أخبار أدبية

مسرحية احتقان للكاتب المسرحي عمار نعمة جابر

مسرحية احتقان للكاتب المسرحي عمار نعمة جابر

321 مشاهدة

إحتقان

 

( احدهم يجلس وحيدا على طاولة في مطعم ، وحوله جميع الطاولات فارغة )

( يدخل النادل )

النادل     : اهلا وسهلا بك سيدي .

الزبون     : اشكرك جدا .

النادل     : هل حددت ما تشتهي ان تأكل ؟

الزبون    : هات لي قدحا من الماء .

النادل     : حسنا سيدي . ( يخرج النادل )

( الزبون يخرج من جيبه جهاز الموبايل ، يحاول ان يتصل )

الزبون     : نعم ، أنا أجلس في المطعم ، حسنا ( يغلق الموبايل )

النادل     : ( يدخل ) سيدي هل حددت ما تشتهي ؟

الزبون     : ولكني طلبت منك قدح ماء كي اشرب !

النادل     : أنت طلبت مني قدح ماء !

الزبون     : نعم ، لقد طلبت منك قدح ماء .

النادل     : لا ادري .

الزبون     : لا تدري ماذا ، اذهب وهات لي قدحا من الماء بسرعة .

النادل     : حسنا ، سيدي ، حالا .( يخرج النادل )

الزبون    : (يتصل بالموبايل ) نعم ، أنا اجلس في المطعم ، حسنا ( يغلق الموبايل )

( يدخل النادل مسرعا )

النادل      : اهلا وسهلا بك سيدي .

الزبون      : ماذا دهاك ايها الشاب !

النادل       : لا افهم ما تقصد يا سيدي .

الزبون      : لقد طلبت منك لمرتين قدحا من ماء .

النادل      : (مستغربا ) أنت طلبت مني مرتين قدح ماء !

الزبون      : نعم أنا طلبت منك مرتين متتاليتين قدح ماء .

النادل       : ( يضحك ) لابد أنك تمزح .

الزبون       : (يصرخ ) ولماذا قد امزح معك ، هل اعرفك ؟

النادل       : نعم ، ربما ،  انت كل يوم تأتي لتأكل في هذا المطعم .

الزبون       : واذا قلت لك أنني أزور هذه المدينة للمرة الاولى في حياتي .

النادل        : هل هذا صحيح ! سيدي ارجوك .

الزبون       : قلت لك اذهب وهات لي قدح ماء حالا ، لقد ازعجتني جدا .

النادل       : حسنا ، كما تشاء سيدي ( يخرج )

الزبون      : ( يتصل بالموبايل ) نعم ، أنا أجلس في المطعم ، حسنا ( يغلق الموبايل )

(يدخل النادل وبيده قطعة قماش ، يبدأ بتنظيف طاولة الزبون ، وهو صامتا )

الزبون      : ( ينظر الى النادل باستغراب ) أين قدح الماء أيها الشاب ؟

النادل       : نعم سيدي ، ماذا تقول ؟

الزبون      : لقد طلبت منك الماء لثلاث مرات .

النادل       : ولكني لا ادري متى طلبت الماء !

الزبون       : كيف لا تدري ، ماذا تقصد ؟

النادل       : سيدي ، انت جلست لتوك ، وانا اتيت الان كي انظف الطاولة فقط .

الزبون       : هل تريد أن أصاب بالجنون ايها الشاب .

النادل        : ابدا سيدي ، أنا أقول لك الحقيقة .

الزبون       : اية حقيقة ، لقد طلبت منك الماء ثلاث مرات ، وفي كل مرة ترجع لي بدون الماء .

النادل        : حسنا ، دقيقة واحدة ، وسأحضر لك قدح ماء ، اعذرني .

الزبون       : لا تأتي هنا بدون قدح الماء .

النادل       : لا تقلق ، ستحصل على قدح الماء الخاص بك . اكرر اعتذاري ( يخرج النادل )

الزبون      : ( يتصل بالموبايل ) نعم ، أنا أجلس في المطعم ، حسنا ( يغلق الموبايل )

( النادل يدخل مسرعا ، يذهب لطاولة الزبون ، يرتب الكراسي فيها )

النادل       : لقد اشرق المطعم بحضورك سيدي .

