مواضيع للحوار

مسرحية اوديب مابين االتجريب والحداثة

مسرحية اوديب مابين االتجريب والحداثة

440 مشاهدة

مسرحية اوديب مابين االتجريب والحداثة

مجلة الفنون المسرحية

#عصمان _فارس - ايلاف

 

على قاعة المسرح الملكي الكبير دراماتن في ستوكهولم, قدمت فرقة المسرح القومي في بلغراد, مسرحية أوديب تأليف سوفوكليس, إخراج "فيدا أوكنونيفش", تمثيل نخبة من ممثلي فرقة المسرح القومي في بلغراد, الفرقة قدمت قبل اربع سنوات مسرحية زوجة الوزير على نفس المسرح التجريب على نص كلاسيكي ومحاولة القطيعة عن الماضي، الحداثة في هذا العرض المسرحي مرتبط بالجدلية مابين الاضداد, يخوض مبدعي مسرح الحداثة لواء المغامرة للبحث عن الجديد, واحداث حالة التوتر والتناقض مابين القديم وحالة الصراع مع الحاضر. فالحداثة دائمآ هي نقيض لأي فكر سائد, لأن التجريب في مفهوم المخرج المعاصر, مرتبط بموقف الفنان من مجتمعه, أي تجريب غير معزول عن المفاهيم الاجتماعية السائدة لأن الفضاء المسرحي ليس مجرد شكل بوسائل جديدة, ولكنه ضرورة فنية واجتماعية. فعملية التعامل مع الماضي والحاضر اساس المسرح التجريبي الذي يحتوي في داخله على الحداثة وما بعد الحداثة, تتحول اللحظة التأريخية العامة الى لحظة معاصرة، فحالة التجديد في المسرح, وعملية التعامل والشغل المسرحي من قبل, اي مبدع مسرحي يبني رافد الماضي والذي يتوأم ويتلامس مع عقله, من خلال قراءاته ودراساته، اما الحاضر فيشكل اللحظة المعاشة للمبدع كإنسان وكفنان، ومن خلال فهمه للماضي والحاضر, ترتسم عنده صورة المستقبل الجديد. فالمسرح الاوروبي اجتهد فيه المحدثون على إيجاد وسائل ومفهوم الحداثة, والربط بينها وبين التجريب، وتجاوز المسرح الغربي الواقع, المبدع فيه يبحث عن صيغ على إيجاد وسائل ومفهوم الحداثة, والربط بينها وبين التجريب، وتجاوز المسرح الغربي الواقع, والمبدع فيه يبحث عن صيغ جديدة في التعبير المسرحي, من خلال اعادة النص الكلاسيكي ومحاولة تفكيكه واكتشافه، والبحث في الشكل والمضمون من خلال التجريب والحداثة, لا تعني ابدآ القطيعة مع لماضي والقديم, ولكنها تقيم العلاقة على اسس وقواعد جديدة، والبحث عن صيغ تعبيرية وجمالية جديدة, من خلال العودة الى المسرح الكلاسيكي ,مسرح النص والتي اثارت حافزا جديدا من محاولات التجريب القائمة على أفكار جديدة. الاسطورة الاغريقية ليست فقط مصدر الدراما في الغرب ولكنها موضوع مسرحي على مدى قرون، وقد قدم تحت اشكال وموضوعات جديدة، حتى إن بعض الكتاب المعاصرين عادوا الى روح المسرح الاغريقي. العودة الى التراث في الغرب وخاصة الى المسرح الاغريقي لتقديم, نظرة للعالم بمنطق شامل وانساني بحيت مما يدفع بالمسرح الى الامام من خلال التقنيات الحديثة, في المسرح والوعي لدى الفنان وفهمه للواقع الاجتماعي، واهمية الدراما الاغريقية حاليا بسبب علاقتها بالأفكار والصراعات التي يمر بها عالمنا المعاصر. وتعتبر مسرحية أنتيجون ومسرحية أوديب وغيرهما من التراجيديات القديمة مصادر مهمة, لما تحتويه من عناصر الفعل والصراع الدرامي , تحرك ذهنية المخرج الحداثوي المشبع بروح المغامرة والبحث عن الجديد, ويلبسها ثوبآ معاصرآ ,في المعالجة شكلآ و مضمونآ من خلال وجهة نظر خاصة بالمبدع, مع الحفاظ على روح العصر، وقد تكون المعالجة من خلال الديكور والملابس والشكل العام .فمسرح النص والحاجة الى العودة الى المسرح الكلاسيكي , من خلال المحاولات التجريبية والقائمة على الافكار الجديدة. فعودة بعض الكتاب الى روح المسرح الاغريقي تحت أشكال وموضوعات جديدة ومعاصرة وعلاقتها بالصراعات التي يمر بها العالم حاليآ، فمسرحيات مثل أنتيجون واوديب ومسرحية ميديا، وكذلك اتجاه ومحاولات بعض من الباحثين والمبدعين في الغرب , مثل مسرح الشمس في فرنسا ,ومحاولات بيتر بروك ومسرح جروتوفسكي في بولند,ا والشغل على المادة الكلاسيكية اي المسرحية القديمة من اليونان والرومان, وتقديم مفردات اخراجية جديدة تناقض وتقاطع الاخراج الكلاسيكي. ففي المسرح الاوروبي تحرر المخرج ونفض غبار الاشكال القديمة ,وهدم جميع التابوهات التي تقف عائقآ لحالة الابداع المسرحي. ومع ذلك يدور الجدل حول اشكال وطرق تقديم وتناول المسرحيات الكلاسيكية, وطريقة استقبال الجمهور لمثل هكذا مسرحيات . وهل تقدم فقط لنخبة من الملمين بلغة المسرح؟

