا هذه بالذات وهي الأكثر وساخة؟ (يصيح بهم) اسمعوا جيدا، أنا لستُ مسؤولاً عن وجودِكم هنا، ولا تعتبوا عليَّ بعد ذلك.. لأنني ببساطة لم أرسل لكم دعوة للحضور، لقد جئتم بأنفسكِم.. لذلك لست مسؤولاً عن ما سيحدث فقد دخلتم الى الغرفة الخطأ! تذكروا ذلك، لقد جئتم للغرفةِ الخطأ… (الشخص يختفي)

 2– (نعال أبو الإصبع)

 

المكان: غرفة صغيرة رقمها (154) في فندق من الدرجة العاشرة، الألوان غادرت الجدران تماما، سرير واحد وضع في الزاوية، كل محتويات الغرفة من شراشف ووسائد وغيرها تبدو على قدر كبير من الوساخة وتخرج منها روائح نتنة وعفونة مقرفة… شاب1 يجلس على سريره لوحده، يبدو مرتبكا، يتحدث مع أشخاص لا نراهم وكأنه في جلسة تحقيق…

شاب1:  قصتي، قصتي.. هو إنني، إنني… (يصمت) آسف آسف، أنا شابٌ تعبان (يبتسم بصعوبة) ليس اسمي، لالا.. أنا أقصدُ بأنني شابٌ تعبان من برج الأسد وفي الخامسة والعشرين من عمره، أو أنا مرتبك و، و، و…… أرجو المعذرة، اسمحوا لي أن استمرَ بالحديث عن ما حدث لي، القصةُ ببساطة أنني تعرضتُ للقتل، أعني، أعني للتهديد، نعم، لقد هددوني بالقتل كما أظن أو هكذا فهمت، وضعوا لي ورقة وفوقها رصاصة عند باب بيتي، الورقة كتبوا عليها: (يرتبك أكثر) أنت عميل! هذا كل ما كتبوه، كان يفترض أن أكونَ الآن في عداد المذبوحين، أعني من الفاطسين.. والفطيسة تعني أن لا أحد يدفنك مثل أي حيوان نفق على قارعة الطريق، فيقال عنه : هذه فطيسة! ولكنني هربتُ مباشرةً عندما قرأتُ تلك الورقة لأنني لا أعرف فعلا ماذا يقصدون بكلمةِ عميل ولا أريدُ أن أتحوّلَ الى فطيسة. أنا شابٌ تعبان تركتُ المدرسة من أجل أن أسكتَ أفواه عائلتي. أنا تعبان وقد جئتُ الى هنا من أجل أن أحصلَ على فرصةِ اللجوء الى أيِّ بلدٍ أعيش فيه، أيّ بلد، حتى لو في سويسرا لا يهم، المهم عندي أن أكونَ آمناً وأنام بهدوء فيه ولا أكون فطيسة… ( يتوقف) ها؟ ماذا؟ لا تبدو القصّة مقنعة، اصبروا عليَّ قليلا.. سأقصُّ عليكم قصة غريبة عاشرة أخرى. قصتي، قصتي هو أنني…

(طرقات على باب الغرفة، يتوقف شاب1 عن سرد قصته الأخرى، يَفتح له الباب، يدخل شاب2 متعبا وبملابس رثة)

شاب2:  هل أنت من يسكن في هذه الغرفة؟

شاب1:  (يتلفت متهكماً) لالا.. أحدٌ غيري ينام في هذه الغرفة يشبهني.

شاب2:  سبحان الله.

شاب1:  خيرْ، ما بك؟

شاب2:  أنا أقصد.. هل أنت من ستشاركني غرفتي في هذا الفندق؟

شاب1:  هذه غرفتي لوحدي وفيها سرير واحد كما ترى.

شاب2:  لالا.. هي غرفتي أيضا.

شاب1:  منذ ليلتين أنام فيها لوحدي.

شاب2:  هم قالوا لي ستأخذ السرير الثاني الذي لا أراه هنا!

شاب1:  من هؤلاء؟

شاب2:  إدارة الفندق.

شاب1:  هذه أولُ مرةٍ أعلم أن لهذا الفندق العفن إدارة!