الزبون      : ( غاضبا ) هل انت مجنون يا فتى ؟

النادل      : خيرا سيدي ، اتمنى ان يكون كل شيء على ما يرام .

الزبون     : هل تعاني من خطب ما ؟

النادل      : لماذا تقول ذلك ؟

الزبون      : ممثل باهر ، انت ممثل باهر .

النادل       : لا افهم ما تعني ، اخبرني ارجوك .

الزبون      : انت اخبرني ، ماذا يحدث ؟

النادل       : لا يحدث شيء ، انت دخلت قبل دقيقة واحدة من باب المطعم ، جلست الآن على هذه الطاولة المتميزة ، فدخلت انا النادل عليك مباشرة ، بعد ان جلست . هذا كل شيء .

الزبون      : هل أنت متأكد من ذلك ؟

النادل       : متأكد جدا .

الزبون      : حسنا ، بدون دخول في التفاصيل ، اذهب حالا ، واجلب لي قدح ماء ، هل هذا صعب ؟ هل هو مستحيل ؟ هل ذلك يعتبر حدث جسيم ؟ أم انه مجرد قدح ، قدح ماء بسيط وسهل وبلا تعقيدات .

النادل       : ابدا سيدي ، ليس هناك اسهل من جلب قدح ماء ، ولكنني لم افهم ، لماذا كل هذه المقدمة الطويلة جدا .

الزبون    : لن اتحدث عن التفاصيل ، سأبقى صامتا هذه المرة ، فقط اذهب وهات قدح الماء .

النادل       : ولكن انا اشعر انك غير مرتاح ، منزعج ، هل حدث ما يعكر مزاجك في هذا المطعم .

الزبون       : ( يضغط على نفسه ، ويحاول ان يبتسم )  ابدا ، انا بخير .

النادل        : طيب ، وهل اخترت ما ستأكل .

الزبون       : يا صبر ايوب ، لا ، لم أحدد ، ليس بعد ، اريد الان قدح ماء فقط .

النادل        : على راحتك تماما سيدي ، فقط استرخي ، لا تتعصب ، الامور تسير بيسر وروية ، انه قدح ماء فقط ، قدح ماء بسيط ، اذهب انا من ذاك الباب ، ثم أدخل الى المطبخ ، وبعدها اتوجه الى الثلاجة مباشرة، كي اسكب من القنينة ، ماءا ، في القدح ، الذي كان يجب أن أكون ، قد مررت بطاولة الاواني ، لكي اختار قدحا مميزا ، وأكون بالبديهة أيضا ، مررت على المغسلة لأغسله جيدا . ثم بعد ذلك ادخل من هذا الباب ، ومعي قدح الماء ، الذي ترغب به ، لتحدد بعدها ، نوع الطعام الذي تشتهي ان تتناوله ، في مطعمنا .

الزبون      : ( ينظر الى النادل ) هذا بالضبط ما يجب أن يحدث . هيا اذهب الآن .

النادل        : حسنا يا سيدي ( يخرج النادل )

الزبون      : ( يتصل بالموبايل ) نعم .. انا اجلس في المطعم .. حسنا ( يغلق الموبايل )

( يدخل النادل ويذهب ليرتب بعض الطاولات ، الزبون يتابعه بنظراته  )

الزبون       : ( ينادي النادل ) أيها النادل ، أيها النادل .

النادل       : ( وهو ينظف ) عفوا سيدي ، انا مسؤول عن التنظيف فقط ، سيأتيك النادل المسؤول عن الطلبات ، شكرا لصبرك سيدي الزبون .

الزبون      : ( ينادي ) انا اسف ايها النادل ، أنا فقط اردت التحدث معك .

النادل        : اسف سيدي ، هذا وقت عمل ، لا يحق لي أن اتحدث مع احد .

الزبون        : هو سؤال واحد فقط ، وتستطيع ان تجيبني ، وانت مستغرق في عملك .

النادل        : اذا كان الامر كذلك ، حسنا ، تفضل بالسؤال سيدي الزبون .

الزبون        : هل رأيتني من قبل هنا ، في هذا المطعم .