 فتجارب عديدة لمخرجين كبار في اوروبا لمسرحيات كلاسيكية وجعلها مسايرة للعصر, مثل انتيجون ,ومسرحية أوديب والتي نحن في صدد مناقشتها, وطريقة معالجة القديم بمنظور حديث، لعبة مسرحية مابين المتابعة والمشاهدة ,اعني هنا المشاهد غير المتخصص ومدى فهمه واستيعابه لعنصر المفاجئة والادهاش, واسلوب الحداثة والتجريب على مادة كلاسيكية ,والحاجة إلى العمل على هذه الثيمة الفنية والفكرية. وكل هذه المقدمة هي مدخل مهم لتناول الاسطورة وتفسيرها ومعالجتها عصريآ, كما في سرحية اوديب للمخرج الصربي (فيدا اكنونيفش) في ستوكهولم، والعرض شاركت به فرقة المسرح القومي من بلغراد ,ومن اجل الولوج في افول العالم القديم, ومايمثله من قيم ارتبطت بمجتمع الامومة الزراعي, وعقدة المجتمع الابوي, وتحولات العالم والتركيز على الحرية, وتحديدآ إرادة الانسان، والتركيز على طقوس واساطير ذلك العصر القديم, وسلوكيات رجاله ونسائه, في قالب وضوء جديد, من خلال تتبع المصير والحالة المأساوية لأسرة أوديب. واعتماد العرض المسرحي على الكلمة المنطوقة, وادخال عناصر مسرحية مثل المولتيمديا التلفزيون, والكاميرا والحاسوب والمحمول الموبايل كلها كانت عناصر مهمة في العرض المسرحي المرئي