شاب2:  أول ما دخلت شممتُ هذه العفونة، ولكن ماذا يقصدون بعبارة مكتوبة تواجهك عندما تدخل لهذا الفندق: الإدارةُ غير مسؤولةٍ عن صقوطِ الطابوق؟

شاب1:  سقوط بالسين وليست بالصاد.

شاب2:  بل بالصاد.. هل أنت أفضل من إدارة الفندق؟

شاب1:  قلت لك بالسين.

شاب2:  وأقول لك بالصاد.

شاب1:  سين.

شاب2:  صاد.

شاب1:  سألتزم الصمت.

شاب2:  أفضلْ (صمت) ………. لم تجبني على سؤالي.

 

شاب1:  الجواب.. عادةً يسقط بعض الطابوق من سقفِ الغرفة.

شاب2:  غرفتنا؟!

شاب1: الفندق بأكمله.. ألم تقرأ العبارة الأخرى.. الادارةُ غير مسؤولةٍ عن سقوطِ البناية؟!

شاب2:  بالصاد؟

شاب1: بالسين.

شاب2: (صمت) البناية؟! كلها ؟ الله الساتر.

شاب1: القضية احترازية ليس إلاّ!

شاب2: سأنام على سريري.

شاب1: هذا سريري.

شاب2: إدارة الفندق قالوا لي ستنام على السرير الثاني، وهذا (يشير للسرير) هو السرير الثاني.

شاب1:  وأين السرير الأول؟

شاب2:  ابحث عنه وستجده في الغرفة.

شاب1:  أية غرفة؟

شاب2:  غرفتنا.

شباب1:  لا يوجد سوى هذا السرير.

شاب2:   أعرف.

شاب1:  كل خراء ونم على الأرض.

شاب2: قلت لك هذا سريري.

شاب1: بل هو سريري.

شاب2: (يصرخ) سريري.

شاب1: (يصرخ) سريري.

(يتوقفان عن الصراخ، يهدأن، يضحكان…)

شاب1:  لا أعرف لماذا أتخيل كلمة سريري كأنك تقول لي أنت سرسري.

شاب2:  راودني هذا الشعور أيضا.

شاب2:  أها، طيب، لنهدأ الآن ونجرُّ نفساً عميقاً وسأكون نزيلاً خفيفاً عليك.

شاب1:  بعيداً عن سريري.

شاب2:  (يتفحص الغرفة، يتمدد على السرير) أنا متعب، والقرآن متعب.

شاب1:  مثلي، والقرآن متعب… (يدفعه من السرير)

شاب2:  (يقع) لكن تعبي يهدُّ الحيل.

شاب1:  مثلما هدَّ حيلي.

شاب2:  ستبدأ الدراما.

شاب1:  (يصيح) موسيقى صاخبة…

شاب2:  (ينهض) جئتُ هارباً من مدينةٍ هدمتها الصواريخ على أحلامنِا ورؤوسِنا.

شاب1:  اشتغلت رحمة الله.

شاب2:  اشتغلت.

شاب1:  وجئتُ هارباً من نفس المدينة ونفس الصواريخ والأحلام.

شاب2:  سبحان الله.

شاب1: سبحان الله.. تتشابه الأسماء والوجوه والأمكنة والقنادر أيضا…!

شاب2: لا أريد أن أتحوّل الى فطيسة.

شاب1: هذه كلمتي المفضّلة.

شاب2: تركتُ أهلي تحت الأنقاض.. صاروا الآن فطائس جمع فطيسة (يصيح) موسيقى صاخبة.

شاب1: وتركتُ أهلي تحت سقفِ وحيطانِ بيتِنا فطائس وهي جمعُ فطيسة.. الحيطان التي كُنّا نكتب عليها ذكرياتنا بقلم الرصاص: ذكرى في يوم العيد ” ذكرى العائلة السعيدة.. ابوي مع أمي وأختي أمل وأخي الصغير محمود” ونكتب أيضا “الوردةُ مصيرها الذبول والذكرى باقية لا تزول” تلك الحيطان نامت فوقهم مع ذكرياتنا…

شاب2:  (يصيح) موسيقى هادئة… يفضّل أن نكتبَ.. الوردةُ مصيرها الذبول والذكرى ستزول.

شاب1:  كلما رأيت الورود…….. تذكّرت نعال أبو الإصبع.