النادل         : عذرا سيدي ، وما مناسبة مثل هذا السؤال ؟

الزبون          : يحدث كثيرا أن يسألنا البعض بلا مناسبات ، قد يحدث ذلك كثيرا في هذا العالم  .

النادل          : (يقترب من الزبون ، ليحدق به ) حسنا سيدي ، انا غير متأكد تماما .

الزبون        : لم افهم الاجابة تماما ، هل يمكنك ان توضح لي الامر ؟

النادل        : انا انظف هذه الطاولات ، عشرات المرات في اليوم ، وأشاهد كيف يجلس عليها ، زبائن كثيرون جدا ، ولا يمكنني ان أحفظ ، كل وجوه الزبائن ، انا صاحب ذاكرة ضعيفة ، زوجتي واولادي لم يتركوا عقلي في مكانه .

الزبون        : عفوا لم اقصد ذلك ، انا اقصد اليوم . هل رأيتني اليوم ؟

النادل         : اليوم !

الزبون         : نعم ، اليوم ، هل شاهدتني اليوم هنا ؟

النادل         : نعم .

الزبون        : نعم ؟ انت تقول انك رأيتني !

النادل         : نعم ، رأيتك ، فأنا أنظر اليك الان .

الزبون       : (يحتار في الرد ) ماذا يمكن أن أقول لك ، حسنا ، هيا اذهب ، اذهب من هنا ، ونادي لي نادل الطلبات بسرعة .

النادل         : نادل الطلبات ! أي نادل تقصد سيدي الزبون ؟

الزبون       : أنت قلت انك نادل التنظيف ، وأن هناك نادل آخر للطلبات ، شخص آخر   .

النادل        : أنا قلت ذلك !

الزبون     : نعم ، أنت قلت ذلك ، قبل قليل .

النادل      : المعذرة يا سيدي ، ولكن ليس هناك نادل في المطعم سواي ، انا النادل الوحيد هنا .

الزبون     : أنت النادل الوحيد !

النادل       : سيدي ، هل حددت ما تشتهي أن تأكل في مطعمنا ؟

الزبون     : ليس بعد ، فقط اذهب واجلب لي قدح ماء .

النادل      : حسنا سيدي ، سأنهي تنظيف هذه الطاولة واذهب .

الزبون     : حسنا ، ارجوك ، لا تتأخر .

النادل      : ولكن الجو هنا بارد ، لماذا قدح الماء ، لماذا لا تطلب شيئا ساخنا ؟

الزبون      : حسنا ، أنا أعرف أن الجو بارد ، ولكن انا عطشان ، انا بحاجة لقدح ماء ، لا شيء آخر ، هل هذا مناسب لك ؟

النادل       : مناسب ، مناسب لي جدا ، حسنا سيدي ، سأذهب فورا ، لأجلب لك قدح ماء ، ارجوك لا تنزعج ابدا ، المطعم يرحب بحضرتك ، وبكل طلباتك .

الزبون      : انا لست منزعج ، سأنتظر قدح الماء بفارغ الصبر .

النادل       : من دواعي سروري ( يخرج )

الزبون     : (يخرج الموبايل ) نعم ، أنا في المطعم ، حسنا ( يغلق الموبايل )

( يدخل النادل وبيده مجموعة ملاعق وسكاكين ، وعلى كتفه ثلاث فوط ، يتحرك مباشرة باتجاه الزبون ، يفرش احد الفوط على الطاولة ، ثم يقوم بسرعة وبخفة يد بترتيب الملاعق والسكاكين عليها ، بعدها يأخذ الفوطة الثانية ليفرشها على افخاذ الزبون ، ثم يأخذ الفوطة الثالثة ويعلقها برقبة الزبون ، ثم يخرج من جيبه مجموعة من المناشف ليضعها على الطاولة ، ثم يتحرك ليخرج .. يناديه الزبون ) 

الزبون      : ( ينادي ) أيها النادل ..

النادل        : ( يتوقف ، ثم يلتفت للزبون ) نعم سيدي .