ملاحظة: هذه المسرحية عرضت قبل جائحة كورونا وإغلاق المسارح في السويد والعرض بهذه الصورة قد يثير العديد من التساؤلات, التي تبحث عن إجابات, وإبداء ملاحظات عن النص والعرض المسرحي في أن واحد, فكل قارئ وملم بالمسرحيات اليونانية القديمة وجدورها المبنية على الاسطورة ,والتي بنيت عليها الحكاية وامتدت عبر الاجيال، نعرف مدى اهمية الكاتب المسرحي الاغريقي وبراعته في صياغة المسرحية, والمحافظة على خصوبة موضوع ومادة الاسطورة ,العمل الفني والمتوازن من الناحية الفكرية ,والفعل يخلق صور درامية ومبررات تماسك أجزائه ووجوده، فمسرحية أوديب عالجها سوفوكليس من بداية الخيط لمشكلة العقدة المسرحية مستقاة من نهاية القصة, بعد أن استشرى وباء الطاعون في مدينة طيبة، بعد أن قتل أوديب أباه وتزوج أمه وأنجب منها أربعة أبناء، ووفق هذا التسلسل كانت البداية لمسرحية أوديب الصربية, مكتب تشريفات السيد الرئيس اوديب ,ومستشارين في المكتب, يرن الهاتف الخلوي المستشار يسمع ويجيب بكلمة نعم, والمستشار الثاني نعم , صمت ويرن بنفس الطريقة جرس الهاتف الجوال, مع قيام وحركة الممثل والجواب كلمة لا وتتكرر الحالة ونسمع كلمة لا, باب خلفي وسلالم مدرجات بيضاء, اجتماع مهم في مكتب الرئيس بحضور الوزراء, الكل ينتظر مجيئ الرئيس أوديب, وهو ينزل من السلالم الى قاعة الاجتماعات ،المسرحية بنيت على مأساة القدر, وهو الذي يتحكم ويرسم طريق المجد وسقوط الابطال، تحول البشر الى قطع من الشطرنج تحركها وتديرها ايادي خفية، والصراع في المسرحية مابين القدر والانسان. فنص سوفوكليس , والمخرج الصربي فيدا وضعا أوديب البطل في موضع الضعف, وهو يتحدى القضاء عن فعلته الشنيعة والمحظور وهذه الخطيئة, حاول اوديب بقوة مكره، وارسل كريون اخ زوجته الملكة جوكاستا الى معبد ابولو، يرجع وعنده الخبر اليقين, واوديب يسأله عما قالته العرافة في المعبد ,في البداية كان متردد عن الافصاح, لكنه تمالك نفسه واعلن ان اللعنة حلت على طيبة, بسبب وجود شخص قتل الملك لايوس، والقاتل يسكن طيبة, وتبقى اللعنة حتى يثأر اهلها لمولاهم المقتول. الاعلام والتلفزيون المذيعة تنقل الاخبار ساعة بساعة عبر الشاشات التلفزيونية وقناة الاخبار, ومستشاري الرئيس يخشون التصريحات المباشرة, اوديب يحذر ويتوعد قتلة الملك سينتقم من القاتل, حتى لو كان اقرب المقربين منه. ويطلب القضاة والمستشارين وكريون من اوديب, ان يرسل في طلب العراف الضرير تيريسياس وهو خبير بكشف الجاني، يدخل تريسياس بملابس عصرية وربطة عنق, ويطلب أوديب منه ان يساعد وطنه وشعبه للكشف عن قاتل لايوس، يرتجف تريسياس ويخشى التصريح والافصاح بكلمة واحدة عن القاتل. يرجوه اوديب ان يدلي عن الجاني, ولكنه يلتزم لغة الصمت, يصرخ اوديب فيه ويتهمه بالخيانة, وانه يخفي معلومات عن القاتل، فينتفظ العراف الضرير تريسياس ويعلن القاتل هنا، وانه ابن طيبة وتزوج من امه, وهو وريث فراش أبيه وسافك دمه. وينصرف تريسياس تحت حماية متشددة من حراس الرئيس اوديب، هنا يتدخل اوديب وهو يحاور كريون عن ترهات ماطرحه هذا الضرير تريسياس، ويبدأ الشك لدى اوديب في اتهام كريون ,ربما دبر هذه المكيدة لكي يستولي على السلطة ويقضي عليه, وعند طرد اوديب للعراف الضرير تريسياس ساخرآ منه ومن حماقته، وقبل ان يهيم تريسياس بالخروج يقول:' احمق انا في عينك، ولكني كنت حكيمآ عند والديك'. ويحاول اوديب