شاب2: وما علاقة النعال أبو الإصبع بالورود؟

شاب1:  لا أعرف.

شاب2:  سبحان الله.

شاب1:  سبحان الله.

شاب2:  أريدُ أن أصلي لأهلي صلاة الوحشة.

شاب1:  سبقتُكَ بصلاتي البارحة.

شاب2:  سبحان الله.

شاب1:  سبحان الله.

شاب2:  لا أعرفُ كيف خرجتُ حياً.

شاب1:  حتى أنا لا أعرف.

شاب2:  ما زالتْ لنا خبزة في هذه الحياة.

شاب1:  أخره بهكذا حياة.

شاب2:  هل أخره كلمة نابية؟

شاب1:  لالالا.. هي كلمةٌ عامية فيها رائحة سيئة فقط.

شاب2: أها. (صمت) أنا لا أهل لي ولا بيت ولا مدينة ولا ذاكرة ولا حيطان ولا نعال أبو الإصبع.. كل شيء تساوى مع الأرض، لذلك قررتُ أن أطلبَ اللجوء لبلدٍ ما حتى لو كانت سويسرا. لا يهم.

شاب1:  سويسرا؟ هُجمَ بيتك، ولكنك تحتاج الى قصّةٍ مقنعة.

شاب2:  ألا تكفي قصّة البيت الذي تهدّمَ فوقنا؟

شاب1:  عادي.. مثلك آلاف البيوت.

شاب2:  عائلتي تحت الانقاض.

شاب1:  عادي.. مثلك آلاف الناس.

شاب2:  هربتُ من الصواريخ.

شاب1:  عادي.. الصواريخ في كُلِّ مكان.

شاب2:  المدينةُ التي خرجتُ منها لم تعد صالحة إلاّ للجثث.

شاب1:  عادي عادي.. كل المدن هنا ماتت وصارت فطيسة.

شاب2:  وماذا يمكن أن أحكي لهم؟

شاب1:  ابتكر قصّة غريبة، محتدمة، عجيبة، ساخنة ومؤثرة…

شاب2:  سأحاول.

شاب1:  وتذكّر بأنهم قد سمعوا آلاف القصص قبلك.

شاب2:  سأحاول.

شاب1:  لا يقتنعون.

شاب2:  سأحاول.

شاب1:  إذن قل شيئا الآن، أي شيءٍ من بابِ التمرين، بروفة (يصيح) موسيقى تافهة.

شاب2:  سأحاول…قصتي، قصتي.. هو إنني، إنني… (يصمت) أسف أسف، أنا شابٌ تعبان (يبتسم بصعوبة) ليس اسمي، لالا.. أنا أقصدُ بأنني شابٌ تعبان من برج الأسد وفي الخامسة والعشرين من عمره، أو أنا مرتبك و، و، و…… أرجو المعذرة، اسمحوا لي أن استمرَ بالحديث عن ما حدث لي، القصةُ ببساطة أنني تعرضتُ للقتل، أعني، أعني للتهديد، نعم، لقد هددوني بالقتل كما أظن أو هكذا فهمت، وضعوا لي ورقة وفوقها رصاصة عند باب بيتي، الورقة كتبوا عليها: (يرتبك أكثر) أنت عميل! هذا كل ما كتبوه، كان يفترض أن أكونَ الآن في عداد المذبوحين ، أعني من الفاطسين.. والفطيسة تعني أن لا احد يدفنك مثل أي حيوان، فيقال هذه فطيسة! ولكنني هربتُ مباشرةً عندما قرأتُ تلك الورقة لأنني لا أعرف فعلا ماذا يقصدون بكلمةِ عميل ولا أريد أن أتحوّل الى فطيسة. أنا شابٌ تعبان تركتُ المدرسة من أجل أن أسكتَ أفواه عائلتي. أنا تعبان وقد جئتُ الى هنا من أجل أن أحصلَ على فرصةِ اللجوء الى أيِّ بلدٍ أعيش فيه، أي بلد، حتى لو في سويسرا لا يهم، المهم عندي أن أكونَ آمناً وأنام بهدوء فيه ولا أكون فطيسة… ( يتوقف) ها؟ ماذا؟ لا تبدو القصّة مقنعة، اصبروا عليَّ قليلا.. سأقصُّ عليكم قصة غريبة عاشرة أخرى…

شاب1:  سويسرا؟ هُجم بيتك.

