مواضيع للحوار

مسرحية عن مأساة الملك أخناتون تحولت إلى مأساة للكاتب  حازم خالد

مسرحية عن مأساة الملك أخناتون تحولت إلى مأساة للكاتب حازم خالد

1095 مشاهدة

مسرحية عن مأساة الملك أخناتون تحولت إلى مأساة للكاتب  حازم خالد

 

 مسرحية عن مأساة الملك أخناتون تحولت إلى مأساة للكاتب : حازم خالد

المسرح أداة تغيير ناجعة؛ إذ من خلالها يتضافر النص والأداء، الكلمة والصورة، في خلق مادة فنية تحدث الأثر البالغ في المتلقي، من هنا كانت أغلب الأنظمة القائمة على الرأي الواحد تلاحق المبدعين المسرحيين، وخاصة كتاب المسرح، ومن بين هؤلاء الكاتب المسرحي المصري ألفريد فرج الذي تعرض للاعتقال بسبب عمله “سقوط فرعون”، وهو العمل الذي أعيدت طباعته مؤخرا في القاهرة.

 

سقوط فرعون” مسرحية تاريخية تراجيدية من عيون التجارب المسرحية في مصر، وتروي مأساة الفرعون المصري القديم أخناتون ومصيره الفاجع الذي قاده إليه التناقض بين مثاليته كونه مبشرا بالسلام، والضرورة القومية للدفاع عن السلام بالسلاح.

 

وقد نسج مؤلف المسرحية الكاتب الراحل ألفريد فرج لغة المسرحية على منوال ما خلفه الأقدمون من آثارهم الأدبية والشعرية، مع اقتباس بعض المأثور من حكمهم العريقة في بعض المواضع. وقد اعتبر النقاد ورواد الحركة المسرحية في مصر أن هذه المسرحية لألفريد فرج (1929 – 2005) من أبرز علامات المسرح المصري طوال تاريخه.

 

فصل واعتقال

 

 

 

رؤية فنية للمصير المأساوي لأخناتون

 

من المفارقة أن الحركة المسرحية في مصر قد عرفت مسرحية “سقوط فرعون”، وهي لا تزال حبرا على ورق، يتناقل أهل الفن أخبارها، إلى أن افتتح بها المسرح القومي موسم (1957 – 1958).

وقد كان المخطوط الذي أعيدت كتابته عدة مرات يحمل في تجاربه الأولى عنوان “سقوط أخناتون” إلا أن أحد الصحافيين من أصدقاء المؤلف اقترح عليه أن يكون عنوان المسرحية “سقوط فرعون”، وظهر ذلك الاقتراح خلال قيام الفرقة المسرحية بأداء بروفات المسرحية، وهو الاقتراح الذي قاد المؤلف إلى مشاكل لم يكن يتوقعها وصلت إلى حد اعتقاله وسجنه لسنوات.

لكن ما حدث بعد ذلك هو أن الضجة الصحافية التي أثارتها مسرحية “سقوط فرعون” في تلك الأيام جعلت الرقابة تلتفت إليها، وتنتبه إلى ما تنطوي عليه المسرحية من إسقاطات لا تخفى على أحد، وهي إسقاطات رأت الرقابة أنها تنال من سياسة الدولة ومن هيبة رئيسها، فضلا عن الاسم الجديد الذي تطابق مع ما كان يصف به الغرب الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، حيث كانت الصحف الغربية تطلق عليه اسم “فرعون مصر”.

وما حدث بعد ذلك هو أنه تجنبا للمشاكل التي كان من الممكن لمسرحية “سقوط فرعون” أن تجلبها في تلك الظروف أمرت الرقابة بوقف عرض المسرحية بعد 12 ليلة فقط من عرضها.

وردا على وقف مسرحية “سقوط فرعون” كتب ألفريد فرج مقالا في صحيفة “الجمهورية” في 14 ديسمبر سنة 1957، يحذر فيه من مصرع حرية التعبير والرأي، ومن سياسة إقصاء المسرحيات الجادة ذات الطبيعة السياسية، وبعد أن كتب ألفريد فرج ذلك المقال تم فصله من صحيفة الجمهورية، ثم تم اعتقاله، والزج به في السجن بعد ذلك.

 

وكان عقاب ألفريد فرج لأنه تجرأ على رفض فكرة وقف مسرحيته، أنه ظل نزيل المعتقلات لمدة أربع سنوات وأفرج عنه في سنة 1963. وبعد أكثر من عشرين عاما من الإفراج عن ألفريد فرج لجأ إلى القضاء ليثبت تعرضه للعسف والظلم ويطلب تعويضا عن سنوات اعتقاله، ليحكم له القضاء بمبلغ عشرة آلاف جنيه فقط، وهي قيمة مالية لا تعادل يوما واحدا قضاه فرج في السجن.

رفض ألفريد فرج في كل الأحوال الدكتاتورية مهما تخفت وراء أقنعة مختلفة

واكتفى فرج بما أثبته القاضي من تعسف وظلم صدر من السلطة الحاكمة في حقه لا يسقط بالتقادم، واستمر ألفريد فرج متمسكا بكل كلمة كتبها في مسرحية “سقوط فرعون”، وغيرها من المسرحيات والأعمال الأدبية للدفاع عن حقوق الإنسان في الحرية والعدل والكرامة الإنسانية.

في صف الشعب

لإصرار ألفريد فرج على الاستمرار في الدفاع عن قيم العدل والحق كتب بعد ذلك مسرحية “حلاق بغداد”، وهي المسرحية التي تنطوي على مواجهة لرموز الفساد بنفس الوضوح في الرؤية والمعالجة لما كتبه ألفريد فرج في مسرحية “سقوط فرعون”.

حيث لم يكن مضمون “حلاق بغداد” يختلف عن “سقوط فرعون”، إذ عبر فرج من خلال المسرحيتين عن رفضه لاستبداد الحاكم -مهما كان اسم هذا الحاكم ملكا أو رئيسا أو خليفة- برأيه، وإصراره على تطبيق ما يراه من وجهة نظره فقط دون التفات لرأي الشعب، حيث رفض ألفريد فرج في كل الأحوال الدكتاتورية مهما تخفت وراء أقنعة مختلفة.

وقد توالت بعد ذلك أعمال ألفريد فرج التي كتب بعضها في الغربة التي اضطر إليها بسبب الأوضاع في مصر والتضييق على حرية الرأي فيها، وأعمال فرج تؤسس لمسرح قومي معبر عن الشعوب العربية وعن طباعها وعن اغتراب أبناء هذه الشعوب، حيث يلجأ المثقفون إلى الرمز والتاريخ والأساطير القديمة للتعبير عن الواقع الذي يعانون منه تحت القهر والتسلط والظلم وتضييق الخناق على الكتاب والإبداع.

 

ويعتبر النقاد أن مسرحية “سقوط فرعون” من أهم مسرحيات النهضة الحديثة للمسرح المصري، ومن المسرحيات التي رسمت الطريق للحركة المسرحية المصرية، بالرغم من كل المشاكل التي أحاطت بعرض هذه المسرحية، وبالرغم من أنها لم تعرض إلا اثنتي عشرة ليلة فقط.

جدير بالتنويه أن مسرحية “سقوط فرعون ” لمؤلفها ألفريد فرج صدرت في طبعة جديدة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة، وتقع في نحو 185 صفحة من القطع المتوسط.