أخبار فنية

مسرحية  إلعــب للمخرج الشاب مربوح عبد الإله تعرّي أنانيّة الإنسان وتكشف الفساد المستثري بالمجتمع

مسرحية إلعــب للمخرج الشاب مربوح عبد الإله تعرّي أنانيّة الإنسان وتكشف الفساد المستثري بالمجتمع

1059 مشاهدة

مسرحية  إلعــب للمخرج الشاب مربوح عبد الإله تعرّي أنانيّة الإنسان وتكشف الفساد المستثري بالمجتمع

 

  في مجال العروض المسرحية المنتجة حديثا ، رفع السّتار عن العرض ما قبل الأول لمسرحية ” إلعبالتي أنتجتها تعاونية ” أطليسللمسرح من "سيدي بلعباس" ، وقد  أشرف على الاخراج وتنفيذ السينوغرافيا الشاب ” مربوح عبد الإله، فيما تمّ اقتباس النص عن مسرحية ” استيراد خاص ” "للصادق مرزوق" ، وعن مسرحية ” أزمة بروتس "لـحامد الزبيدي" ، عملية الاقتباس والاعداد الدراماتورجي قام بها الفنان” بوحجر بوتشيش، في حين تقاسم أدوار العرض كل من ” إيمان لعيمش ، ” بلال يعقوبوبوحجر بوتشيش، ومساعد اخراج الشاب ” أبو بكر بن عيسى”.

مجموعة من الشباب خاضوا تجربة عمل مسرحيّ ، رأى النور في محاولة تقديم جرعة مسرحية تلامس ذوق وأفق المتلقي ، الذي هو في مسيس الحاجة لعروض مسرحية تترك بصمتها فيه سواء على مستوى النص أم على مستوى العرض ، هكذا رفع الستار عن عرض ” إلعبوسط سينوغرافيا منفّذة بإتقان وذات دلالات إيحائية تشي بالكثير ، وتفتح أمام المتفرج مساحات واسعة من التطلّع والتوقّع ، وكيف تمّ توظيفها ركحيا مع كل مشهد مسرحي حتى تتماشى وخط العمل المسرحي الذي قاده الفريق برمّته .

السينوغرافيا بشكل خاص والعرض في مجمله ، اعتمد الرمزية كأسلوب للطرح الدرامي ، فالدلالات والأيقونات السينوغرافية طغت على العرض المسرحي وأخذت حصّة الأسد فيه ، ناهيك عن الألوان ذات الايحاءات الضمنية التي عرّت الصراع المحتدم بين شخصيات العرض ، وما كان ذلكم الصراع سوى صراعا انسانيا ، صراع هويات متضاربة وصراع مآرب الأمر الذي وسّع الهوّة بين الذات والآخر ، بين الأنا والأنا   الباطن ، بين ما لينا وما علينا .

الخطاب المسرحي الذي تأرجح بين شعريّ ونثريّ ، كشف النّقاب عن لعبة أكبر يخوضها الانسان في عالمه ، سواء كان سويّا أو غير سويّ ، لكلّ أوراق لعبه وخطوط حظّه ، وسط ايقاع الوجود المحكوم بكذا استفهام وعلامات متتالية تقود الى غير المتوقّع .

حيّز اللعب الدرامي كان الكازينو ، وتقاسم فيه اللعب كل من ” بلالو” بوحجراللذان كانا يقودان لعبة الورق الخاسر فيهما يدفع ما يملك ، ولاعبة ثالثة شابة ممشوقة القدّ لم تك تلعب الورق ، بل كانت مفتاحا لصراع مرتقب كشفت عنه أحداث العرض المسرحي ، هي التي أبانت عن كتلة من المشاعر تّجاه أحدهما ، ساعيّة لحمايته بأسلوبها وطريقتها في الغزل المسند الى سلسلة من الفوارق .

 

في صراع اللاعبين ، لم يكشف أي طرف عن نواياه ، بل كان الأول متزّمتا ، متّكأ على عكاز السلطة والجبروت ، والأول بدا مسالما ، صامتا ، في هدوئه ألف رمز في حاجة لتفكيك وتشريح كل التداعيات الحاصلة داخل المجتمع ، الأمر الذي أنهك الانسان وأثّر سلبا على سلوكياته وردود أفعاله غير المتوقّعة .