الزبون       : لو سمحت ، هل لي بقدح ماء ؟

النادل         : من دواعي سروري ( يخرج النادل )

الزبون      : ( يتصل بالموبايل ) نعم .. انا اجلس في المطعم .. حسنا ( يغلق الموبايل )

( يدخل النادل وبيده مجموعة كبيرة من الاقداح الفارغة ، ويذهب ليوزع تلك الاقداح على الطاولات ، والزبون يتابعه بعينه ، وفي نهاية المطاف ، النادل يضع آخر قدحين على طاولة الزبون )

النادل       : أهلا وسهلا بك سيدي .

الزبون      : شكرا جزيلا . هل تسمح لي بسؤال ؟

النادل        : بكل تأكيد سيدي .

الزبون       : هنا في مطعمكم .. ( يقاطعه النادل )

النادل        : نعم سيدي ..

الزبون      : لا تقاطعني عندما اتحدث ، هل فهمت ؟

النادل        : نعم سيدي ..

الزبون       : ( يصرخ ) أقول لك لا تقاطعني حين اتحدث معك ، هل هذا واضح ؟

النادل        : نعم هذا واضح تماما سيدي .

الزبون      : ( ينفجر صارخا ) أقول لك لا تقاطعني عندما أتحدث .

النادل       : ولكنك انت الذي تسألني ، هل فهمت ، هل هذا واضح ، ومن غير اللائق ان اترك سؤالك بدون إجابة ، هذه تعتبر قلة ذوق ، شيء غير مبرر بالمرة ، لا يمكن ذلك .

الزبون      : ( يصرخ ) اغلق فمك أيها النادل .

النادل       : ولماذا تصرخ هكذا ! تفضل سيادتك اسأل ما شئت .

الزبون     : هنا في ماخوركم .. ( يقاطعه النادل )

النادل       : ماخورنا !

الزبون     : نعم ماخور ، واذا لم يعجبك ، سأقوم الآن فورا ، لأوسعك ضربا ، هل هذا واضح ؟

النادل      : حسنا كما تشاء ، ماخورنا ، ما به ماخورنا ؟

الزبون    : في ماخوركم هذا ، اذا كان أحدهم عطشان ، ماذا يفعل ؟

النادل      : في ماخورنا هذا ؟

الزبون      : نعم ، في ماخوركم .

النادل       : في ماخورنا ، يشرب قدحا من الماء .

الزبون      : ومن أين يأتي بقدح الماء ليشرب ؟

النادل       : من ثلاجة ماخورنا سيدي .

الزبون      : ومن يأتي له بالماء من ثلاجة ماخوركم ؟

النادل       : النادل في الماخور ، بكل تأكيد .

الزبون      : ( يصرخ) إذن اذهب أيها النادل ، واجلب لي قدحا من الماء ، لقد قتلني العطش .

النادل       : ولماذا تصرخ  هكذا في الماخور ، قد تزعج المواخير المجاورة لماخورنا .

الزبون      : ( يواصل الصراخ بصوت عال ) اذهب واجلب لي قدح ماء حالا .

النادل        : حسنا ، حسنا كما تشاء ، سأجلب لك قدح الماء ، ولكن ليس قبل ان تجيبني على سؤال ، واحد ، يتيم ، وتر .

الزبون       : هات واحدك ، يتيمك ، وترك .

النادل         : ما هو الماخور سيدي ؟

الزبون        : انت لا تعرف الماخور ؟

النادل         : ولم اسمع به مطلقا ، هذه اول مرة في حياتي اسمع فيها كلمة ماخور .

الزبون       : في أوج شبابك ، وحيويتك ، ولا تعرف الماخور أيها المسكين ؟

النادل        : هل يجب على كل الشباب معرفة الماخور ؟

الزبون       : بل يجب عليهم زيارته بشكل منتظم ، بين الحين والأخر .

النادل         : هل هو شيء يشبه عيادة طبيب الاسنان ، أو ملعب كرة قدم ، او مقهى بمواصفات خاصة ؟

الزبون      : بل هو مكان ، ينعش القلب ، وينطلق بالروح بعيدا ، ويسعد العين ، وينشط الدورة الدموية الكبرى ، وكذلك الصغرى . ويقوم بتنشيط الادمغة البليدة .

النادل       : فعلا لقد شوقتني كثيرا لزيارة الماخور ، ولكنك لم تخبرني الى الان ما هو هذا الماخور ؟

الزبون      : انه المبغى أيها النادل .