شاب2:  لم يبق لي بيتٌ حتى يُهجم.

شاب1:  أنت تكذب وقصتّك تافهة تشبه قصتي التافهة أيضا يا تافه!

شاب2:  وكيف عرفت بأنني تافه وقصتي تافهة؟

شاب1:  انجب.

شاب2:  هل انجب كلمة نابية؟

شاب1:  لالا.. هي كلمة عامية تُستخدم للمدح كما أظن.

شاب2:  اذا كانت للمدح كما تظن أقبلها منك حتى لو كانت نابية، ولكن كيف عرفتني كاذبا؟

شاب1:  قلت لك انجب، وقد عرفتك كاذبا لأنني قبلك كنت أكذب بنفس الكلمات.

شاب2:  صح .. أنا لا أملكُ القدرة على تأليف الكذب، ولكن لا تقل انجب للمدح.

شاب1:  وماذا أقول؟

شاب2:  قل مثلا.. اخرس أفضل من انجب.

شاب1: لالا.. انجب فيها ملوحة أكثر، وعليك عندما تحكي لهم حاول أن تكذِّبَ بصدق!

شاب2:  وكيف أكذِّب بصدق؟

شاب1:  أن تتحوّل الى رجلٍ ساقطٍ حقيقيٍّ وتتحدث لهم عن قصةٍ مؤثرة.

شاب2:  ساقط؟ هل هي كلمة نابية؟

شاب1:  لالا.. ساقط تعني أن تكونَ منحطّاً.

شاب2: وهل كلمة منحط نابية؟

شاب1:  لالا.. منحط تعني بأنك سافل.

شاب2:  ها.. سافل أفضل من ساقط ، ولكن الكذب حرام.

شاب1:  ستظل هنا ما دمت تؤمن بالحرام.

شاب2:  هكذا عشتُ.

شاب1: عشتو عليك…

شاب2: اشكرك.

شاب1:  دعنا نكذب قليلا حتى نعيش.

شاب2:  لم أقتربْ من الحرامِ يوماً.

شاب1:  ولم أقترب منه والله ولكن الحاجة أم الاختراع.

شاب2:  دعنا نبحث عن شيءٍ حلال يُخرجنا من هذا الجحيم.

شاب1:  الحلالُ سيُعيدنا للبيوتِ التي هدَّموها على أهلنا وأحلامِنا ورؤوسِنا.

شاب2:  مُذ كنتُ طفلا علّموني من يكذب يرميه الله في النار!

شاب1:  وفي بيتي أخذتُ نفس الدروس.. نار وشوي وقلي وسلق وتشريب وعذاب شديد.

شاب2:  ما عدتُ أستطيع البقاء هنا.

شاب1:  وروحي محاصرة في هذا الفندق والإدارة غير مسؤولة عن سقوط البناية.

شاب2:  وغير مسؤولةٍ عن صقوط الطابوق بالصاد.

شاب1:  (يحذره) انتبه.

شاب2:  ماذا؟

شاب1:  رأيت طابوقة سقطت هناك.

شاب2:  أنعل أبو هكذا فندق!

شاب1:  هو أرخص الفنادق ماذا نفعل!؟

شاب2:  ولكن كيف لهم أن يقبلونا كلاجئين ونحن لا نجيد تأليف القصص المؤثرة؟

شاب1:  لقد ملّوا مِنّا ومن حكاياتنا التي لم تعد تؤثر بهم.

شاب2:  وماذا نفعل؟

شاب1:  أنا أفكر.

شاب2:  هل كلمة أفكر نابية؟

شاب1:  نعم هي نابية!

شاب2:  حرام.

شاب1:  والله ذبحتني بالحرام.

شاب2:  دعنا نفكر بالحلال ونخرج.

شاب1:  ما بك؟ قلت لك بالحلال سنُدفن في هذه الغرفة.

شاب2:  أستغفر الله.

شاب1:  الحلول تحتاج الى خسارات!

شاب2:  لا أملكُ نقوداً والله إلاّ ما يسدُّ البلعوم.