أخبار فنية

مسرحية كنز الصاعد فوق الوثن

مسرحية كنز الصاعد فوق الوثن

894 مشاهدة

 مسرحية كنز الصاعد فوق الوثن

تأليف :أحمد إبراهيم الدسوقي

مجلة الفنون المسرحية

 

يرفع الستار

( يرى مشهد لغابه موحشة .. في خلفيتها .. كهوف الإنسان القديم البائد .. الزمان .. زمان القبائل الوثنية المتوحشة .. في عالم الانسان البدائي .. المكان إحدى قارات الأرض .. قبل ظهور الإنسان المتحضر .. بألوف السنين .. يرى وثن عملاق في منتصف المسرح .. يبلغ ارتفاعه عشرات الأمتار .. وهو عدة تماثيل وثنية .. قبلية صغيرة .. لوجوه مقدسة .. لحيوانات وطيور .. ومعتقدات وآلهة القبيلة .. موضوعة فوق بعضها مصفوفة .. لتجسد تمثال واحد .. ضخم عملاق .. هو تراكم للعقائد الوثنية .. الدموية المغلوطة الخرقاء .. التي تتسبب .. على مدار مئات السنين .. في فناء تلك القبائل الوثنية .. مبشرة بظهور .. إنسان العالم المتحضر .. المدرك لويلات الحرب ..  هذا لو تعلم من الدرس .. يجلس حول الوثن المزعوم .. بعض من الشباب الصغير العمر .. دون العشرين ربيعا .. الحمقى الطامحين المأفونين .. من مجتمع القبيلة البائدة .. ينتظرون اعتمادهم كرجال .. بلغوا في القبيلة .. ليصطادوا ويحاربوا مع آبائهم .. ويلجوا عالم النساء وملذاته .. في النظام الهرمى .. داخل المنظومة القبلية .. على يد الساحر المقدس .. في الاختبار العظيم .. وياله من اختبار .. ويرى وسطهم .. الساحر البدائي ( الشامان ) .. صاحب الأطماع .. وحب السلطة الدينية .. يصرخ ويتقافز في مكانه .. وهو يرسم بعظمة إنسان .. على الأرض .. طقوسه الدموية .. بهستريا دينية وثنية .. يخطب فيهم بحدة .. بصوت مشروخ .. داعيا للحرب .. بأسلوب ملتف .. وهو لا يدرى .. أنه يعجل بفنائه قبلهم .. وفناء القبيلة بأكملها )

الساحر : ( في حدة وهستيريا وثنية )

هيا .. هيا يا أولاد الوثن البارين .. يا سهام وحراب المستقبل .. من سيصعد فوق الإله المقدس

شاب 1 : ( في تساؤل )

ولماذا علينا أن نصعد .. يا شاماننا الساحر

شاب 2 : ( يفكر )

فسر لنا الأمر الشائك

شاب 3 : ( يلوح بيده )

حل لنا لغز اختفاء .. من يذهب إلى الحرب المقدسة

شاب 4 : ( ينظر إلى الكهوف بعيدا )

من سيطعم الأطفال

شاب 5 : ( يشير إلى عائلته في الأفق )

من سيرعى النساء في غيابنا

شاب 6 : ( يتذكر جديه العجوزين )

من سيهدهد الشيوخ

 الساحر : ( محاولا خداعهم )

تصعدون من أجل الكنز .. كنز بلوغ مرتبة الرجال .. وحمل السلاح المقدس .. وإلا ظللتم صبية .. تلهون في جوار النساء .. تتحسرون على لقائهن

شاب 7 : ( وقد أعجبه حديث الساحر )

وأين الكنز هذا شاماننا .. بالبرية أم في الكهوف

 شاب 8 : ( وهو يفكر مليا )

ولماذا نحارب الغير مادام يسالمنا

الساحر : ( يشير الى اعلى )

 الكنز فوق الوثن المقدس .. أعلاه يا محاربي المستقبل .. يا فحول الصبايا .. اللائي لم يقرب كهوفهن رجال .. المجد في انتظاركم .. النساء قد تزين في خيامكم .. نريد القضاء على كل المغايرين .. جمعاء .. جمعاء .. زعيم القبيلة الديك البرى الأهوج .. صعد قبلكم .. وهو شاب صغير .. وأبلى بلاءا حسنا .. فصار الزعيم .. وكذلك النمر المرقط الأعمى .. صانع الخطط الحربية .. صعد وهو أغر .. فلقنه الوثن الإله .. خبراته في الحرب .. وأخيرا الجاموس البرى النطاح .. مشعل نار الحرب المقدسة .. صعد منذ سنوات .. وصار الأيقونة .. ناره إن أشعلها الهواء المقدس .. صعدت به رجالات .. وذويت قبائل ومجتمعات .. ألا تتشبهون بهم .. يا ثيران البرية الهوجاء .. يا كلاب الجوار المتوحشة .. يا بنات آوى الماكرة

الريشة الحمراء : ( وقد اخذته الحمية )

ماذا .. الكنز المقدس .. كنز بلوغ مراتب حرب الكبار .. سأصعد أنا أولا .. أنا الريشة الحمراء .. ذو الستة عشر ربيعا .. ابن الصقر الجارح لجيرانه .. من الضاربة بحدة لقريناتها .. لأصبح إحدى أيقونات الحرب .. على الآخر .. أيا كان بلا استثناء