النادل        : ( يصمت للحظة ) سيدي .

الزبون      : نعم ، ماذا تريد ؟

النادل        : أنا لم أفهم الماخور ، وتريد مني أن أفهم المغبى ؟

الزبون      : إنه ليس مغبى أيها الغبي ، انه المبغى ، من البغي ، والبغي هو تجاوز الحدود ، وكلنا نحتاج الى ذلك الوقت الشاذ ، والذي نتجاوز فيه كل الحدود ، بكل ابعادها ، الاجتماعية والاقتصادية وحتى الدينية . هل فهمتني أيها النادل ؟

النادل       : ( بغباء ) ها ؟

الزبون      : مبغى ، مبغى الم تسمع يوما بالمبغى ؟

النادل       : ( بجدية مبالغ فيها ) ولماذا يا سيدي ، لا يكون المبغى مشتق من الفعل ابتغى أي طلب ، ابتغِ ، ابتِغاءً ، فهو مُبتغٍ ، والمفعول مُبتغًى ، ابتغى الأجرَ وغيرَه أراده وطلبه . كان لا يبتغي في عمله سوى خير المجتمع . تصدَّق ابتغاء مرضاة الله " يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا " .

الزبون      : ( بغباء ) ها ؟

النادل        : ولكن يا سيدي الزبون ، أقسم لك ، رغم كل هذه الغاءات الكثيرة ، ولكنني لم أعرف ماذا تقصد بالمبغى .

الزبون       : أنتم ببغاوات ترددون ما تسمعون ، وتحفظون للنجاح فقط . الماخور يعني المبغى ، والمبغى هو بيت الدعارة ؟

النادل       : بيت الدعارة !

الزبون      : نعم بيت الدعارة ، لا تقل لي انك لا تعرف بيت الدعارة ؟

النادل       : نعم أعرفه ، البيت الذي ينام تحت سقفه ، نساء قليلات الادب .

الزبون      : أعجبني وصفك لنساء بيت الدعارة ، وصف فيه أدب كثير ، وواسع .

النادل       : ولكن يا سيدي الزبون ، ما كان يجب أن تنعت مطعمنا المحترم ببيت الدعارة .

الزبون      : لقد نعته بالماخور فقط .

النادل       : هذا مطعم محترم ولا يترك زبائنه دون قدح ماء ابدا .

الزبون     : اذن هلا حركت نفسك سريعا ، وجلبت لي قدحا من الماء ، لقد تشققت شفتاي من العطش.

النادل       : كما تحب سيدي ، ولكني سأجلب معي القائمة الخاصة بالطلبات .

الزبون     : حسنا ، اتفقنا .

النادل      : اتفقنا ! اتفقنا على ماذا ؟

الزبون     : ارجوك لقد قتلني العطش .

النادل      : حسنا ، كنت امزح فقط . ( يخرج النادل )

الزبون      : ( يتصل بالموبايل ) نعم .. انا اجلس في المطعم .. حسنا ( يغلق الموبايل )

( يدخل النادل وبيده فاتورة ، يذهب مباشرة باتجاه الزبون )

النادل      : انا اريد ان اعرف الان ، ما لذي يدفع شخص محترم مثلك ، الى تصرف مثل هذا .

الزبون    : اي تصرف تقصد ، انا لا افهم ما تقصد بذلك !

النادل     : كيف يمكن لهذا المجتمع ان يعيش بشكل طبيعي ، اذا كان انت وامثالك ، يقتلون فيه روح الحضارة والتقدم ، روح الانسانية والرقي ، روح التسامح والسلام .

الزبون     : ماذا حدث لك ايها النادل ، ما لذي تتحدث عنه !

النادل      : في كل مرة نحلم بغد افضل ، بعالم اكثر عفوية ، واكثر انسجام ، ولكننا ، ولشديد الاسف نصطدم في كل مرة ، بكائن طفيلي ، انتهازي ، وصولي ، يشوه هكذا حلم .

الزبون     : عجيب ، هل انا فعلت كل ذلك ، لا اصدق نفسي .