المخرج بمعيّة فريقه الفني والتقني حاولوا تحقيق المقاربات عن طريق معالجة درامية تشاكس الأحداث فنيا وسينوغرافيا ، مع إيقاع تأرجح بين احتدام الأحداث وبين تناقص وتيرتها في بعض المشاهد ، إلاّ أنّ شخوص العرض المسرحي كشفت عن قدرة بدنية وذهنية عاليّة مكّنتهم من التحكّم في وتيرة سيرورة العمل ، محافظين على ايقاع العرض من بدايته الى نهايته .

” إلعبكانت صراع هويات ، صراع الانسان مع نظيره الانسان ، صراع حريات ، صراع طموحات ، صراع آمال وآفاق واعدة كشف عنها النص الذي جمع بين النثرية والشعرية ، والعمل في لوحاته المتصلة ببعضها البعض ، لتكشف عن معاناة الكاتب الذي يؤمن بالمداد ، والذي هو متشبّث بالتاريخ والواقع ، سلاحه وعزائه حبره وكلمته ، الذي يسعى الطرف الآخر الى حرمانه منه ، بتغييب دوره كمثقف فاعل ، كرمز فعّال في  المجتمع ، لأنّ الكلمة تبقى شاخصة لا يمحوها التاريخ لأنها سلاح ذو حدّين .

فالأوراق التي أريد بها أن تحرق في زمن عقيم ، ما هي إلاّ حقائق تعكس الواقع المرير للمجتمعات الانسانية التي أريد بها التضليل وزجّها ضمن دوّامات الهلاك ، الحرب والدمار ، حرب لن تضع أوزارها ما دام الانسان يحمل داخله بقعا سوداء من الضغينة ، الحقد  والانتقام ، الانتقام ممّن ولم ؟ كلها أسئلة بقيت عالقة في ذهن المشاهد والمتتّبع للعرض ، الذي شارك بشكل غير مباشر في العملية الابداعية أين خرج من العرض بكذا تساؤل واستفهام أثار فيه وداخله مجموعة من الاستفهامات ، علّ وعسى يجد لها حلولا بأرض الواقع ، استفهامات حتى ذلكم الكاتب لم يجد لها أجوبة مقنعة ، بخاصّة وهو يطعن في  حريته ، في أفكاره ، في وجهات نظره ، في تحديّاته وتمرّده ، عيّنة هو ممّن تغتصب حريّاتهم ، ممّن يحاولون تعريتهم من مبادئهم قبيل أن يسرقوا معاطفهم ، فمعطفه الوحيد الذي كان يملك كان مجال رهان ، في لعبة خاسرة من الأوّل ، لعبة الورق ما هي تلكم الا لعبة القدر والحظوظ المشمّعة ، لعبة القوانين الجائرة ولعبة الأيادي القذرة مقابل نقاء وطيبة الأقليّة ممّن ما يزالون يثقون في الأمل ، في الحياة وفي الوعود المفخّخة .

عرض ” إلعب” مزج فيه المخرج بين أكثر من مدرسة فنية ، أين لامسنا اتجاهات البيوميكانيك في تركيزه على الايقاع وحركات الممثلين داخل الفضاء المسرحي ، وبين مدرسة جوردن كريج ، لما عمد المخرج ” مربوح عبد الإلهالى استخدام الدمى على الخشبة كعناصر وظيفية للسينوغرافيا ، ساعدته ضمن احدى لوحات العرض المسرحي في ابراز أحد الصراعات التي اتّكأ عليها في نصه ، وعمله المسرحي كذلك استفاد من نظريات ستانسلافسكي في الواقعية النفسية وما أبرزه عرضه المسرحي من خلال شخوصه في تعاملهم مع الأجواء الداخلية والخارجية للعرض  تحقيقا للإيهام .

 

صفوة القول ، أنّ عرض ” إلعب جاء ليفكّ عقدة الصمت ، ليدحض بطش الارهاب الفكري الذي يصادر الحريات قبل أن يقطع الرؤوس ، فلعبة الأوراق تلكم ما هي الا عيّنة من لعبة ضخمة بقوانين داخلية وخارجية جائرة ، صوت الحقيقة بها مكمّم لكن سيأتي يوم عاجلا أم آجلا للصراخ بأعلى صوت ، لإعلان النجاة والتحرّر من براثن القهر والجبروت بشتى أشكاله وأنواعه ، وتظل هته التجربة المسرحية لهؤلاء الشباب تستحق التنويه والتشجيع نحو مزيد من الابداع المسرحي .

 

بـــقــلــم : عـــبـــاســـيــــة مــــدونـــي – ســـيـــدي بــلـعـباس - الــجزائر