مهرجانات متنوعة

مسرحيّة خلف الأبواب

مسرحيّة خلف الأبواب

1375 مشاهدة

 

مسرحيّة خلف الأبواب

 

رؤية إخراجيّة بحرينيّة بارعة لنص استحقّ الاختيار

 

بقلم: زينب.ع.م.البحراني

 

رُغم أنف فراري الدّائم من الكتابة عن أعمال أدبيّة أو فنيّة تمسّ قضايا المرأة لئلا يُرجم قلمي بتُهمة (النّسويّة) و(الحريميّة)، ومُشتقّاتهما الممحوّة من قاموسي الفكريّ والثّقافي، أجد نفسي مُضطرّة للاعتراف الصّادق بأنّ أهم أسرار إعجابي بهذه المسرحيّة هو اختيار نصّ يصوّر واحدةٍ من أهمّ القضايا النّفسيّة للمرأة، مُسلّطةٍ ضوءًا ساطعًا على دور العنف والقهر في تحويل مخلوقٍ رقيقٍ إلى مسخٍ بروحٍ متوحّشة، وقلبٍ رِجراجٍ مُضطربٍ يجعل ردود أفعالها العنيفة تتفوّق في سُرعتها على صوت العقل والعواطف الطبيعيّة كذلك!. فبطلة المسرحيّة - التي من تأليف (كلود بروسولو)، وترجمة (كلثوم أمين) - الزّوجة التي كان يراها زوجها والنّاس امرأةً بالغة الرّقة والحساسية، يستفزّ أعصابها السّماع بقدوم شابٍ غريبٍ إلى مكانٍ قريبٍ من الدّار التي يُقيمان فيها، فتدور حول نفسها وزوجها في دوّامة من الهواجس والتّساؤلات العصبيّة دون أن تنجح مُحاولات تهدئة زوجها لها في إخماد خوفها المُتصاعد من تسلل القادم الغريب إلى دارهم. ثمّ يُفاجأ بها تُهدّده بالسّلاح كي يبذل ما بوسعه لطرد الغريب والتّخلّص منه، وحين تبدو دهشته في تساؤلِ رُعبٍ لاهثٍ عن سرّ انقلاب امرأته التي كانت مثالا للرّقة إلى وحشٍ غير متوقّع تُجيبه بشراسة: " لكلّ منّا وحشٌ ينام بداخله، المهمّ ألا يستيقظ". وتنطلق رحلة التّصاعُد الدّرامي المُثير للأحداث فنكتشف أنّ سرّ مقتها للغريب المجهول هو أنّها تظنّه الولد الذي غرسه في أحشائها اغتصابٌ مُفاجئ لطفولتها قبل سنواتٍ بعيدة، لهذا تعتبره وحشًا مثل أبيه، و لا تعتبره ابنها لأنّها لم يكُن لها الخيار في أن يستقبله جسدها ثمّ يتمخّض عنه ويُنجبه. تلك الكراهية والحقد المُعتّق على الولد ووالده الذي انتقمت منه الظّروف حين ساعدتها على قتله من قبل، جعلت رغبتها في الانتقام تبلغ الذّروة إلى حدّ تشتهي معه للغامض الغريب ما هو فوق الموت، مُعترفةٍ برغبتها في أن يتعفّن في مخزن دارها، لتشمّ رائحة الموت من جُثّته شهورًا قادمة، ويُصبح عطرها المُفضّل. وأمام مواجهة الزّوج لحقيقة الماضي الذي تكفّل بكلّ هذا الخراب في نفس زوجته، يُحاول تهدءتها واستيعاب إسقاطاتها النّفسيّة برفق حتّى تغفو، وإذ ذاك ينتهز فُرصة غفوتها لحلّ أزمة صراعه الدّاخليّ بين اهتمامه بأمر زوجته وبين خوفه على كائنٍ بشريّ حي من الموت والتّعفّن فعلا بداخل المخزن، فيخرج باحثًا في المخزن الذي يكتشف خلّوه من أيّ كائنٍ حي، ثمّ يعود مُحاولا فتح باب الدّار الذي نسي إصلاحه، فتوقظ مُحاولاته المسموعة تلك الزّوجة التي تهبّ من غفوتها بفزع، وتُطلق النّار على الباب الخشبيّ قبل أن تسأل عمّن وراءه، ليُفتح الباب تحت وطأة جُثّة الزّوج المسكين فتنطلق صرختها المُرتاعة.. لكنّها سُرعان ما تتمالك جِنانها لتسحب الرّجل من قدميه إلى حديقة الدّار وتهيل عليه التّراب بقلبٍ جليدي، ثمّ تعود إلى حُجرة المعيشة لتتهاوى بجسدها على كرسيّها الهزّاز مُتسائلةً بصوتٍ مسموع: " لماذا يختبئ الرّجال دومًا خلف الأبواب؟!" ..

 

الممثّلة (برفين) نمّ أداؤها المُتميّز بحق عن براعةٍ وموهبةٍ وإحساسٍ كثيفٍ وجُهدٍ واضحٍ في التمرّن على الدّور، أمّا الممثّل (وليد محمّد) فقد امتازت ردود أفعاله على الخشبة بمقدرةٍ فريدةٍ على إقناعي كمُتفرّجة، كما بدا جُهده المحمود في الاستعداد للدّور. المُخرج (ياسر ناصر) قدّم رؤيةً إخراجيّة شديدة الرّقي، بأسلوبٍ يحترم ذوق المُشاهد وعقليّته. السّينوغرافيا التي رسم خطوطها المُخرج ونفّذها (فاضل الدّرازي) كانت مُتقنة، مثلما أتقن المُساعدون (محمّد شاهين)، (أحمد السّاده) و (زكريّا الشّيخ) عملهم، ومثلما لا نشكّ في أنّ مُتابعة (ياسين قازاني) وَ (حسين أسيري) للإنتاج كانت جادّة ومُتميّزة ليبزغ هذا العمل المسرحيّ مُطلا على أرواحنا كمُشاهدين بهذه الصّورة البديعة. خالص التّقدير لمسرح (جلجامش) الذي انبثقت هذه المسرحيّة من تعاونه مع مركز الأمم المُتّحدة، وبانتظار جديد أعماله المسرحيّة مصوّرة روح التّعاون الفنّي والإتقان ذاته.

 

التعليقات

اترك تعليقك هنا

كل الحقول إجبارية