( يصعد الفتى الصغير .. الريشة الحمراء .. طامعا في مرتبة دنيوية .. وأحد كهوف النساء .. ويظل يتشبث في التماثيل .. واحدا تلو الآخر .. حتى يصل لآخر الوثن .. لمجده المزعوم .. وبعد وقت ليس بقليل .. يتم إظلام المسرح .. ثم يضاء بعد ذلك .. لمشهد آخر .. فيرى الشاب .. قد وصل لسطح إلهه المزعوم .. وقد شهق شهقة عظيمة .. لقد وجد جماجم وهياكل عظمية .. لآدميين مثله .. شباب صغار .. صعدوا قبله .. ولم يستطيعوا الهبوط .. لقد أكلتهم نيران الحرب .. ولم يصيروا رجالا بحق .. ولا عادوا أطفالا .. صاروا حمقى .. قضوا نحبهم فحسب .. ولم يجدوا إلا الموت .. وهنا يذعر الشاب .. الريشة الحمراء .. ويظل يصرخ ملتاعا .. بعد أن لاح إليه الموت .. والنيران تشتعل من حوله .. وهو يتراجع صارخا )

الريشة الحمراء : ( وهو يولول ) 

أمي .. يا أمي .. الكنز الكنز .. اين الكنز .. لا يوجد غير عظام الحمقى مثلى .. النيران تشتعل من حولي .. تأكل جسدي .. أين الأمجاد .. أين كهوف النساء .. اللعنة على الساحر .. لقد خدعني الشامان الساحر .. بسياسته الحمقاء .. لا يوجد غير عظام المأفونين مثلى .. النيران تحرقني .. أين أنتي يا أمي .. أي حرب نتحدث عنها .. أنحارب الآخر المغاير .. حتى وإن كان .. أخونا في الدم

( يظل الشاب يلقى بالعظام .. من فوق الطوطم وهو يصرخ باكيا .. يلعن الشامان .. ودعاوى الموت وويلاته .. والنيران تشتعل فيه .. وتأكل جسده .. كوقود للحرب .. ثم يظلم المسرح .. ويضاء بعد ثوان .. ويرى المشهد الأول .. الساحر .. لا زال يتراقص بهستيريا .. أمام الشباب الأحمق .. الجالسين حول الوثن .. وهو يلقنهم دعاوى الحرب .. ولغة الدم .. وفجأة تتساقط عليهم .. العظام والهياكل الآدمية .. التي ألقاها الشاب .. المأسوف على حياته .. الريشة الحمراء .. الذى احترق بالأعلى .. فيحدث هرج ومرج .. بين الشباب .. فيظل الشامان الساحر .. يصرخ منتشيا .. محاولا تهدئتهم .. والتغطية على فعلته .. وسياسته الخداعة لهم .. وإثارة الكره والبغضاء .. ضد رجالات القبائل الاخرى )

الساحر : ( في مكر ودهاء )

أرئيتم .. أرئيتم المعجزة .. المعجزة .. الشاب الريشة الحمراء .. يدق ناقوس الحرب .. لقد اعتمده .. الوثن المقدس كمحارب صنديد .. إن الوثن يمطر عظما آدميا .. إنه الكنز .. الكنز .. كنز بلوغ مراتب .. كبار رجالات القبيلة .. هيا هيا .. أشعلوا نار الحرب .. على الآخر المغاير .. حتى وإن كان أشقائكم .. آبائكم .. أعمامكم .. أخوالكم .. كل من يخالفكم في الأفكار .. عدوكم .. عدوكم

( ويظل الشامان الساحر يتشنج .. وهو يتراقص .. ويردد الشباب الحمقى .. من حوله كلماته .. وقد اشتعلت فيهم .. حمية الحرب العمياء )

الشباب : ( وقد هبوا كالعاصفة العمياء الهوجاء )

الكنز .. الكنز المقدس .. مرحى بالكنز المقدس .. احرقوا كهوف القبائل الأخرى .. أعلنوا عليهم الحرب .. نريد المجد .. نريد مواقعة النساء .. نريد أن نصبح رجالا

( وهنا ينهض كل الشباب الصغار .. ويهجمون على الوثن .. وهم يتعاركون للصعود عليه .. وهى آخر لحظة في عمرهم .. ولا زال الشامان الساحر يتراقص بهستيريا .. مبتسما ابتسامة الشيطان .. وهو ينثر العظام الآدمية .. في الهواء .. ويسمع من بعيد .. صوت بكاء وعويل .. النساء والأطفال والشيوخ .. وتضورهم جوعا .. وفزعا من الحرب وويلاتها .. بين القبائل .. بين الأشقاء .. ويرى من بعيد .. قد اعتملت النيران .. في كل كهوف القبيلة .. والقبائل الأخرى .. وأولهم كهف الساحر .. شامان القبيلة )

                        ستار

 

أحمد إبراهيم الدسوقى كاتب وشاعر ورسام

بكارليوس إعلام  - قسم صحافة - القاهرة - مصر

ت 23622850

ت 01141634908   ت 01149800720