معرفة اشياء كثيرة من العراف عن والده, ولكن تريسياس لا يوضح شيء، 'ولكن سيكشف ذلك اليوم عن مولدك ويحصل دمارك'. يبدأ اوديب يفكر بالحكاية ويشك في موقف كريون. وتكون جوكاستا الوسيط مابين الاخ كريون وزوجها اوديب، انها لا تصدق ما يقوله العرافين, وتحكي حكاية زوجها لايوس ملك طيبه قال له رسول من كهنة ابولو, ان زوجته جوكاستا ستنجب ولدآ وسوف يكون قاتل أبيه، ولما انجبت الطفل من لايوس اخد الغلام الى الجبل وتركوه هناك. وان زوجها قتل على ايدي لصوص وقطاع طرق وليس ابنها لذلك كذب المنجمون، بدأ اوديب يفكر في هذيان وحديث جوكاستا , تملكه الرعب وقد اصابه مس واستسلم للهذيان. تحول الكورس في المسرحية الى جوقة من الصحفيين , ومعلقة الاخبار التلفزيونية تنقل اخبار العائلة واخبار الرئيس اوديب لحظة بلحظة، وخبر الرسول وهو يحكي قصة الطفل الذي اخده من الراعي , وقد اوثقت قدماه بأسياخ من حديد ، وكانت رواية الرسول نفس رواية جوكاستا, اذآ هو قاتل ابيه لايوس وشريكه في فراش امه جوكاستا الملكة. وتبقى حلقة واحدة مفقودة ويرسل اوديب في طلب الفلاح الذي شهد مقتل الملك لايوس، ويفضي بالسر ان الطفل الذي سلمته له كان اوديب ,ولكنه اشفق على الطفل وسلمه الى ذلك الرسول, ويستسلم اوديب للقضاء والقدر انه ذلك الملعون والملوث ذريته .الاخبار التلفزيونية تنقل خبر انتحار جوكاستا زوجة الرئيس, وكثرة فضائح القصر الرئاسي . يظهر اوديب بثوب ابيض وقد فقأ عينيه , وتحول الى رجل ضرير, وقد تحرر من الاثم والالام ؛؛ اما تريسياس الضرير العراف يحمل مسدس وينتحر بطلقة في الرأس ,تعامل المخرج مع النص وفق القانون الوضعي حماية لهيبة الدولة والحاكم، كما تشى احداث مدى امتداد اللعنة, وكيف حلت على اوديب واسرته، واستطاع توظيف النص لكي يثير فكر المتلقي, وحول الجوقة وعنصر الصراع المهم في الاساطير الاغريقية ,الى جوقة الصحفييين ومراكز صنع القرار وفبركة الخبر الصحفي, وتدوين وارشفة الفضائح , ليست هناك قيود على حرية الفنان في التعامل مع مادته وخاصة الكلاسيكية , ممكن حذف مشاهد او تقديم او تأخير مشهد ,بحيث يكاد يتحول العرض الدرامي الى عرض ذات طابع المادة التمثيلية الاذاعية او التلفزيونية، وقد تحافظ المعالجة على قدسية جلال المأساة في اسرة اوديب ،وقدم العرض على مسرح العلبة مع شاشات العرض وكاميرات تلفزيونية تنقل الاحداث بشكل مباشر وحي, كل اخبار الرئيس واسرته, على امتداد العرض كانت الإضاءة فيضية, ماعدا المشهد الاخير مشهد انتحار تريسياس, وظهور اوديب والدماء تغطي قميصه الابيض تحولت الإضاءة الى اللون الاحمر. لعنة اوديب وماحل بطيبة, وماحل به ارتقى ثم سقط سريعآ, ولعنة حظه العاثر بعد ان فقأ عينيه. المسرحية قدمت باللغة الصربية لكن ماكنة الترجمة الفورية الى اللغة السويدية, قربت احداث العرض من المتلقي السويدي. تعريف ارسطو للتراجيديا محاكاة لحدث وقع في الماضي, هو تجاهل لعنصر العرض المسرحي، والتراجيديا هو الحنين الى الماضي, لكن العرض المسرحي ينتمي الى الحاضر، وتوفر عنصر وقدرة العرض المسرحي على ربط الماضي بالحاضر وتحويل زمن العرض , من التأريخ الماضي الى وحدة زمنية حاضرة في العرض. العرض المسرحي اتاح لنا حالة التعايش مع مسرحية أوديب, كتجربة جديدة, كحادثة تأريخية في االماضي, وكأسطورة شعرية.

ملاحظة: هذه المسرحية عرضت قبل جائحة كورونا وإغلاق المسارح في السويد