النادل       : وهل ترى ان ما يفعله امثالك قليل ، انتم تنهشون في جسد العالم ، تمزقون كيانه ، تخربون بناءه ، وتجلسون عليه .

الزبون      : كيف نجلس عليه ، هل يمكن ان تحدد الوضع ، الذي نجلس به عليه .

النادل        : لدي احساس رهيب بانك تستهزئ بي ، انت تستهزئ بي ، تسخر من كلامي ؟

الزبون       : نعم ، تماما مثلما تفضلت ، انا أستهزئ بك ، واسخر منك ، واذا كان عندك اي اعتراض ، اذهب واضرب رأسك بأقرب جدار ، هل هذا واضح ، هل عندك اعتراض ؟

النادل        : لا ، ولكن ليس هناك جدار مناسب لكي اضرب رأسي به .

الزبون       : حسنا ، حسبت انك تعترض على كلامي .

النادل        : انت لا تفهمني ، انا اعترض على اعتراضك على الفاتورة . هذا كل ما في الامر .

الزبون      : وما نوع الاعتراض الذي تعترض عليه انت . هل يحق لي ان اسمع الاجابة مباشرة ، وبدون لف او دوران .

النادل       : انت تعتقد ان خدمات المطعم ، ليست بالمستوى المطلوب ، لذا تقترح ان يتم الغاء البقشيش الذي يعطى للنادل ، مع فاتورة الحساب .

الزبون      : اذن انت تعترض ، على اعتراضي ، على بقشيش النادل ؟

النادل       : نعم بكل تأكيد ، هذا اجحاف بحق النادل المسكين ، والذي تساعده هذه الدنانير المعدودة في اسكات زوجته ، او تغطية مصاريف ابنه في المدرسة .

الزبون     : انت تطلب من الزبائن ان تنصفك بالبقشيش ، ولا تريد انت ان تنصف الزبائن بقدح ماء يسد رمقهم .

النادل      : مستحيل ، هذا شيء غير دقيق ، اطلاقا .

الزبون     : ما هو المستحيل ، البقشيش ام قدح الماء ؟

النادل       : كلاهما مستحيل ، نحن مطعم يقدم خدماته بأبهى صورة ، كيف يحدث ان نتأخر عن تقديم قدح ماء ، من ذلك ، الصقيع ، المهمل ، المتهاون ، الذي فعل ذلك !

الزبون     : انت .. انت فعلت ذلك معي ، أنت الصقيع ، المهمل ، المتهاون .

النادل       : وبسبب قدح ماء تافه ، انت قدمت توصية لإدارة المطعم ، للاعتراض على البقشيش !

الزبون      : انا لم اقدم اي ورقة عن البقشيش .

النادل        : انت من فعل ذلك ، أنا متأكد من ذلك .

الزبون      : اقول لك لست انا .

النادل        : ليس هناك احد سواك ، يجلس في هذا المطعم .

الزبون       : ولكنني لم أفعل .

النادل         : وانا ايضا لم افعل .

الزبون       : انت لم تفعل ! لم تفعل ماذا ؟

النادل         :  أنت تقول أنك طلبت مني قدح ماء ، وانا لم احضر لك قدح الماء .

الزبون        : لم تفعلها ، ولا مرة واحدة !

النادل          : ولا نصف مرة .

الزبون          : ولكنك النادل الوحيد في هذا المطعم !

النادل          : حسنا ، سأثبت لك حالا ، انني عكس تصورك تماما .

الزبون         : كيف تثبت ذلك ؟

النادل        : سأذهب حالا ، واجلب لك قدح ماء ، كما طلبت .

الزبون       : وانا اتحداك ، أنت غير قادر ابدا على أن تفعل ذلك .

النادل         : وانا اتحداك انني سأفعل ذلك الان .

الزبون        : ابدا مستحيل ، انت غير قادر على فعل ذلك مطلقا .

النادل          : انت لا تعرفني ، عندما اقرر قرار ، لن تقف بوجهي ، لا السماوات ولا الارض .

الزبون         : ابدا ، ابدا لن تقنعني بذلك .

النادل           : سأثبت لك ذلك الان فورا ..

الزبون         : لن تقدر على ذلك .

النادل           : سترى ، انا ذاهب الان ( يخرج النادل )

الزبون         : ( يتصل بالموبايل ) نعم .. انا في المطعم .. حسنا ( يغلق الموبايل )

( ينتظر الزبون لوحده ، فترة من الزمن ، ينادي بصوت عال )

الزبون        : أيها النادل ، اين انت ؟ ( لحظة ) أيها النادل ، أين قدح الماء ؟

( ينهض الزبون من مكانه ، يحاول أن يبحث عن النادل )

الزبون       : لماذا تأخرت أيها النادل ؟  ( ينادي بصوت عال ) أيها النادل .

( يدخل النادل مسرعا )

النادل       : ما بك ! لماذا تصرخ ، ماذا حدث لك ؟

الزبون     : لا تقل لي أنك لم تراني قبل هذه المرة ، ولا تقل أنني لم أطلب منك قدح ماء مطلقا .

النادل       : من أنت ؟

الزبون     : لا ، أرجوك ، لا تقل أنك نسيتني مرة أخرى .

النادل      : لماذا تقول ذلك ؟ هل انا نسيتك قبل هذه المرة .

الزبون     : ولكننا تحدينا بعضنا ، قبل قليل .

النادل       : أنا وأنت !

الزبون     : أريد أن أشرب ، أنا عطشان جدا ، لا استطيع ..

النادل       : نحن بخدمتك سيدي ، ماء فقط ، سأجلب لك قدح ماء حالا .

الزبون      : لن يحدث ذلك ابدا .

النادل        : ولماذا قد لا يحدث ذلك سيدي ، أنت في مطعم محترم .

الزبون      : لأنه لا يريد أن يحدث ، لا يحدث مرارا وتكرارا .

النادل       : لا يمكن أن يكون قد حدث ذلك في مطعمنا .

الزبون      : لكنه حدث .

النادل        : هل أنت متأكد ؟

الزبون        : نعم .. متأكد جدا .

النادل         : شيء غريب فعلا ، أن يحدث هذا ، في مطعم محترم !

الزبون        : وبسبب ذلك ، أنا ومنذ زمن طويل ، أنا عطشان ، عطشان جدا .

النادل          : وكيف برأيك أن يحدث ، وتشرب قدح الماء الخاص بك ؟

الزبون        : لقد جن جنوني ، أنا الآن أفكر في حل .

النادل          : وهل وجدت حلا ؟

الزبون        : أنا أحاول جاهدا .

النادل         : انت عطشان ، ويجب أن تشرب .

الزبون       : نعم ، انت على حق .

النادل        : اذا لم تجد حلا ، ربما ستبقى عطشانا الى الابد .

الزبون      : أنا أبحث ، ولكن !

النادل       : ولكن ماذا ؟

الزبون     : قد أحتاج الى أن أذهب بنفسي الى المطبخ ، كي أشرب قدح الماء .

النادل       : ولكن هذا غير مقبول مطلقا ، أنا النادل هنا ، كيف يمكن للزبون أن يدخل المطبخ !

الزبون      : أنا أجري معك ، في حلقة مفرغة ، لا يريد أن يحدث لي ولك ، أن تجلب قدح الماء ، لذا من الأفضل أن أذهب أنا الى المطبخ ، لأحصل على قدح الماء .

النادل       : حسنا ، اذا كان ذلك يريحك ، فنحن في خدمة الزبائن ، فأنت في مطعم محترم جدا .

( يتحرك الزبون ببطء شديد باتجاه المطبخ ، يدخل المطبخ )

( يجلس النادل على أحدى الطاولات في المطعم ، لحظة ، ثم يبحث في جيوبه ، يخرج جهاز الموبايل من جيبه )

النادل     : ( يتصل بالموبايل ) نعم .. انا في المطعم .. حسنا ( يغلق الموبايل )

( يدخل الزبون مسرعا ، ويتجه الى الطاولة التي يجلس عليها النادل )

الزبون    : اهلا وسهلا بك سيدي .

النادل     : اشكرك جدا .

الزبون     : هل حددت ما تشتهي ان تأكل ؟

النادل     : في البداية ، هات لي قدحا من الماء .

 

  • ستار –

تركيا - سامسون

7/3/2019